في كل حفل تخرّج، لا تُوزَّع الشهادات فقط، بل تُعلَن بداية حكايات جديدة من الطموح والمسؤولية. وحين يكون التخرّج في مجال الطيران، تصبح القصة أكبر من مهنة، وأبعد من وظيفة، لأنها ترتبط بالثقة، والانضباط، وحلم التحليق الذي يبدأ من الأرض، ولا ينتهي عند حدود السماء.
من هذا المعنى، جاء حفل تخريج الدفعة السادسة من أكاديمية الإمارات لتدريب الطيارين، ليجسّد رؤية وطنية تؤمن بأن الاستثمار الحقيقي يبدأ بالإنسان، وأن إعداد الكفاءات هو الطريق الأضمن لبناء مستقبل مستدام.
رعاية القيادة… ورسالة واضحة للمستقبل
شهد سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، الرئيس الأعلى الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات والمجموعة، حفل تخريج الدفعة السادسة من الأكاديمية، والذي ضمّ 77 طياراً أنهوا مسيرة تدريبية مكثفة، بحضور عدد من كبار الشخصيات، وفريق القيادة العليا لمجموعة الإمارات، وأعضاء الهيئة التدريسية، إلى جانب عائلات الخريجين وأصدقائهم. ويعكس هذا الحضور دعم القيادة المتواصل لقطاع الطيران، وإيمانها بأهمية إعداد جيل جديد قادر على مواصلة مسيرة التميّز التي رسّختها دبي عالمياً.
أكثر من 300 طيار… حصاد رؤية مستمرة
مع تخريج هذه الدفعة، ارتفع إجمالي عدد خريجي الأكاديمية إلى أكثر من 300 طيار منذ انطلاقها، في مؤشر واضح على الدور المحوري الذي تؤديه الأكاديمية في رفد قطاع الطيران بكفاءات عالية التأهيل، تمتلك المعرفة التقنية، والجاهزية العملية، والرؤية المستقبلية.
قيادة تثق بالإنسان
وفي كلمته خلال الحفل، أكد سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، أن هذا التخرج يشكل خطوة جديدة في مسيرة بناء قاعدة صلبة لمستقبل الطيران، مشيراً إلى أن الخريجين يجسّدون قيم الانضباط والالتزام التي تقوم عليها صناعة عالمية شديدة التنافسية.
وأضاف سموه أن هؤلاء الطيارين أصبحوا اليوم جزءاً من منظومة ريادية تُسهم في ربط العالم، ورفع معايير السلامة والخدمة، ودفع حدود الابتكار في قطاع الطيران، معتبراً أن نجاحهم هو امتداد لنهج دبي في الاستثمار في الإنسان، وترسيخ مكانتها كمركز عالمي للطيران.
تنوع ثقافي… وهوية إماراتية
وضمّت الدفعة السادسة 52 خريجاً من برنامج تدريب وتأهيل الطيارين المواطنين التابع لمجموعة الإمارات، إلى جانب 25 خريجاً من 15 جنسية مختلفة، ما يعكس البعد العالمي للأكاديمية، وقدرتها على استقطاب المواهب من مختلف أنحاء العالم، ضمن بيئة تعليمية تعتز بالهوية الإماراتية، وتفتح أبوابها للتنوع. وخلال السنوات الخمس الماضية، التحق معظم خريجي الأكاديمية بقيادة، أو تدريب أسطول طيران الإمارات من الطائرات عريضة البدن، في دليل على جودة المخرجات التعليمية، ومواءمتها لمتطلبات التشغيل الفعلي.
فخر التخرّج… وحلم العائلة يتحقق
من جهته عبر الطيار سيف المرزوقي، عن فخره بتحقيق حلمه، و قال «منذ طفولتي كان حلمي الأكبر أن أكون رائد فضاء، وكنت دائماً أنظر إلى السماء باعتبارها حدوداً لا نهاية لها للطموح. ومع مرور الوقت، وضعت هدف الطيران أمام عيني كخطوة أولى على هذا الطريق، فالتحقت بدراسة الهندسة لإيماني بأن الفهم العلمي هو الأساس لأيّ حلم كبير. ورغم ابتعادي المؤقت عن الطيران، لم يغادرني الشغف يوماً، إلى أن وجدت في تشجيع أخي الأكبر الدافع الحقيقي للعودة إلى حلمي الأول. دعمه أعاد إليّ الثقة، ومنحني القوة للاستمرار، واليوم أجد نفسي أقف على أعتاب مستقبل كنت أراه بعيداً، لكنه أصبح أقرب مما توقعت».
تمكين المرأة الإماراتية
أما الطيار علياء العلي، فأكدت: «حين اخترت مهنة الطيران، لم أواجه تحدياً لكوني فتاة، بقدر ما واجهت دهشة في البدايات، لكن نظرة المجتمع تغيّرت اليوم بشكل واضح، وأصبحت الطيار الإماراتية مصدر فخر وإلهام. هذا التحوّل يعكس حجم تمكين المرأة الإماراتية في مختلف المجالات، والدعم الحقيقي الذي تحظى به لتحقيق طموحاتها من دون حدود. مهنة الطيران تحتاج إلى شخصية قيادية، قادرة على اتخاذ القرار، وتحمّل المسؤولية في كل لحظة، وهي صفات لا ترتبط بجنس، بل بالكفاءة والانضباط. أشعر بفخر كبير وأنا أستعد لأن أحلّق في سماء فرنسا كطيار، حاملة معي اسم بلادي وثقة أهلي، ومؤمنة بأن السماء لم تعد سقفاً للأحلام، بل بداية لها».
ثقة وفخر
كما عبّرت الطيار ميسون غانم عن سعادتها بالثقة التي منحها لها والدها، وهي اليوم على منصة التخرج في لحظة لا تُنسى، ليس لها وحدها، بل لعائلتها التي آمنت بحلمها منذ البداية «الطيران كان حلم والدي قبل أن يكون حلمي، واليوم أشعر بأنني أحقق جزءاً من طموحه، وردّ الجميل. هذا الإنجاز يحمّلني مسؤولية كبيرة بأن أكون على قدر الثقة التي مُنحت لي».
الشغف… الوقود الحقيقي للاستمرار
أما الطيار غيث الحمادي، فأوضح أن الشغف هو سر الاستمرارية: «الطيران ليس مهنة روتينية، بل أسلوب حياة، ولا يمكن الاستمرار فيه من دون شغف حقيقي. هناك أيام تدريب شاقة، وتحدّيات كثيرة، لكن حب الطيران هو ما يجعلنا ننهض كل يوم بإصرار أكبر. الشغف هو الوقود الذي يدفعك لتطوير نفسك باستمرار».
رحلة مملوءة بالتحديات تصنع القوة
من جانبه أشار الطيار يوسف يعقوب، إلى أن حلم الطيران رافقه منذ الطفولة، وكان حاضراً في خياله قبل أن يتحول إلى واقع يعيشه اليوم. وأوضح: «دراسة الطيران ليست سهلة، فهي من أصعب التخصصات، وتحتاج إلى جهد كبير وصبر طويل، لأنها مهنة تقوم على الدقة، وتحمّل مسؤولية عظيمة تتعلق بسلامة الأرواح. لكن كل هذا التعب يزول أمام لحظة التحليق، حين تدرك أن الشغف والإصرار قادران على تحويل أحلام الطفولة إلى إنجاز حقيقي، فتعلّم الطيران لم يكن سهلاً أبداً، فكل مرحلة تحمل تحديات، ذهنية وبدنية، عالية. هناك ضغط، ودقة، ومسؤولية كبيرة، لكن هذه الصعوبات تصقل الشخصية، وتعلّمك الانضباط والهدوء تحت الضغط. تحتاج إلى عزيمة قوية وإيمان بقدرتك على الوصول».
برنامج وطني يصنع القادة
ويُعدّ برنامج تدريب وتأهيل الطيارين المواطنين أكبر مبادرة من نوعها في الدولة، حيث يوفّر للمنتسبين رعاية كاملة خلال فترة التدريب، ثم ينتقل الخريجون بعد ذلك إلى مراحل تدريب متقدمة قبل الالتحاق رسمياً بطيران الإمارات، في مسار مهني واضح ومدروس.
منهجية عالمية… ورؤية شاملة
تعتمد أكاديمية الإمارات لتدريب الطيارين نهجاً متكاملاً يجمع بين التميّز الأكاديمي، وأحدث تقنيات التدريب الجوي، وتنمية المهارات القيادية، بما يضمن إعداد طيارين عالميي المستوى، قادرين على تشغيل أكثر الطائرات تطوراً.
وتُترجم هذه الرؤية عبر شراكات استراتيجية مع البرنامج الوطني لتأهيل الطيارين، وقسم تدريب الطيران في طيران الإمارات، لضمان توافق التدريب مع أعلى المعايير التشغيلية والثقافية للمجموعة.
تفوق يُكافأ… واجتهاد يُقدَّر
شهد الحفل تكريم خمسة طلاب متفوقين هم: عبد الرحمن النعيمي، فلاح الحوسني، جيادا ماكاريو، وشاهير بهاتي، فيما نال سعيد عبد الله جائزة الطالب الأكثر اجتهاداً، تأكيداً لثقافة التميّز التي تتبناها الأكاديمية.
بيئة متكاملة لتصنيع النجاح
توفر الأكاديمية في مقرّها بـدبي الجنوب بيئة تدريبية ومعيشية متكاملة، تشمل شقق إقامة خاصة، ومرافق رياضية وترفيهية، تتيح للطلبة التركيز الكامل على برنامجهم المكثف. ويضم الحرم التدريبي، الذي يعادل 200 ملعب كرة قدم، 36 فصلاً دراسياً حديثاً، و6 أجهزة محاكاة طيران كاملة الحركة، وبرج مراقبة مستقلاً، ومدرجاً بطول 1800 متر، إضافة إلى أسطول تدريبي متطور يضم 32 طائرة من أحدث الطرز.
حلم بدأ… ومسيرة تتواصل
وهكذا، مع كل دفعة جديدة، تواصل الأكاديمية أداء دورها في تحويل الأحلام إلى واقع، وإعداد جيل يحلّق بثقة، ويقود مستقبل الطيران من أرض الإمارات إلى آفاق العالم.
