18 ديسمبر 2025

«ملتقى كُتّاب المقال الإماراتي»… إبراز عمق الكلمة ودورها في المجتمع

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

على الرغم من تعدد المنابر والمنصات الإعلامية، والاستهلاك السريع للمعنى، إلا أنها تفتقد الأسئلة العميقة، والتحليل المنطقي لواقع المجتمع الإماراتي، الأمر الذي أتاح المجال ليستعيد المقال مكانته بوصفه ممارسة فكرية مسؤولة، لا تكتفي بوصف الواقع بل تسعى إلى تفكيكه، وإعادة قراءته.

فالمقال، في جوهره، ليس موقفاً عابراً، ولا رأياً آنياً، بل فعل وعي يختبر اللغة، ويقاوم التبسيط، ويمنح التفكير حقه في التأنّي والنقد.

مجلة كل الأسرة


انطلاقاً من هذه الرؤية، جاء «ملتقى كُتّاب المقال الإماراتي» ليعيد الاعتبار إلى المقال بوصفه فناً حياً ومتجدداً، قادراً على مواكبة العصر من دون أن يفقد عمقه، وليؤكد أن الكلمة المكتوبة لا تزال تمتلك قدرتها على التأثير، متى ما استندت إلى فكر رصين، ورؤية واعية، بالتعاون مع مكتبة محمد بن راشد، وحضور محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، والدكتور محمد سالم المزروعي، عضو مجلس الإدارة، ونخبة من الكُتّاب، والباحثين، والإعلاميين، المهتمين بصناعة المقال، حيث تبادلوا الرؤى حول تحوّلات المقال ودوره في المشهد الثقافي والإعلامي.

جاء الملتقى تجسّيداً للدور الريادي لمكتبة محمد بن راشد في دعم الحركة الثقافية والأدبية، وتعزيز حضور الكُتّاب الإماراتيين، محلياً وعربياً، وترسيخ مكانة دولة الإمارات بوصفها حاضنة للمعرفة وملتقى للإبداع العربي.

مجلة كل الأسرة

قدّم الملتقى ندوة متخصصة تناولت مسيرة تطور فن المقال، الاجتماعي والإماراتي، عبر العقود، وما شهده من تحولات في ظل المتغيرات الثقافية والإعلامية المتسارعة. وشارك في الندوة الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية ورئيس مجلس أمناء جائزة المقال الإماراتي، والناقدة الدكتورة مريم الهاشمي، وجمال الشحي، عضو مجلس إدارة مكتبة محمد بن راشد.

مجلة كل الأسرة

المقالة الإماراتية لم تكن يوماً غائبة

وفي حديثه «لكل الأسرة» قال الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية ورئيس مجلس أمناء جائزة المقال الإماراتي «لطالما كانت المقالة الإماراتية حاضرة في الصحافة المحلية، وارتبط بها كُتّاب أسهموا في طرح قضايا، وطنية وعربية وعالمية، بوعي ومسؤولية. ومع ذلك، ورغم هذا الامتداد التاريخي الذي يتجاوز خمسة وستين عاماً، لم تحظَ المقالة الإماراتية بالحضور ذاته في المشهد الثقافي العام، مقارنة بالرواية، أو الشعر، أو غيرهما من الفنون الأدبية التي نالت اهتماماً أوسع.

وقد قادت هذه التساؤلات إلى التفكير الجاد في إطلاق «جائزة المقالة الإماراتية» كمبادرة أهلية خالصة، انطلقت بدعم مجتمعي كامل، ومن دون تردّد، لتجد في نادي دبي للصحافة حاضنة ومؤمنة بأهمية هذا المشروع الثقافي. فالمقالة الإماراتية لم تكن يوماً غائبة، بل كانت مؤثرة ومواكبة للتحولات، غير أن أثرها لم يكن واضحاً بالقدر الذي يوازي عمق حضورها ودورها خلال السنوات الأخيرة.
ومن هنا، أرى أن الوقت قد حان لاستعادة رونق المقالة، وإعادة الاعتبار للمقالة الإماراتية والوطنية، بوصفها أداة فكرية فاعلة في تشكيل الوعي، ومناقشة القضايا الجوهرية. ويأتي هذا الهدف في صميم رسالة جائزة المقالة الإماراتية، التي نجحت منذ دورتها الأولى في استقطاب جيل جديد من الكُتّاب، برزت أسماؤهم بقوة، وحققت الفوز، على الرغم من حضور أسماء مخضرمة في مشهد كتابة المقال».

مجلة كل الأسرة

وتابع الدكتور عبدالخالق حديثه «يشهد المشهد الثقافي في دولة الإمارات حراكاً متجدداً، وفعاليات نوعية، على مدار العام. وفي هذا الإطار، نظّمت جائزة المقالة الإماراتية، ضمن ملتقى كتّاب الإمارات، أول ندوة تدريبية متخصصة في كتابة المقالة الوطنية المؤثرة، تناولت سبل تعزيز حضور المقالة، مجتمعياً ورسمياً، وشهدت تفاعلاً لافتاً من كتّاب المقال في الدولة.

وتواصل الجائزة جهودها بتنظيم ورشة متخصصة بعنوان «المقالة الإماراتية: من الفكرة إلى التأثير»، بالتعاون مع نادي دبي للصحافة، على مدار يوم كامل، مع فتح باب التسجيل للمشاركة. كما تستعد الجائزة لإطلاق دورتها الثانية بصيغة مطوّرة من حيث القيمة، والفروع، والشروط».

مجلة كل الأسرة

فن المقالة... حضور صادق لتجذّر الوعي

من جهتها، أكدت الدكتورة مريم الهاشمي، عضو مجلس أمناء جائزة المقال الإماراتي: «المقالة قطعة نثرية محدودة الطول تعالج موضوعاً واحداً، وحضوره مرتبط بحضور الصحافة، أو ما قبل الصحافة، ليتناول هذا الجنس الأدبي، ويحاول معالجة قضايا، ذاتية ومجتمعية، بصوت الكاتب، وتجربته، ونظرته لها. والمقالة قديمة النشأة في الأدب العربي، ولها جذورها في عدد من الآثار العربية، كرسائل عبدالحميد الكاتب، والمقالة عند ابن المقفع في رسالته إلى الصحابة، ومقالات الجاحظ في كتابه البخلاء، وعند أبي حيان التوحيدي في كتابه الإمتاع والمؤانسة، وغيرهم. وإن الظروف العربية في نشأة الأنواع الأدبية هي ظروف متتالية، وارتباطها في دولة الإمارات كان لها التزامن الحضوري في العالم العربي لتظهر مع بزوغ الصحافة منذ ستينيات القرن الماضي، فالمقال كان له الدور الأبرز في تشكيل الوعي المجتمعي، وتعريف المجتمع بمجريات وتحولات القضايا العربية، وتحولت بفعل الزمن والظروف المجتمعية إلى القضايا الداخلية، من دون إهمال الخارجية والإنسانية، كما أسهمت حركة تأسيس المدارس والمجلات المتخصصة في ازدهار حضور فن المقالة في دولة الإمارات، وفي كل الحاضرات العربية».

جذور المقال في الواقع الثقافي

وأضافت: «أهم ما يميز فن المقالة أنها تقوم بعرض فكرة واحدة تسيطر على كيانها، وتعتمد على الإيجاز، والبعد عن التفصيلات المملّة، وأن الجلسة النقاشية التي صاحبت ملتقى كتاب المقال إنما جاءت كنشاط لجائزة المقال الإماراتي لتثبت جذور المقال في الواقع الثقافي، وتعيد إليه ألقه، وبريقه، وأهميته في تشكيل الوعي المجتمعي المرتبط بالكتابة والقراءة، على السواء، فهي زوايا مترابطة كل يؤثر في الآخر في أفق الخلق، ومن ثم التلقي والقراءة، وكما أن المجتمع يتطور كذلك الأنواع الأدبية في تغير، وتطور مستمر، ومنها الكتابة في عالم المقال، والدليل حضور جائزة صادقة تقف إلى جانب الجوائز الأدبية الأخرى التي تؤكد بروز دولة الإمارات كمركز ثقافي يُعنى بكل الأنواع الفنية الكتابية».

مجلة كل الأسرة

حلقة وصل بين أصحاب الخبرة وبين جيل الشباب

أما الكاتبة وعضو مجلس أمناء جائزة المقال الإماراتي، ميرة الجناحي، فأوضحت أن المقال الإماراتي حاضر على خريطتنا الثقافية دائماً، وكان رفيقاً للمسيرة الصحافية والإعلامية في الدولة، منذ نشأتها المبكرة وحتى اليوم، وجاء ملتقى كُتّاب المقال الإماراتي - ضمن أهدافه الرئيسية - ليكون حلقة وصل بين أصحاب الخبرة والريادة وبين جيل الشباب. صحيح هناك تطور متسارع في وسائل الإعلام والاتصال، لكن يظل للكلمة المقروءة سمتها وتأثيرها، وقدرتها على تقديم رؤى وأفكار تسهم في عملية التنمية، وإيصال السردية الإماراتية للآخرين، وأرى أن جائزة المقال الإماراتي أثبتت هذا.

وحول تدريب الكتاب الشباب، أوضحت الكاتبة ميرة الجناحي: «نحن في الجائزة ندرك أهمية هذه الورش، وجعلنا لها مساحة جيدة ضمن خطة عملنا، فالكاتب الشاب أو المبتدئ يحتاجان إلى خريطة طريق، أو نموذج عملي ينطلقان منه، والورش التدريبية توفر هذا بلا شك».

كما بينت حجم التطور في مستوى المقال الإماراتي: «لدينا اليوم أقلام إماراتية قادرة على تناول مختلف القضايا والمواضيع، المحلية والعالمية، بكثير من الوعي والنضج الفكري. أما على مستوى جائزة المقال الإماراتي، التي تطلب في أحد شروطها أن يكون الموضوع متعلقاً بالإمارات، فأستطيع أن أؤكد بكل ثقة أننا كسبنا أقلاماً متمكّنة، وأقلاماً واعدة في كل فروع الجائزة، وقادرة على أن تضع بصمتها المتميزة في مسيرة فن المقال».

مجلة كل الأسرة


كما شمل الملتقى ورشة تدريبية بعنوان «فن كتابة المقال المؤثر»، أدارها المدرب محمد خميس، واستهدفت الكُتّاب الشباب، وركّزت على تطوير أدوات الكتابة، وبناء المقال من حيث الفكرة، والبنية، والأسلوب، وتعزيز قدرته على الاستقصاء وملامسة هموم المجتمع، بلغة واضحة ومسؤولة.

وفي إطار دعم المسار المهني للكُتّاب، شهد الملتقى تنظيم برنامج مهني (Match Making)، أتاح فرصاً للتواصل المباشر بين الكُتّاب، ودور النشر، والمؤسسات الثقافية، لبحث آفاق التعاون المستقبلية. كما تضمن معرضاً ثقافياً خاصاً، سلّط الضوء على أبرز إصدارات المقال الإماراتي المعاصرة، وأعمال روّاد هذا الفن، وإسهاماتهم في إثراء المشهد الأدبي.