03 مارس 2025

بين الواجبات والضغوط الاجتماعية.. كيف للمرأة أن تعيش رمضان بروحانية وسلام؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

يمثل شهر رمضان فرصة روحانية مميّزة للمسلمين، يجمع ما بين الصيام، والصلاة، والقيام، والتأمل، لكنه يشكل تحدّياً كبيراً للمرأة، التي تجد نفسها مطالبة بالتوفيق بين واجباتها الأسرية، ومسؤولياتها العملية، ومتطلبات الحياة الاجتماعية. فإلى جانب مهام المنزل، وإعداد وجبات الإفطار والسحور، والمشاركة في التجمعات العائلية، تواجه النساء ضغوطاً إضافية تتعلق بالمظهر الاجتماعي، والتي فرضتها توقعات محيطها الاجتماعي، ووسائل التواصل الاجتماعي.

فما هي التحدّيات التي تواجهها النساء خلال رمضان؟ وما هي الاستراتيجيات التي يمكن اتّباعها ليتمكنّ من إدارة هذه الضغوط والحفاظ على توازنهنّ، النفسي والروحي؟

تقول الدكتورة شاكيل أجنيو، أستاذ علم النفس بجامعة هيريوت وات دبي، «يشكل شهر رمضان تحدّياً مزدوجاً، وضغطاً كبيراً للمرأة، حيث تواجه توقعات مجتمعية وثقافية تتطلب منها أداء أدوار متعدّدة. فتشعر الكثير من النساء بالذنب، أو النقص عندما لا يتمكنّ من تحقيق جميع التوقعات. وغالباً ما تتحمّل المرأة مسؤولية إعداد وجبات السحور والإفطار، والتحضير للولائم العائلية، والحفاظ على ترتيب المنزل. وفي الوقت نفسه، يُنتظر منها الصيام، والمشاركة في الأنشطة والفعاليات الدينية، والاندماج مع الأسرة، مع السعي لتحقيق توازن بين هذه الواجبات والتزاماتها، العملية والشخصية، ما يؤدي إلى شعورها بالإرهاق والتوتر».

مجلة كل الأسرة

تكشف د. شاكيل «تزداد الضغوط على المرأة مع زيادة الضغوط الاجتماعية (استضافة ولائم الإفطار)، حيث تسعى النساء لأن يكون هذا الحدث على أكمل وجه، بخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يزداد حجم التوقعات بسبب المقارنات المستمرة، ما يزيد من الشعور بضرورة تحقيق معايير مبالغ فيها، وقد أشارت إحدى الدراسات الحديثة إلى أن النساء المسلمات يجدن في رمضان طرقاً لتعزيز ارتباطهنّ بعقيدتهنّ ومجتمعهنّ، بخاصة من خلال تحضير الطعام، واستضافة الأهل والأقارب والأصدقاء، على الإفطار، وتوضح الدراسة أن هذه الأنشطة تندرج ضمن إطار «الأدوار الثلاثية» للمرأة، حيث تلعب دور الأم، وربة المنزل، والمرأة المشاركة في الشعائر الدينية، ما يعكس توازنها بين المسؤوليات الأسرية والروحانية، خلال الشهر الفضيل».

مجلة كل الأسرة

وتشير شاكيل «إلى جانب توقعات العائلة، تواجه النساء خلال شهر رمضان ضغوطاً إضافية أخرى، بسبب المقارنات الاجتماعية، بخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعرض صوراً مثالية للالتزام الديني والاجتماعي، مثل حضور بعض التجمعات الدينية، كالمحاضرات أو دروس تحفيظ القرآن، وإعداد موائد إفطار فاخرة للضيوف، ما يدفع النساء إلى الشعور بالذنب، والتقصير، ووفقاً لنظرية تقرير المصير (SDT)، فإن الشعور بضرورة التوافق مع التوقعات الخارجية- سواء في الصيام، أو الأنشطة الاجتماعية، أو الممارسات الدينية- يمكن أن يؤثر سلباً في الإحساس بالاستقلالية، والكفاءة، والانتماء. وعندما لا تتم تلبية هذه الاحتياجات النفسية الأساسية، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى الإحباط والإرهاق، ما يؤثر في الصحة النفسية للمرأة، خلال الشهر الفضيل».

تكمل «لمواجهة ضغوط التوقعات الاجتماعية خلال رمضان، تحتاج النساء إلى إعطاء الأولوية لصحتهنّ، النفسية والجسدية، تماماً كما يلتزمن بالواجبات الدينية والاجتماعية، ما يساعد على وضع حدود واضحة مع العائلة والأصدقاء، بخاصة عند تراكم المهام، وتخفيف الأعباء، وخلق بيئة أكثر دعماً، ومساعدة».

مجلة كل الأسرة

أما على الصعيد المالي، فتوضح د. شاكيل «قد يكون رمضان مرهقاً بسبب تكاليف الطعام، والهدايا، والتبرعات. لذا يمكن أن يساعد وضع ميزانية واقعية تركز على الجوانب الروحية والخيرية، بدلاً من الإنفاق المادي، على تخفيف هذا العبء، أما في بيئة العمل، فيشكل تحقيق التوازن بين الصيام والمهام الوظيفية تحدّياً على المرأة، ما يجعل اعتماد نماذج عمل مرنة، أو أخذ فترات راحة قصيرة، أمراً ضرورياً للحفاظ على الطاقة. وتوزيع الأعباء المنزلية بين أفراد الأسرة، مثل إعداد الطعام والتنظيف، يسهم في خلق بيئة أكثر راحة وتوازناً، ما يتيح للمرأة فرصة أكبر للاستمتاع بالشهر الفضيل، من دون إرهاق».

 وتنصح أستاذ علم النفس المرأة للاستمتاع بشهر رمضان، من دون إرهاق «تحتاج النساء إلى حرية اختيار كيف يقضين هذا الشهر وفقاً لظروفهنّ، واحتياجاتهن. تشير نظرية تقرير المصير (SDT)، إلى أن الأشخاص يكونون أكثر سعادة وتحفيزاً عندما يتحكمون في قراراتهم، سواء في طريقة الصيام، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، أو ممارسة العبادات، ومن خلال التركيز على القيم الشخصية بدلاً من التوقعات الخارجية، يمكن للمرأة أن تجعل تجربتها الرمضانية أكثر راحة ورضا. كما يجب عليها إعادة النظر في الأدوار التقليدية داخل الأسرة، وتقاسم المسؤوليات، بما يمنحها مساحة أكبر للعناية بنفسها، وتحقيق التوازن بين الروحانية، والالتزامات اليومية».