10 أغسطس 2025

إخفاء أخطاء الأبناء عن الأب.. حماية مؤقتة أم شرخ تربوي؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في كثير من البيوت، قد تختار الأم، أحياناً إخفاء خطأ ارتكبه طفلها عن والده، إمّا بدافع الحماية، وإمّا لتجنّب التصعيد والعقاب.. وبينما تبدو هذه الخطوة عاطفية ومبرّرة في بعض المواقف، إلا أن بعض الخبراء يحذرون من أن تكرارها بشكل غير مدروس قد يخلق خللاً في التوازن التربوي داخل الأسرة، ويؤثر في ثقة الأبناء بوالديهم، وفي علاقة الوالدين ببعضهما بعضاً.

فمتى يكون الإخفاء مقبولاً تربوياً؟ ومتى يتحوّل إلى عادة تضر أكثر مما تنفع؟ وكيف يمكن للأسرة أن تتبنّى منهجاً متزناً في مواجهة أخطاء الأطفال، من دون إخفاء، أو تهويل؟

مجلة كل الأسرة

تحدثنا مرام المسلم، أخصائية نفسية وتربوية، عن تأثير هذا الفعل في بنية الأسرة، وتقول «إخفاء الأخطاء عن أحد الوالدين، بخاصة عن الأب، لا يمرّ من دون آثار في البنية العاطفية والتربوية للأسرة، فعندما يكتشف أن قرارات تخصّ أبناءه كانت تُدار من خلفه، قد يشعر بالتهميش، كأن وجوده في الأسرة شكلي فقط، هذا الإحساس قد ينعكس على موقفه من الأبوّة، ويجعله أقلّ اندماجاً أو تفاعلاً في دوره التربوي. من جهة أخرى، يؤثر هذا السلوك في نظرة الطفل نفسه لأبيه، إذ تتحوّل صورته في عقله الباطن من مصدر للأمان والدعم إلى مصدر تهديد وخوف، فيبدأ بتجنّب التواصل الصادق معه، ويشعر بأن مشاركته للمشاعر والأخطاء قد تعرّضه للخطر بدلاً من المساندة، ومع الوقت، يتآكل الرابط العاطفي بين الطرفين، وقد يصعب ترميمه لاحقاً».

مجلة كل الأسرة

هل هناك حالات يكون فيها الإخفاء مبرراً؟

تجيب مرام «الإخفاء قد يكون مبرراً في حالات استثنائية فقط، مثل أن يكون هناك خطر جسدي أو نفسي مباشر على الطفل، كأن يتعرض لعنف قاسٍ في حال معرفة الأب بالخطأ، في مثل هذه الظروف، يكون الإخفاء محاولة لحماية الطفل من الأذى، بشرط أن يكون مؤقتاً، وتحت إشراف خطة تربوية واضحة. لكن ما عدا ذلك، فإن الإخفاء المتكرّر من دون استراتيجية واضحة يُعد سلوكاً مضرّاً، وغير تربوي، بخاصة إذا كان بدافع التهرب من المواجهة، أو افتقد خطة تصحيحية لسلوك الطفل، فالممارسات التربوية السليمة تتطلّب مواجهة الأخطاء ضمن بيئة آمنة، لا التستر عليها، أو تأجيل حلها».

مجلة كل الأسرة

كيف يتبنى الوالدان منهجاً متزناً في مواجهة أخطاء الأبناء؟

توضح مرام المسلم «المنهج المتزن في التربية يبدأ من ترابط حقيقي بين الوالدين، يقوم على الشراكة في اتخاذ القرار التربوي، حتى لو اختلفت وجهات النظر بينهما، فالعلاقة التربوية الناجحة لا تعني التطابق في كل التفاصيل، بل تعني وجود اتفاق أساسي على المبادئ، وعدم إظهار الخلافات أمام الأبناء، ويمكن اتباع الخطوات التالية:

بناء تحالف تربوي بين الوالدين

الخطوة الأولى نحو توازن تربوي فعّال تبدأ من اتفاق داخلي بين الأب والأم على المبادئ التربوية الأساسية، فليس مطلوباً أن يتفقا في كل التفاصيل، لكن من الضروري أن يكون هناك حد أدنى من التفاهم المشترك حول كيف نربي؟ وكيف نُصحّح؟ هذا الاتفاق يجب أن يتم في جلسات خاصة بين الوالدين، بعيداً عن الطفل، بحيث لا يرى الخلاف أو التباين بين والديه، لأن الطفل سريعاً ما يلتقط التناقضات، ويستغلها للتهرّب، أو لإضعاف السلطة التربوية لأحد الطرفين. فمن المهم أن يتبنى الطرفان رؤية مشتركة تقوم على دعم بعضهما بعضاً أمام الطفل، حتى في حال وجود خلافات مؤجلة للنقاش لاحقاً.

توزيع الأدوار بمرونة

الأسرة المتزنة لا تُحمّل أحد الوالدين مسؤولية التربية كاملة، بل تعتمد على توزيع الأدوار بطريقة مرنة ومدروسة، ففي بعض المواقف، يمكن لأحد الوالدين أن يلعب دور الوسيط، أو الطرف الهادئ، بشرط عدم إخفاء الحقيقة، أو التستر على السلوك الخاطئ، مثلًا: قد تخبر الأم الأب أن الابن ارتكب خطأ ما، لكنها تقترح تأجيل العقاب وإعطاء الطفل فرصة لشرح ما حدث، وفتح حوار تعليمي بدلاً من التصعيد. المهم، هنا أن يشعر كل طرف بمسؤوليته، وأن يكون القرار مشتركاً لا أحادياً، ما يُجنب الوقوع في فخ «الأم الحنونة»، مقابل «الأب القاسي»، أو العكس.

فتح حوار مباشر مع الطفل

جزء كبير من التربية السليمة يقوم على حوار صادق وهادئ مع الطفل، لا على التلقين، أو التهديد، إذ يجب أن يُفهم الطفل أن ارتكاب الخطأ ليس نهاية العالم، بل هو فرصة للتعلّم والتطوّر، كما ينبغي أن يُسأل الطفل: لماذا فعلت ذلك؟ كيف كنت تفكر؟ ماذا تتوقع أن تكون نتيجة تصرفك؟ وعند الحديث معه، يجب أن نُوضح أن تحمّله للمسؤولية لا يعني العقوبة فقط، بل يعني أنه أصبح ناضجاً بما يكفي ليواجه نتائج أفعاله بطريقة محترمة وآمنة.

الاتفاق على خطوات تصحيح السلوك

مجرّد معرفة الخطأ لا يكفي، يجب أن تكون هناك خطة واضحة لتصحيحه، تتضمن ما الذي سيفعله الطفل لتعويض ما حدث؟ هل ستكون هناك عواقب طبيعية (وليس انتقامية) لسلوكه؟ ما الدعم الذي يحتاج إليه لتجنب تكرار السلوك في المستقبل؟ وهنا، يمكن وضع جدول صغير، أو اتفاق مكتوب بحسب عمر الطفل، يحدد ما هو مطلوب منه وكيف ستتم متابعته.

احترام الفروق الفردية بين الأبناء

كل طفل هو حالة فريدة، ولهذا يجب أن تُراعي الأسرة الفروق الفردية عند التعامل مع الأخطاء، فطفل يعاني فرط الحركة، أو صعوبة في التركيز، لا يُعامل مثل الهادئ والمنظم، كما أن الطفل الحساس نفسياً قد لا يحتمل أسلوب التوبيخ الذي قد ينجح مع طفل آخر. لذلك، ينبغي على الأسرة أن تدرس حالة كل طفل، وتتعامل مع أخطائه بوصفها فرصة لنموه الشخصي بناء على خصائصه وظروفه الخاصة، لا كتهديد لهوية الأسرة، أو هيبة الوالدين.

دعم مشترك من كلا الوالدين

الأطفال يزدهرون عندما يشعرون بأن كلا الوالدين يقف إلى جانبهم ويدعمهم، حتى عندما يخطئون، والدعم لا يعني التبرير أو التغطية، بل يعني أن نقول للطفل: «نحن هنا لنساعدك على أن تصبح أفضل»، فهذا الدعم المشترك الذي يشعر فيه الطفل بأن الوالدين في صفّه وهو يواجه عواقب خطئه، لا ضده أو في موقف انتقام منه، يبني لديه إحساساً بالثقة والأمان، ويجعله أكثر استعداداً لتحمّل المسؤولية ومواجهة النتائج.

التربية الحقيقية تبدأ من الصراحة وتنضج عبر الشراكة

وختاماً، تؤكد مرام المسلم «التعامل مع أخطاء الأبناء يجب ألّا يكون ساحة للإخفاء أو التصعيد، بل ساحة للتعلّم والتفاهم، فكلما كان الوالدان على وفاق تربوي، وتشاركا في دعم الطفل وتوجيهه، زادت فرص النمو السليم لشخصيته، أما الإخفاء، وإن بدا حلاً سريعاً، فقد يترك آثاراً طويلة الأمد في العلاقة بين الأب والطفل، ويزعزع ثقة الطفل بنفسه وأسرته، فالتربية الحقيقية تبدأ من الصراحة، وتنضج عبر الشراكة، وتثمر حين نعامل الخطأ كخطوة نحو النضج، لا كوصمة، أو تهديد».