30 ديسمبر 2025

قواعد بيانات تعليمية معتمدة... مبادرة جديدة من مكتبة محمد بن راشد لطلبة المدارس

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

مع تدفق المعلومات وتزايد المنصات الرقمية، تتعاظم الحاجة إلى مصادر تعليمية محلية موثوقة، متوافقة مع المناهج الوطنية، تضمن للطلبة معرفة دقيقة وآمنة، وتوجّه فضولهم البحثي نحو مسارات علمية واضحة، بدلاً من الاعتماد على البحث العشوائي عبر أدوات الذكاء الاصطناعي العامة، وغير المتخصصة.

تبرز المبادرات التعليمية المؤسسية كمنصات معرفية ذكية، تراعي الخصوصية الثقافية والتعليمية لدولة الإمارات، وتزوّد طلبة المدارس بأدوات بحث احترافية تنمّي مهارات التفكير النقدي والاستقصاء العلمي. وفي هذا الإطار، تشكّل مبادرة «أفق المعرفة» التي أطلقتها مكتبة محمد بن راشد خطوة رائدة نحو بناء بيئة تعليمية رقمية متكاملة، تضع المعرفة الموثوقة بين أيدي الطلبة، وتربط بين المعلومة العالمية وسياقها المحلي.

مجلة كل الأسرة

فقد كشفت مكتبة محمد بن راشد عن إطلاق مبادرتها الجديدة «أفق المعرفة»، واضعة الطلبة في قلب مشروع معرفي طموح، يهدف إلى إعادة تنظيم علاقة الأجيال الناشئة بالمعلومة، وتوجيهها نحو مصادر موثوقة، معتمدة، ومنسجمة مع المناهج التعليمية في إمارة دبي.

ولا تأتي هذه المبادرة بوصفها إضافة تقنية عابرة، بل كجزء من رؤية شاملة تسعى من خلالها المكتبة إلى بناء بيئة تعليمية معرفية متكاملة، تنتقل بالطالب من مرحلة الاستهلاك السريع للمعلومة، إلى مرحلة البحث الواعي، والتحليل النقدي، والاستكشاف المنهجي. فمن خلال إتاحة الوصول إلى خمس قواعد بيانات رقمية، محلية وعالمية، تفتح «أفق المعرفة» أمام الطلبة نافذة واسعة على محتوى علمي وثقافي متنوع، يواكب التطورات المتسارعة في مجالات البحث العلمي والتحول الرقمي، ويمنحهم أدوات حديثة للتعلّم الذاتي المنظّم.

وتجسّد هذه الخطوة توجه مكتبة محمد بن راشد نحو ترسيخ ثقافة المعرفة بوصفها ممارسة يومية، لا تقتصر على قاعات الدراسة، بل تمتد إلى الفضاء الرقمي الرحب، حيث يصبح الطالب شريكاً فاعلاً في إنتاج معرفته، لا متلقياً سلبياً لها.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد سالم المزروعي، عضو مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، أن إطلاق مبادرة «أفق المعرفة» يعكس إيمان المكتبة العميق بأن الاستثمار الحقيقي يكمن في الإنسان، وبأن الطلبة يشكلون الركيزة الأساسية لمستقبل المجتمع. وأشار إلى أن تمكينهم بالمعرفة والمهارات الرقمية ليس خياراً، بل ضرورة لبناء جيل يمتلك أدوات الابتكار، وقادر على المنافسة في عالم تتسارع فيه التغيّرات.

مجلة كل الأسرة

وأوضح المزروعي أن هذه المبادرة تأتي امتداداً لسلسلة من المشاريع النوعية التي أطلقتها المكتبة خلال السنوات الماضية، مثل مبادرتَي «عالم بلغتك»، و«عالم يقرأ»، والتي تشترك جميعها في هدف مركزي يتمثل في تعزيز القراءة، وتوسيع دائرة التعلّم، وربط الأفراد بمصادر معرفية موثوقة ومتنوعة. كما أشار إلى أن قواعد البيانات الرقمية ستكون متاحة لزوّار المكتبة أثناء وجودهم فيها، إضافة إلى الأعضاء المسجلين في نظام العضوية، بما يضمن سهولة الوصول إلى المحتوى، ومرونة الاستفادة منه، سواء عبر الزيارة المباشرة، أو من خلال المنصات الإلكترونية التابعة للمكتبة.

مجلة كل الأسرة

من جانبها، حظيت المبادرة بإشادة واسعة من الجهات التعليمية، وطلبة المدارس، حيث أكد الدكتور سعيد مبارك بن خرباش، المدير التنفيذي لقطاع السياسات والبحوث والبرامج في هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، أن «أفق المعرفة» تتقاطع بشكل مباشر مع مرتكزات استراتيجية التعليم في دبي 2033، التي تضع التعلّم مدى الحياة في صدارة أولوياتها، وتسعى إلى بناء نظام تعليمي يستشرف المستقبل، ويدمج الابتكار، والتقنيات المتقدمة، والبحث العلمي في صميم العملية التعليمية.

وأشار بن خرباش إلى أن هذه المبادرة تلعب دوراً محورياً في غرس حب القراءة والاطّلاع لدى الأجيال الناشئة، وتمكينهم من الوصول إلى مصادر المعرفة في أي وقت، ومن أيّ مكان، بما يعزز لديهم الشغف بالتعلّم الذاتي والمستمر. كما تسهم في تنمية مهارات البحث والتقصّي والاستكشاف، وتعزيز قدرة الطلبة على استخدام التكنولوجيا بذكاء ووعي، ما يضمن جاهزيتهم لمواجهة تحديات المستقبل، وبناء جيل واعٍ ومبتكر، قادر على المشاركة الفاعلة في صناعة الغد.

استفادة 8600 طالب وطالبة من المبادرة

وفي مرحلتها الأولى، تستهدف مبادرة «أفق المعرفة» إشراك عدد من المدارس، الحكومية والخاصة، في إمارة دبي، حيث شملت حتى الآن خمس مدارس، هي: مدرسة الاتحاد، ومدارس دبي، ومدرسة الظهرة (الحلقتين الثانية والثالثة)، ومدرسة المواكب، ومدرسة جيمس الخليج الدولية. وقد تجاوز عدد الطلبة المستفيدين من المبادرة 8600 طالب وطالبة، ما يعكس حجم الإقبال، وأهمية المشروع في البيئة التعليمية المدرسية.

توجيه الطالب للمعلومة الصحيحة

وحول آراء طلبة المدارس، فقد أكدت أهمية هذه المبادرة بالنسبة إلى طرق التعليم الحديثة التي تعتمد على البحث، حيث أشادت الطالبة حصة المزروعي، بالفكرة، وتتمنى أن تغطي جميع المدارس، وتقول: «في كثير من الأحيان نلجأ إلى البحث عبر الإنترنت، أو أدوات الذكاء الاصطناعي، ونشعر بالحيرة بسبب كثرة المعلومات واختلافها، ولا نعرف أيّها صحيح، أو مناسب لمناهجنا. مبادرة أفق المعرفة ستجعل البحث أكثر وضوحاً، من خلال توفير مصادر معتمدة يمكن الاعتماد عليها بثقة، وإنجاز الواجبات والمشاريع بطريقة صحيحة ومنظمة».

مهارات البحث الأكاديمي

أما وليد الشحي، طالب في المرحلة الثانوية، فيؤكد «أعتقد أن مهمة المبادرة تكمن في تعليمنا مهارات حقيقية نحتاج إليها في المستقبل، مثل البحث الأكاديمي، والتحقق من المصادر، وليس الحصول على إجابات سريعة فقط. واستخدام قواعد بيانات متخصصة يجعلنا نفكر ونحلّل ونربط المعلومات بأنفسنا، وهذا أفضل بكثير من الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي العام، الذي قد لا يكون دقيقاً أو مناسباً للدراسة المدرسية».

محتوى محلي

الطالبة هند محمد، مهتمة بالقراءة والبحث، وترى أن «ما يميّز هذه المنصات أنها تجمع بين مصادر عالمية ومحتوى، عربي ومحلي، يتناسب مع ثقافتنا ومناهجنا الدراسية في الإمارات. أشعر بأنني أتعلم من مصادر موثوقة تشبه المكتبات العالمية، لكن بأسلوب مبسّط يناسب أعمارنا، وهذا شجّعني على القراءة والاطلاع خارج نطاق المقررات الدراسية».

طرق نافعة للبحث

أما الطالب ناصر عبدالله فيتساءل «هل سيتم التعامل مع الإجابات التي سيحصل عليها من المنصة، كما يتم التعامل مع «شات جي بي تي»، وسيرفض المعلم قبولها؟ أم أن الهدف هو تعليمهم مهارات البحث.. أم ماذا؟». وأوضح: «الكثير من المدرّسين ينصحوننا بعدم الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المذاكرة، ونبقى في حيرة أغلب الوقت، ولكن مع المنصة الجديدة، آمل أن يكون هناك طرق نافعة لنا من خلال البحث عن المعلومة من خلالها».

وتضم قواعد البيانات التي تتيحها المبادرة مجموعة من أبرز المنصات المعرفية، المحلية والعالمية، من بينها: «نهلة وناهل»، و«المنهل»، و«بروكويست»، و«دار المنظومة»، و«ميديا إنفو». وتُعد هذه المنصات مصادر موثوقة ومتقدمة، توفر محتوى غنياً يسهم في دعم المشاريع الدراسية للطلبة، ويوسّع آفاقهم المعرفية، ويشجعهم على خوض مجالات جديدة للإبداع والابتكار، بعيداً عن الاعتماد على مصادر غير متخصصة، أو معلومات غير مدققة.

منصة بحث شاملة

كما توفر قواعد البيانات المتاحة ضمن المبادرة وصولاً مجانياً إلى طيف واسع من المصادر، تشمل الكتب الإلكترونية والصوتية، والدوريات، والموسوعات، ومقاطع الفيديو التعليمية، إضافة إلى رسائل الماجستير والدكتوراه، والصحف العالمية.  وكذلك تراعي هذه المحتويات تنوّع الفئات العمرية، بدءاً من الأطفال، وصولاً إلى طلبة المراحل المتقدمة، والأكاديميين، بما يسهم في تعزيز مهارات البحث والتحليل النقدي، وصقل المشاريع الدراسية، وترسيخ منهجية التفكير المستقل.

يُذكر أن مكتبة محمد بن راشد تتيح لزوّارها وأعضائها ما مجموعه ثماني قواعد بيانات متخصصة، ومرجعية وبحثية، تغطي مجالات معرفية وعلمية متعدّدة، وتوفر أدوات متقدمة لتنظيم المعلومات وتحليلها، بما يدعم تطوير المشاريع الأكاديمية، ويعزز قدرات التفكير المنهجي لدى مختلف فئات المجتمع، في تجسيد عملي لدور المكتبة كمحرّك أساسي لبناء مجتمع المعرفة في دولة الإمارات.