بينما كان أهل الموضة يلتقون في باريس لحضور أسبوع الموضة، جاء خبر رحيل إيريس آبفل، ليلقي بظلاله عليهم. فتلك المرأة التي عاشت 102 عام، لم تكن تغيب عن عروض الأزياء، سواء في باريس أو لندن أو ميلانو أو نيويورك، فارقت الحياة في منزلها ببالم بيتش في ولاية فلوريدا، بعد أن قاومت الزمن وتمسّكت، حتى النفس الأخير، بثيابها وعويناتها، ذات الألوان الفاقعة.
كانوا يسمونها العصفورة النادرة للموضة. ولم تكن عصفورة عادية، بل من عصافير الحب التي تتلون كل ريشة فيها بلون مختلف. هل كانت عارضة أزياء؟ هل كانت مصممة؟ هل كانت سيدة أعمال؟ هل اشتغلت في ميدان الصناعة؟ وهل كتبت في مجال الصحافة؟.. الحقيقة أن إيريس آبفل، حملت كل تلك الصفات، ومارست كل تلك المهن، وغيرها. أما أهم صفاتها فإنها كانت عميدة السيدات اللواتي يتصدّرن الصف الأول في عروض الأزياء الراقية. ولأن الطبيعة منحتها طبعاً اجتماعياً صاخباً، فقد كانت تحتفظ بمئات الصداقات مع كبار المصمّمين، ومع نخبة المجتمع المسمّى بالمخملي.
إيريس آبفل.. ظاهرة مجتمعات الموضة
إذا صادفت في مكان ما عجوزاً بيضاء الشعر، ترتدي سروالاً أحمر، وقميصاً زهرياً، وحذاء أصفر، وتحمل حقيبة يد بنفسجية، وتضع على عينيها عوينات برتقالية، فاعرف أنك أمام إيريس آبفل. وبفضل مظهرها المبهر فقد كانت تلفت الأنظار حيثما حلّت، بحيث إنها تحولت إلى ظاهرة من ظواهر مجتمعات الموضة. وقد استفادت من شهرتها، وكانت واحدة من المؤثرات «إنفلونسر» يتابع حسابها في «إنستغرام» 3 ملايين مشترك. ومن خلال هذا الحساب جرى الإعلان عن وفاتها ليلة الأول من الشهر الجاري.
حال انتشار الخبر سارع عدد من المشاهير إلى كتابة نعي لها، واستعادة مواقف لا تنسى من ذكرياتهم معها. فقد كتب جيريمي سكوت، المدير الفني السابق لدار «موسكينو»، أن إيريس كانت إيقونة وأسطورة. وعلّقت ليز إسوين، صاحبة حساب «نيويورك سيتي»، تصف إيريس بأنها الأكثر إدهاشاً. فخلال عمرها المديد تمكنت هذه المرأة من أن تترك علامة في تاريخ الموضة، وسبب ذلك هو مظهرها بالدرجة الأولى، أي ثيابها القوس قزحية، وعويناتها الكبيرة ذات الإطارات الملونة العريضة. وبمناسبة بلوغها المئة، قبل سنتين، شاركت في تصميم حقيبة لحساب سلسلة متاجر H&M.
نصيحة إيريس آبفل للشابات: كوني أنتِ
ما فلسفتها في كل ذلك المظهر الفاقع؟ في تسجيل ترويجي لمجموعة أزياء قدمت نصيحة إلى البنات الشابات قالت فيها «إن مفتاح أسلوبك في اختيار الثياب هو أن تعرفي نفسك، ومَن تكونين، قبل كل شيء. عليك أن تشعري، وأنت ترتدين ثيابك، بأنك حرة في ارتداء ما يشبهك». وهذه الفلسفة هي ما سارت عليه طوال حياتها، بل تضيف أن الشعور بالحرية وعدم الالتفات إلى انتقادات الغير هو سر عمرها الطويل. ففي عام 2023 وضعت كتاباً بعنوان Colorful، أي «ملوّن»، تشرح فيه تلك الآراء. ومن المقرر أن تصدر نسخته الفرنسية في الصيف المقبل، لكن الموت عاجلها قبل توقيعها الكتاب في باريس.
إيريس آبفل.. سفيرة تجميل ووجه إعلاني
ولدت إيريس عام 1921 لعائلة يهودية في حي «كوينز»، بنيويورك. وكانت الابنة الوحيدة لصامويل باريل، صاحب مصنع للزجاج والمرايا. أمّا والدتها فكانت روسية وتدير دكاناً للثياب. درست البنت تاريخ الفن في جامعة نيويورك، وترددت على مدرسة الفنون في في جامعة وسكنسن في ماديسون. وبعد تخرجها عملت محررة في مجلة «وومنس وير ديلي»، كما كانت مساعدة لرسام الصحافة المعروف روبرت جودمان.
تزوجت إيريس في عام 1948 من كارل آبفل. وبعد سنتين أسس زوجها شركة «أولد وورد ريفرز» للنسيج، وواصل إدارتها معها حتى تقاعده. وبفضل عملهما في حقل الأقمشة وتسويقها فقد سافرا كثيراً، وكانت هي تجمع في كل السفرات حليّاً وقلائد وخواتم وثياباً، من الصناعات الشعبية، في الشرق والغرب. كما كانت تتباهى بارتداء تلك القطع في سهرات نيويورك. وقبل 10 سنوات توفي زوجها بعد أن عاش 100 عام.
قبل نحو 10 سنوات، وضعت إيريس منهاجاً دراسياً في قسم العلوم الإنسانية لجامعة تكساس، يدرّس الطلبة فيه فنون النسيج والثياب. وفي الوقت ذاته جرى اختيارها سفيرة وملهمة لشركة MAC لمستحضرات التجميل. وتوالت الطلبات عليها بعد ذلك، وأصبحت الوجه الإعلاني لنوع من سيارات «سيتروين»، وشجعها ذلك على إطلاق مجموعتها لمكملات الزينة والإكسسوارات ومجموعة للأزياء التي توزع عبر الشاشة الصغيرة. وفي صيف 2015 أقام «معهد الثياب» معرضاً عنها في متحف متروبوليتان في نيويورك بعنوان «النادرة إيريس». ثم قامت منصة «نتفليكس» بإنتاج فيلم وثائقي عنها بعنوان «إيريس». ونظراً لأنها من محبي الفأر الشهير «ميكي» فقد كانت واحدة من آخر الباقين على قيد الحياة ممن عايشوا أول ظهور لـ ميكي ماوس» عام 1928.
عدا عن كونها سيدة أعمال فقد اهتمت بالتصميم الداخلي، وكانت شقتها في قلب حي «مانهاتن» نموذجاً لذوقها في التصميم. وبين عامي 1950 و1992 شاركت في تصميم الأبهاء الداخلية للبيت الأبيض الأمريكي، وعملت وفق ما كان يلائم 9 رؤساء: ترومان، وآيزنهاور، وكنيدي، وجونسون، ونيكسون، وفورد، وكارتر، وريجان، وكلينتون.
قال لها أحدهم في صباها «أنت لست جميلة. هذا لا يهم، فأنت صاحبة أسلوب».