«تربية الأطفال بدون الإصابة بإنهاك عصبي».. أعظم مكافأة عند الطفل تهنئته على حسن سلوكه

البروفيسور ألان كازدين هو واحد من أهم الاختصاصيين في علم نفس الطفل، يكشف في هذا الكتاب «تربية الأطفال بدون الإصابة بإنهاك عصبي» مقاربته الساعية إلى تعزيز السلوكات التي نرغب أن نراها في أطفالنا. وقد ولد نهجه هذا بعد سنوات عدّة من البحث العلمي الذي خلص إلى تأكيد أهمية التعزيز الإيجابي، مقابل العقاب السلبي، من دون التخلي عن الحدود التي ينبغي رسمها أمام الطفل.

تعتمد طريقة البروفيسور كازدين على ثلاثة مرتكزات، هي: ما حصل قبل الطلب الذي نوجهه إلى الطفل، أي السوابق، وما حصل عند تنفيذ الطلب، أي السلوك، وما يحصل بعد تنفيذ الطلب، أي النتائج. وسنأتي على تفنيد كل منها.
السوابق
تأتي السوابق بالطبع قبل السلوك المرجو أو المكروه، أحياناً قبل ثوانٍ منه، كما حين تطلب من الطفل أن يغسل يديه قبل تناول الطعام، وأحياناً قبل وقت طويل، كما حينما تبدأ بفترة التهدئة قبل النوم بساعة. وحتى تكون هذه السوابق فعّالة، يجب أن تتسم بالهدوء من دون قسوة، ترافقها عبارة «لو سمحت»، ووعد بالمرونة يعني أنك قد تعطي الطفل إمكانية الخيار. أما الصّرامة والضغط الشديد فيعطيان انطباعاً بأنك لست على ثقة بأن الطفل سيطيعك. وحين تكون أنت مضغوطاً، أو على عجل، ومتوتراً، فيجب ألا تنسى أن ردّ فعلك يؤثر كثيراً في علاقتك مع طفلك. وإليك في ما يلي قائمتين بما يجب أن تفعله، وبما يجب ألّا تفعله:
ما يجب فعله:
- الاحتفاظ بالهدوء وتوجيه طلب واضح ودقيق إلى الطفل.
- لا تنسَ أن نبرة صوتك وتعابير وجهك مؤثران في إمكانية حصولك على السلوك المرجو.
- كن قريباً من الطفل وتحدّث معه بصوت عادي.
- أرفق كل طلب بعبارة «لو سمحت» أو ما يشبهها، وستزداد إمكانية تنفيذ الطفل لما تريد.
- وجّه طلباتك لحظة تكون الأكثر فعالية، أي قبيل السلوك الذي ترغب فيه، وقدّم خيارات عدّة إذا أمكن.

ما يجب عدم فعله:
- حينما تصدر أمراً لا تضاعفه بواسطة سبابتك الموجهة نحو الطفل.
- لا تقل «لأنني أنا من يُقرر»، ولا «لأنني أبوك أو أمك».
- لا تكرّر الأمر مرّات عدّة في وقت قصير، فهذا نوع من المطاردة، وقليلاً ما يعطي هذا النمط نتائج مرضية.
- لا تذكر النتائج السلبية التي قد تحصل في حال لم يلبِ الطفل طلبك، فهذا النوع من التهديد لا ينفع.
- لا تقلق، فأنت لا تطلب رضى الطفل عنك، بل تتصرف بشكل يجعلك تحصل على ما تريد من الطفل
- لا تنتقل فوراً إلى النتائج في حال لم تحصل على ما تريد، فالسوابق قد تفعل المعجزات.

السلوك المرغوب فيه
النقطة الأساسية هنا هي ممارسة السلوك المرغوب فيه، ويجب أن يحدث هذا السلوك حتى نتمكن من الانتقال إلى النتائج، وهي: حين تتصرف بهذه الطريقة سوف تحصد نتائج إيجابية، وعندما تكرّر هذا السلوك ستحصد نتائج أكثر إيجابية.
ما يجب فعله:
- تحديد السلوك الإيجابي الذي ترغبون فيه بعبارات ملموسة حتى لو كان هدفكم الأساسي هو التخلص من سلوك مزعج.
- إذا كان الأمر مجموعة سلوكات، أو متواليات من السلوكات المتميزة، فصّل كل واحد منها بالترتيب الذي يجب أن يحدث فيه، حتى تكون طريقتك أكثر فعالية.
- كن صبوراً، لأن إرساء عادات جديدة، وإعطاءها الشكل الذي تريد وترسيخها تتطلب التقدم ببطء.
- وفي حال لم يحدث السلوك الذي تريده قم بتناوب الأدوار من أجل أن تتمكن من اللجوء إلى السوابق.
- إذا كان الطفل قد طبّق السلوك المرجو مرات عدّة لكنه لا يريد تطبيقه هذه المرة، يمكن اللجوء إلى تقنية «الإقلاع»، أي القيام معه بأولى الخطوات حتى يسهل عليه إكمال ما تبقى.
- يجب ممارسة السلوك المرجو مرات عدّة، حتى يكون من السوابق التي يمكنك اللجوء إليها.
ما يجب عدم فعله:
- بهدف تعديل أيّ سلوك، لا تنطلقوا من صفات عمومية، كالنزاهة، أو التعاطف مع الآخرين، بل ابدأوا بسلوكات محدّدة، واعملوا بهذا الاتجاه لترسيخها.
- لا تظن أن الشخص الذي يعرف كيف يقوم بعمل ما سيقوم به بالضرورة، وبشكل منتظم، وأنه لن يكون بحاجة إلى مساعدة حتى يتحوّل إلى عادة.
- لا تشعر بالإحباط في حال نجح طفل في الحصول على السلوك المرجو من دون الكثير من الجهد من جانبك، في حين أن طفلاً آخر سيحتاج إلى جهد أكبر بكثير، فهذا طبيعي لأن كل شخص يختلف عن الآخر.

النتائج
هي ما يلي السلوك، وهو نوع من التعزيز الإيجابي له، وما يشكل قلب أيّ آلية تغيير. فالتعزيز الإيجابي يهدف إلى تنمية السلوك المطلوب، وإلغاء السلوك غير المرغوب فيه:
ما يجب فعله:
- حدّد السلوك الذي ترغب في تنميته بكلمات واضحة وبطريقة تقدم فيها المعززات بشكل جلي.
- فليكن هدفك دقيقاً، بمراحل واضحة، من دونها لن تتمكن من ممارسة التعزيز المطلوب، كتهنئة الطفل على تجاوبه في كل مرحلة.
- ركّز على التهاني، فهي كافية بذاتها عموماً كنتائج للسلوك. وإذا ما وضعت نقاطاً فهي تكون مكملة للتهاني، وليست بديلاً عنها. ويجب ذكر السلوك بالتحديد الذي يلقى هذا الترحيب وهذه التهاني. وفي حال كنت تتعاطى مع مراهق، أو مع طفل ما قبل البلوغ، لتكن تهانيك بينك وبينه، وليس أمام الجميع.
- قدم التعزيزات بالطريقة التالية: مباشرة بعد السلوك ولا تؤجلها، قل بوضوح إنك تهنئ الطفل، وتحدّد السلوك الذي أعجبك، عند الصغار هنئ بحماسة فهذه مهمة بالنسبة إليهم، مع إضافة حركة تحبُّب، أو قبلة.
ما يجب عدم فعله:
- لا ترتجل مكافآت وحوافز لسلوكات جديدة تختارها بشكل عشوائي. فالنتائج جزء من برنامج تم التفكير فيه، وهدفه تنمية عدد من السلوكات المطلوبة.
- لا تخلط بين ما اعتدت أن تقدمه كدعم وانتباه، مع ما تقدمه من تعزيز عند رغبتك في إرساء سلوك جديد معين. إذا كنت ذا طبيعة حنونة، وتحب التعبير عن عاطفتك بحركات جسدية، لا بأس من أن تبقى كذلك، لكن متى كنت أمام سلوك قيد التعديل يجب ألا تنسى أن عاطفتك هنا هي للتعزيز، وعليك بالتالي أن تذكر لماذا تهنئ، ولماذا تقبّل.
- لا تظن أنه ينبغي أن تقدم تحفيزات شديدة الجاذبية للحصول على السلوك الذي تريده، فما من علاقة بين كلفة المكافأة وبين فعاليتها. فالذهاب إلى مدينة الألعاب هو بالطبع مكافأة جميلة لكن قوتها التعزيزية ليست مضمونة، في حين أن امتياز اختيار طعام المساء قد يكون تعزيزاً أهم. أما أهم تعزيز، وأكثر ما يفعل فعله وحده فهو في أغلب الأحيان إعارة اهتمامك إلى الطفل، وتهنئته كما سبق وأسلفنا.
اقرأ أيضاً: 10 علامات تدل على النجاح في تربية الأبناء