22 أكتوبر 2025

الانتقاد العلني للأم... جرح عاطفي يتوارثه الأبناء

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في كثير من البيوت، قد يظن الأب أن تعليقاً عابراً، أو نقداً سريعاً موجهاً إلى الأم أمام الأبناء يمرّ بلا أثر، لكنه في الحقيقة يترك بصمته العميقة في نفوسهم. فالطفل لا يكتفي بالاستماع، بل يخزّن الموقف في وعيه، ويحوّله إلى مشاعر وصور ذهنية قد تهز مكانة الأم في عينيه، وتزعزع ثقته بها، وحين يرى تكرار هذه المواقف، يبدأ الصغير بتبنّي أدوار لا تناسب عمره، فيتحوّل، من دون وعي، إلى أب صغير يراقب، ويوجّه، وأحياناً يدافع عن أمّه كما لو كان حاميها.

هذا الحمل النفسي المبكر يثقل طفولته، ويشوّه إدراكه للتوازن الطبيعي بين الأدوار داخل الأسرة، فينشأ على ارتباك عاطفي، قد يمتد أثره إلى حياته المستقبلية.

مجلة كل الأسرة

الدكتور خالد السلامي، مستشار أسري وتربوي، يقول «العلاقة النفسية بين الطفل وأمّه، في سنواته الأولى، هي حجر الأساس لشعوره بالأمان، والثقة بنفسه، وصورتها في عينيه بالغة الحساسية، لأنها مصدر الحب والرعاية الأول، لكن عندما ينتقد الأب الأمن أو يسخر منها أمام الأبناء، تتزعزع هذه الصورة، فيفقد الطفل بعضاً من ثقته بوالدته، ويشعر بالقلق وعدم الأمان داخل أسرته. ومع تكرار الانتقاد يخلق بيئة مشحونة بالتوتر، وهو عبء نفسي وسلوكي لا يناسب مرحلته العمرية، وقد يترك آثاراً عميقة في شخصيته ومستقبله، كتحمّل مسؤوليات أكبر من طاقته، أو الدخول في أدوار أسرية مشوّهة. فانتقاد الأم علناً يفقد الطفل شعوره بأن أسرته متماسكة، كما كان يعتقد، ويعيش حالة خوف وارتباك، إذ يرى مصدر الأمان (الأب)، يتحول إلى مصدر تهديد لفظي للأم، فيشعر كأن أمنه العائلي مهدّد، هذا المشهد قد يجعله دائم القلق، مترقباً للأسوأ، وقد يظن أن غضب الأب قد يتوجه إليه أيضاً».

مجلة كل الأسرة

ويضيف «بعض الأطفال يستجيبون بالدفاع عن أمهم، أو مواساتها، مدفوعين بالحب والولاء، كأنهم رجال البيت، فيما يقلّد آخرون أسلوب الأب نفسه، بالانتقاد، أو التوجيه، معتقدين أن هذا هو الدور الطبيعي للرجل في الأسرة. هذا التقمص المبكر لدور يفوق عمر الطفل يفرض عليه عبئاً نفسياً لا يحتمله، فيفقد جزءاً من براءته، وحقه في اللعب والحرية، وقد يظهر عليه نضج مبكر، لكنه مشوب بالقلق والذنب، ويكبر معتقداً أن قيمته تكمن في رعاية الآخرين. وتؤكد بعض الدراسات أن هذا الانقلاب في الأدوار قد يؤدي، لاحقاً، إلى اضطرابات في التعلق العاطفي، ومشكلات في الثقة بالآخرين، وقلق أو اكتئاب، أو سلوكات عدوانية أو انطوائية».

لابد من طمأنة الطفل بحديث يناسب عمره أن مسؤوليته ليست حماية الأم

ويشير د. السلامي إلى نقطة هامة تتعلق بكيفية إصلاح الوضع الذي يجعل الطفل يلعب دور الأب مع أمه، الأمر الذي يتطلب وعياً وصبراً من الوالدين:

  • الخطوة الأولى تبدأ بأن يتوقف الأب عن الانتقاد العلني لزوجته، ويظهر احتراماً ودعماً أكبر لها أمام الأبناء، حتى يشعر الطفل بأن أمه بخير، ولا تحتاج إلى دفاعه.
  • بالتوازي، ينبغي طمأنة الطفل بحديث بسيط يناسب عمره، يُفهم من خلاله أن مسؤوليته ليست حماية أمه، بل أن يعيش حياته كطفل سعيد، بينما يتكفل الوالدان بحل خلافاتهما، ومن المهم أيضاً تشجيعه على اللعب والاندماج في أنشطة تناسب سنه، ليستعيد براءته الطبيعية بعيداً عن هموم الكبار.
  • وفي بعض الحالات قد تساعد الاستعانة بمختص أسري أو نفسي، على إعادة التوازن للعلاقة وتصحيح الأدوار، سواء عبر جلسات إرشادية للوالدين، أو أنشطة علاجية للطفلن تتيح له التعبير عما يشعر به، ومع مرور الوقت، ورؤية الطفل أن والده يعامل والدته باحترام ومودّة، سيبدأ بالارتياح، ويعود تدريجياً إلى دور الابن الطبيعي، من دون شعور بالذنب، أو القلق، فكل طفل يستحق أن يعيش طفولته بسلام، وأن يرى في والديه سنداً متيناً، لا ساحة صراع، ليكبر مطمئناً بأن الحب والاحترام هما اللغة التي تبنى بها البيوت السعيدة.
مجلة كل الأسرة

كيف ينتقد الأب أو يوجّه من دون إحراج الأم أمام الأبناء؟

  • الامتناع تماماً عن النقد أمام الأطفال، وجعل النقاش على انفراد، وفي الوقت المناسب.
  • دعم الأم ظاهرياً أمام الأبناء، أو التزام الصمت، مع مناقشة الملاحظة لاحقاً بروح ودّية.
  • جعل النقد منصباً على الموقف، أو الفعل، لا على شخصية الأم.
  • استخدام عبارات تبدأ بـ «أنا أشعر»، أو «أنا أرى» بدلاً من التعميم واللوم.
  • تجنب كلمات مثل «أبداً» و«دائماً» عند النقد، مثل «دائما ما تقعين في نفسك الخطأ»، أو «لا تتصرفين بحكمة أبداً».
  • الاعتذار إذا حدث انتقاد أمام الأبناء، لتصحيح الموقف، وتعليمهم قيمة الاعتراف بالخطأ.
  • الحرص على إظهار التقدير لجهود الأم قبل إبداء الملاحظة، أو التوجيه.
مجلة كل الأسرة

قواعد ذهبية لحماية صورة الوالدين أمام الأبناء

يقدم الدكتور خالد السلامي بعض القواعد الأساسية التي يجب على الأبوين الالتزام بها لمصلحتهما أولاً، ولمصلحة الأبناء، والأسرة عموماً:

  • الاتفاق على تجنب الخلافات أو الانتقادات العلنية أمام الأبناء.
  • إظهار الدعم المتبادل في القرارات التربوية أمام الطفل، حتى مع وجود اختلاف داخلي.
  • إبراز الجوانب الإيجابية للطرف الآخر بالكلمات أمام الأبناء (التقدير العلني).
  • أن يكون الوالدان قدوة في الحوار الهادئ والاحترام المتبادل.
  • الاعتذار أمام الأبناء عند الخطأ، ليتعلموا قيمة التواضع والاعتراف بالذنب.
  • التأكيد باستمرار على أن الحب والاحترام بين الوالدين ثابت ولا يتغير.- تذكّر أن البيت هو المدرسة الأولى للأطفال، وما يرونه بين والديهم سيشكل نظرتهم المستقبلية للعلاقات.