في شهر رمضان المبارك يضطرب ميزان النوم عند البعض، إذ تؤثر التغيّرات في جدول اليوم والعمل ومتطلبات الشهر الفضيل، في نمط النوم، حيث يتحوّل نهار البعض إلى ليل، وليله إلى نهار.
هذا الانقلاب في نمط النوم، سواء في رمضان، أو غيره، قد يؤدي إلى آثار سلبية في وظائف الدماغ وفي النظام الغذائي للفرد، وكذلك في البعد الديني لجهة ارتباط الشهر الفضيل بأنشطة دينية مكثفة في تلك الفترة، من قراءة قرآن، أداء صلاة التراويح، إحياء العشر الأواخر من رمضان، وغيرها.
في رمضان.. تداعيات انقلاب جدول النوم سواء على صحة الفرد صحياً ونفسياً وحتى دينياً
من المؤكد أنّ قلّة النوم تؤثر في وظائف الدماغ، وصحته، حيث إن نقص النوم قد يضعف التركيز، ويؤثر في الذاكرة والتعلّم، كما أن عكس جدول النوم في رمضان، بحيث ننام في النهار، ونسهر طوال الليل، يؤثر في نوعية النوم، ويؤدي إلى اضطراب في ساعة نومنا البيولوجية.
وعدا عن تأثير ذلك في الدماغ، فإنّ نقص النوم، أو النوم في النهار، لا يوفر الفوائد نفسها للجسم، وبالتالي يؤثر في الصحة العامة لجهة زيادة مخاطر الإصابة بمشكلات صحية، من أمراض مزمنة، إلى التوتر، والقلق، ونقص الانتباه.
أما على الصعيد الشرعي، فيرى الدكتور إسماعيل العيساوي، أستاذ فقه مقارن، أنّ وجهات النظر تختلف في استقبال شهر رمضان المبارك «فالأصل للمسلم أن يستقبله بالتوبة، والذكر، والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، وردّ المظالم إلى أهلها، وأن يُقبل على الله سبحانه وتعالى بقلبه وعقله، وبجوارحه وأعماله، وهناك أشخاص آخرون لم تدخل العبادة في قلوبهم كما يريد الله سبحانه وتعالى.
واستناداً إلى قوله تعالى: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، حيث يمايز بين الإسلام والإيمان، فالإسلام عمل بالجوارح ولكن الإيمان يقين بالقلب. فمن لم يخالط الإيمان شغاف قلبه، يكون إسلامه ظاهرياً فيأخذ الصوم بناء على التعريف اللغوي وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولكنّه لا يتعامل مع مقتضى هذه الفرضية».
يوضح «الله سبحانه وتعالى حينما شرّع لنا تلك العبادة أراد منّا بهذا الامتناع عن الأكل، والشرب، والجماع، أن تتفرغ قلوبنا وأفئدتنا ومعدتنا عن كل الشوائب التي تكون حاجزة بيننا وبين الله، وترك كل هذه الشهوات للإقبال على الله سبحانه وتعالى، بقلب خاشع، ولسان ذاكر، ولذلك جاء في الحديث القدسي: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وأَنَا أجْزِي به والحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالِهَا».
بيد أنّ كثيراً من الناس يستغلون رمضان باتجاه معاكس، كما يلفت د. العيساوي، موضحاً أنه «ليس للعبادة الأخرى مع الصوم أي مكان عند مثل هؤلاء، فيصومون الصيام اللغوي، ويمسكون عن الأكل والشرب والجماع، ولكن من دون الصلوات، والذكر، وقراءة القرآن في نهار رمضان، حيث نرى بعض الناس يقبلون على رمضان فيكون ليلهم نهاراً، ونهارهم ليلاً، وعليه فإن هؤلاء الأشخاص لا يفهمون معنى الصيام، وهو إخلاص العبودية لله سبحانه وتعالى».
ويوضح د. العيساوي «فحينما يأتي رمضان تقضي النهار كله في النوم، فهذا أمر لا يليق بالمسلم الذي يريد أن يعبد الله سبحانه وتعالى في رمضان. ولهذه الآفة التي حلّت بالمسلمين أخطار، بدنية ودينية وعقائدية، حيث إنّ كثيراً من الناس غيّروا نظام حياتهم، كأنّهم يظنون أن النوم عبادة، وهذا ليس بصحيح لأن الأجر على قدر المشقة».
يقول «كثرة النوم في رمضان ليست من العبادات، وإنما الأجر يذهب عليك أغلبه، لأنك لم تقدم لله تعالى شيئاً في هذا الأمر، والنقطة الأهم أنّ بعض الناس حينما يفطر يذهب إلى المقاهي، ويقضي الليل بتدخين الشيشة، والجلوس في مجالس الغيبة، وبذلك ضيّع ليل رمضان من دون عبادة، وضيع نهار رمضان من دون عبادة».
ويعقّب «لا حرج في النوم، نهاراً أو ليلاً، إذا لم تترتب عليه إضاعة شيء من الواجبات، ولا ارتكاب شيء من المحرّمات. فالمشروع للمسلم، سواء كان صائماً أو غيره، عدم السهر في الليل، والمبادرة إلى النوم بعد ما ييسر الله سبحانه وتعالى له من قيام الليل، ثم يقوم إلى السحور إن كان في رمضان، لأن السحور سنّة مؤكدة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تسحّروا فإن في السحور بركة».
يخلص د. العيساوي «حري بالمسلم ألا يفوّت هذه العبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى للتقرب إليه، وما عليه سوى الرجوع إلى حياة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكيف كان ينام في رمضان بعد أن يصلي العشاء، ثم يستيقظ قبل الفجر، ليقوم شيئاً من الليل»، داعياً إلى «أن نغتنم هذه الفرصة ونقدم لأنفسنا ما يوصلنا إلى الله سبحانه وتعالى».
آليات الحفاظ على عادات غذائية متوازنة في شهر رمضان المبارك
يؤدي الإرباك في جدول النوم، سواء خلال شهر رمضان المبارك، أو خارجه، إلى خطر الإصابة بالسمنة، وبالأخص إذا ترافق السهر مع تناول الطعام طوال الليل، بحجّة الصيام في اليوم التالي.
فما هي التغذية السليمة لتعزيز النوم، وما الأطعمة التي يمكن أن تدعّم الحفاظ على جدول نوم متوازن؟
تؤكد سينتيا بو خليل، أخصائية تغذية في قسم الحمية والتغذية في مركز ميدكير، عيادة د.سعيد الشيخ للجهاز الهضمي والسمنة، وجوب تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة المختلفة طوال المساء، حيث «يحتاج الجسم، أكثر من أي وقت مضى إلى الغذاء المناسب للتعويض عن ضغوط الصيام على مدار اليوم».
وفي هذا السياق، تعتبر الحبوب الكاملة والخضراوات والفواكه والبروتينات الخالية من الدهون، والدهون الصحية (بما في ذلك الدهون النباتية مثل زيت الزيتون والمكسّرات)، كلها أساسية لتزويد جسمك بالتغذية التي يحتاج إليها، كما تشير بو خليل.
وتقدم أخصائية التغذية سينثيا بو خليل بعض النصائح حول كيفية الحفاظ على نظام غذائي متوازن لجدول نوم مناسب خلال شهر رمضان:
النظام الغذائي له علاقة بنوعية النوم في رمضان وغيره، والتوازن هو الحل الأمثل
في هذا السياق، تتوقف بوخليل عند تأثير التغيرات في العادات الغذائية في صحة الناس لكون بعض الأفراد يهربون إلى النوم خلال نهار رمضان لشعورهم بالتعب.
تشرح «خلال ساعات الصيام التي لا يمكن فيها تناول الطعام، أو السوائل، يستخدم الجسم احتياطياته من الدهون والكربوهيدرات (الموجودة في العضلات والكبد)، للحفاظ على نشاطه بعد استنفاد السعرات الحرارية من الطعام الذي تم تناوله خلال الليلة السابقة. ونظراً لأن الجسم لا يستطيع الاحتفاظ بالماء، تعمل الكلى على تقليل الكمية المفقودة من خلال البول من أجل الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الماء، وسيشعر معظم الأشخاص الذين يصومون شهر رمضان المبارك بجفاف خفيف خلال الأيام الأولى، ما قد يؤدي إلى شعورهم بالتعب والصداع وصعوبة في التركيز».
ولكنها تطمئن «تشير الأبحاث إلى أن هذا الأمر لا يعتبر سيئاً لصحتك، طالما أنك تشرب كمية كافية من الماء بعد الإفطار لتعويض ما فقدته خلال اليوم. إذا كنت غير قادر على الوقوف بسبب الشعور بالدوخة، أو التشويش بعد الصيام، يجب عليك أن تشرب على الفور كميات منتظمة ومعتدلة من الماء، ويفضل أن يكون مشروباً حلواً، أو مالحاً معتدلاً، مشروب حلو، أو محلول إماهة».