1 مايو 2024

التربية في عصر التواصل الاجتماعي.. آباء تائهون وأبناء مشتّتون

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

التربية في عصر التواصل الاجتماعي.. آباء تائهون وأبناء مشتّتون

علاقات متوترة، مراجع غير موثوقة، نصائح لا تنطبق على كل الأُسر.. قواعد حديثة لعلاج مشكلات مزمنة.. فهل سيتغير مفهوم التربية وتضيع الأجيال المقبلة في دوامة عصر التكنولوجيا، والنصائح المتدفقة على مواقع التواصل؟

سوء فهم

نظر المراهق إلى والده، وفي داخله خوف من ذلك الوجه المحتقن بالغضب، وتلك اليد التي تتأهب للصفع عند أول كلمة ونظرة يراهما الوالد تحدّياً، لأنه مقتنع تماماً بأن ما يفعله ابنه عقوق، ويحتاج إلى تأديب قبل فوات الأوان.. هذا ما سمعه الوالد في إحدى المحاضرات على مواقع التواصل الاجتماعي، فأراد تطبيق ما سمعه على ابنه ليلجم تصرفاته.

وعندما سألت الأم ولدها «لم كنت تنظر إلى والدك نظرة تحدّ؟» أجاب بأنه لم يقصد بنظرته التحدي، بل إنه كان خائفاً، ويحاول أن يرجو والده ألا يمدّ يده ليصفعه، وأن يستمع إليه قبل أن يغرق في بحر الغضب.

ليس كل ما نسمعه مفيداً

هل جعلتنا مواقع التواصل وفيديوهات الـ«تيك توك واليوتيوب»، نشنّ حرباً داخلية على أبنائنا المتخبّطين في بحر العولمة والانفتاح، والذين لا يملكون بوصلة تقودهم إلى بَر الأمان؟ هل صرنا نحن من يحتاج إلى بوصلة لنعرف في أي اتجاه علينا أن نعامل أبناءنا؟ من المُلام فينا؟ نحن؟ الأبناء؟ أم التكنولوجيا وروافدها؟

إذا كانت بعض المحاضرات والنصائح تؤتي أكُلها في بعض الأسر، وتظهر نتائجها على بعض الأبناء، فهي ليست كذلك دائماً ولا تتماشى مع الشخصيات والظروف المختلفة. فكم من طفل وقع ضحية أسلوب تربية خطأ جعله في الكِبر أباً فاشلاً لا يعرف كيف يعامل أبناءه، فإمّا أن يكون قاسياً لينتقم ممّا عاناه، وإمّا يكون ليناً تماماً فيصبح مطية تمرّد أبنائه، وطمعهم.

الفيديوهات والمنشورات على مواقع التواصل أكثر من أن تحصى، وتُعد، وكلها تحمل إمّا هجوماً، أو نصائح مفيدة، أو انعكاساً لتجارب حياتية، أو لمشاعر خاصة. ومن يعش مشكلات العصر، وتفاوت الثقافات، وانفتاح العالم على العالم، يبحث في التكنولوجيا عن حلول، خصوصاً حينما يجد نفسه عاجزاً عن السير في مركب التربية المعقد، والذي لا يستطيع مقاومة الأمواج العاتية التي تأتيه من كل مكان.

التربية في عصر التواصل الاجتماعي.. آباء تائهون وأبناء مشتّتون

أين الحل؟

تقول إحدى الأمّهات «حاولت بشتى الوسائل أن أكون صديقة لابنتي المراهقة؛ من لِين في الكلام ومحاولة للعناق، ومن حزم عند اللزوم.. لكن ابنتي صارت تبتعد عني يوماً بعد يوم. وفي أحد الأيام انفجرت في وجهي وقالت إنها حرة، ومستقلة، وإنني لو كنت في بلد غربي لاعتقلتني الشرطة لسوء المعاملة. لم يهدأ تفكيري ليلاً ونهاراً، وأنا أحاول أن أجد حلاً لمشكلتي، فرحت أستمع وأشاهد كل ما يعرض من نصائح على الإنترنت، وفي مواقع التواصل، ولكن كله بلا فائدة، بل على العكس، أدى إلى تفاقم المشكلة، واتساع الفجوة بيني وبين ابنتي. وفي النهاية توصلت إلى أننا كأمهات نحاول اتّباع الأسلوب الذي تربّينا عليه مع أبنائنا، وننسى أننا في عصر لا يمت إلى عصرنا بصِلة، ووجدت أن الخلافات بيني وبين زوجي، والتمادي في قلة الاحترام من طرفه، قد جعل ابنتي تستغل ذلك لمصلحتها، التي تظنها مصلحة، وتنفجر في وجهي مدعية أنني لا أملك من المعرفة شيئاً، وأنني جاهلة في كل ما يمت إلى العصر بصِلة».

آراء الخبراء

القدوة الحسنة

يقول الدكتور يوسف شراب، مستشار المكتب الإقليمي لمنظمة الأسرة العربية، والباحث في علم الاجتماع، والخبير والموجه التربوي «على الآباء أن يكونوا قدوة لأبنائهم، إذ لا يعقل مثلاً أن نطلب من الابن الالتفات إلى دروسه والتخلّي عن الهاتف، ونحن نرى الأبوين منشغلين كل واحد بهاتفه، من دون أن يكون بينهما حوار يتعلم من خلاله الأبناء فن النقاش، والاحترام المتبادل».

ويؤكد الدكتور شراب أن النصائح التي تقدّم للأبناء، سواء من الناصحين والمهتمين في وسائل التواصل، أو من الأبوين، لا تنطبق على كل الأبناء، فهناك الطفل العنيد، والطفل المدلّل، أو المتسلّط، والخجول الذي لا يعبّر عن مشاعره، فما يمكن أن ينفع مع هذا الطفل لا ينفع مع ذاك. كما أن البيئة الأسرية تلعب دوراً مهماً في ذلك التأثر الكبير بما يعرض على الإنترنت، والذي نلاحظه لدى الآباء والأبناء، على حد سواء.

التربية في عصر التواصل الاجتماعي.. آباء تائهون وأبناء مشتّتون

فن الحوار والسيطرة على النفس

كما تبيّن ستيفاني ديلوريه، الباحثة الفرنسية في علم النفس التربوي، أن الخلافات بين الآباء والأبناء، خصوصاً في مرحلة البلوغ، وما بعدها، ليست حديثة العهد، ولكن مواقع التواصل الاجتماعي زادت الفجوة، وجعلت بين الأبناء والآباء حاجزاً بسبب ما يشاهده الطرفان من فيديوهات ونصائح تعطي كلاً منهما حججاً ودلائل، قد لا تكون صائبة.

وتنصح ديلوريه الآباء بأن يكونوا قدوة لأبنائهم، وأن تكون صدورهم أكثر اتساعاً، وأن يصغوا إليهم، ويحاولوا التقرب منهم أكثر من خلالهم تعليمهم فن الحوار والسيطرة على النفس، بعيداً عن الانفعال والصراخ، ومن دون الاستشهاد بما يتعلمونه من الإنترنت من قول فلان، أو فلان، لأن هذا يزيد الأبناء توتراً واستعداداً للجدال.

 

مقالات ذات صلة