جويل صعب: «إكسبو 2020 دبي» محطة مفصلية في مسيرتي بقطاع الاستدامة
من حملات التشجير في لبنان، إلى إدارة قطاع النفايات والاستدامة في الإمارات، برز اسم جويل صعب في «إكسبو 2020 دبي» بقوة، وأوكلت إليها مهمة تصميم وتنفيذ استراتيجية إدارة النفايات في الموقع، لتشكّل تجربة رائدة في تحويل الرؤية إلى واقع ملموس.
قاد الشغف بحماية البيئة جويل صعب إلى أن تحمل راية الحفاظ على البيئة، وأتاح لها وجودها في الإمارات فرصة لتولّي دور قيادي كمديرة قسم إعادة التدوير ومعالجة النفايات في «دلسكو للحلول البيئية»، وحملتها تلك المسيرة إلى قيادة جهود استدامة كبرى عبر تصميم وتنفيذ استراتيجية إدارة النفايات في موقع «إكسبو 2020 دبي».
ما الذي قادك إلى هذا المجال تحديداً؟
منذ صغري كنت أحمل شغفاً راسخاً بحماية البيئة. وقد أسهمت تجربتي الأولى في حملات التشجير في ترسيخ احترام عميق للطبيعة بداخلي، فألهمتني المضي قدماً نحو دراسة الماجستير في العلوم والإدارة البيئية. ومع إنجازي لرسالتي البحثية، وجدت طريقي إلى القطاع غير الربحي، حيث اكتشفت شغفاً حقيقياً بالعمل من أجل قضية تحدث فرقاً ملموساً، وتصنع أثراً إيجابياً يحمي البيئة للأجيال القادمة. وأؤمن اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأن حماية البيئة مسؤولية مشتركة، وأن كل جهد صادق، مهما بدا بسيطاً، يصنع فارقاً يمتد أثره ليبني غداً أكثر استدامة. ما جذبني إلى هذا المجال هو القدرة على إحداث تغيير ملموس وهادف من خلال عمل مُوجّه نحو غاية أؤمن بها، وأشعر بارتباط عميق تجاهها.
وكيف بدأت رحلتكِ في قطاع إدارة النفايات والاستدامة؟
كان انتقالي إلى القطاع الخاص خطوة واعية هدفت من خلالها إلى توسيع نطاق الأثر البيئي الذي حلمت بتحقيقه. ففي عام 2017، التحقت بـ «دلسكو للحلول البيئية»، حيث توليت قيادة مبادرات نوعية في مجال إعادة التدوير، قبل أن أتولى الإشراف على عمليات منشآت معالجة النفايات التابعة لنا، في مختلف أنحاء دولة الإمارات. وقد حملتني هذه المسيرة إلى قيادة جهود استدامة كبرى، كان أبرزها "«إكسبو 2020 دبي»، إذ أُوكلت إليّ مهمة تصميم وتنفيذ استراتيجية إدارة النفايات في الموقع، لتكون تجربة رائدة في تحويل الرؤية إلى واقع ملموس. وقبل انضمامي إلى «دلسكو للحلول البيئية»، عملت كأخصائية بيئية في لبنان، حيث أدرت مشاريع بالتعاون مع منظمات دولية مرموقة، مثل الاتحاد الأوروبي، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
لم يعد هذا المجال يقتصر على إدارة النفايات فحسب، بل بات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستدامة والابتكار
هل واجهت تحدّيات مرتبطة بكونك امرأة، وكيف ترين تمثيل المرأة في مجالات البيئة ؟
حالفني الحظ بالعمل في دولة الإمارات، حيث تتوافر للمرأة اليوم فرص متزايدة لتولّي أدوار قيادية في قطاعات لطالما اعتُبرت، تقليدياً، حكرا على الرجال. ولم تخلُ المسيرة من التحدّيات، بخاصة في البدايات، ومع قيادة فرق يغلب عليها العنصر الذكوري. ولطالما آمنت بأن الكفاءة والنتائج تتحدث بصوت أعلى من أي افتراضات مسبقة. لذا، انصبّ تركيزي على إثبات الجدارة، وبناء الثقة عبر التعاون والعمل المشترك، ما مهّد لي طريقاً للنمو، بثقة ومصداقية.
وعلى الرغم من التقدّم الملحوظ، ما زالت مشاركة المرأة في هذا القطاع محدودة، لا سيّما في المواقع القيادية. ويعود ذلك إلى الصورة النمطية التي أحاطت طويلاً بمجال إدارة النفايات، ما جعله أقل جاذبية للنساء. لكننا نشهد اليوم تحوّلاً إيجابياً؛ إذ لم يعد هذا المجال يقتصر على إدارة النفايات فحسب، بل بات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستدامة والابتكار، الأمر الذي شجّع المزيد من النساء على الانخراط فيه، والمساهمة بأفكار ورؤى جديدة تثري مسيرة الاستدامة، وتدفع عجلة الابتكار.
ونصيحتي للنساء في هذا المجال: امتلكن خبراتكنّ بثقة، تحدثن بقناعة، ولا تستهِنّ أبداً بقوّة التنوّع في وجهات النظر، واذكرن دوماً أن دعم النساء لبعضهن بعضاً يعزّز قوة القطاع، ويدفعه نحو مستقبل أكثر توازناً وشمولاً.
أسّستِ فريق الاستدامة داخل «دلسكو للحلول البيئية»، ما الذي دفعكِ إلى هذه الخطوة، وما أبرز إنجازات الفريق؟
كنت حريصة دائماً على أن نكون في قلب المشهد، لا على هامشه، مواكبين المتطلبات التنظيمية المتصاعدة، وتطلعات السوق المتغيّرة. الاستدامة اليوم أصبحت ركيزة أساسية لتعزيز مرونة الأعمال، وضمان قدرتها على النمو والصمود أمام التحديات.
منذ ذلك الحين، أطلقنا سلسلة من المبادرات المؤثّرة، شملت برامج توعية مجتمعية، وصياغة استراتيجيات استدامة لفعاليات كبرى، مثل «إكسبو 2020 دبي»، وقمة COP28 .
وأسهم الفريق في خفض التكاليف التشغيلية، وجذب أفضل الكفاءات والعملاء الجدد، وتعزيز مكانة «دلسكو للحلول البيئية» كشريك موثوق لحلول الاقتصاد الدائري، مثل توفير الوقود البديل من النفايات، كل ذلك مع بناء أساس قوي لتحقيق أثر وقيمة مستدامة على المدى الطويل. كما بادرتُ إلى قياس البصمة الكربونية لمجموعة دلسكو، ووقّعنا على التزام «صافي الانبعاثات الصفري 2050»، وقمنا بإعداد خريطة طريق لتحقيق هذا الهدف.
كيف ولدت فكرة «حافلة دلسكو لإعادة التدوير»، وما أثر برنامج التثقيف البيئي؟
تمثّل «حافلة دلسكو لإعادة التدوير» نموذجاً عملياً لمبدأ إعادة التدوير ذاته؛ إذ كانت في الأصل حافلة تجارية قديمة على وشك الخروج من الخدمة، فأعدنا تدويرها وتحديثها بالكامل، لتحويلها إلى فصل دراسي متنقل يقدّم التوعية البيئية بأسلوب تفاعلي ومبتكر. تجوب الحافلة المدارس، والفعاليات العامة، والمراكز المجتمعية، لتكون وسيلة تعليمية متنقلة تعرّف الطلاب والأفراد بأهمية التدوير والحفاظ على البيئة، بأسلوب عملي ممتع.
وعلى مدى السنوات، نجح البرنامج في الوصول إلى آلاف الأفراد، وحقق تحوّلاً ملموساً في سلوك المجتمعات تجاه النفايات والاستدامة، ليصبح أحد أبرز أدواتنا في تعزيز الوعي، بخاصة في مجالات فرز النفايات وإعادة التدوير.
ما هو أكثر مشروع شعرتِ فيه بالفخر خلال مسيرتك المهنية، ولماذا؟
لا شك في أن «إكسبو 2020 دبي» كان محطة مفصلية في مسيرتي المهنية، وهو الإنجاز الذي أعتز به أكثر من سواه. فقد كان شرفاً، ومسؤولية كبيرة أن نكون الشريك الرسمي لإدارة النفايات في حدث عالمي بهذا الحجم، وأن ننجح في تصميم وتنفيذ نظام متكامل يركّز على الفرز، وإعادة التدوير، وتقليل النفايات المرسلة إلى المكبّات، ليكون نموذجاً عملياً قابلاً للتطبيق على نطاق أوسع.
وخلال الحدث، تم توليد أكثر من 1.1 مليون طن من النفايات، ونجحنا في تحويل 90.5% منها بعيداً عن المكبات. وتنوعت المبادرات لتشمل محطة تحويل نفايات داخلية تقلل الانبعاثات، وحاويات تدوير تعمل بالطاقة الشمسية، ومعالجة مباشرة لبعض أنواع النفايات في الموقع، إلى جانب إنشاء مصنع لإنتاج الوقود البديل (RDF)، لتزويد مصانع الأسمنت. كما أطلقنا حملات توعية واسعة النطاق من خلال مناطق تفاعلية وأكشاك توعوية، لضمان مشاركة الزوار من مختلف أنحاء العالم، في جهود الاستدامة.
«إكسبو 2020» لم يكن مجرّد مشروع عابر، بل شكّل منصة حية تُبرز كيف يمكن لإدارة النفايات أن تتحوّل إلى قصة نجاح، حين تجتمع عناصر التعاون، والابتكار، والمشاركة المجتمعية.
كيف تصفين أسلوبك في القيادة داخل فريق العمل؟
أسلوب قيادتي تعاوني، مُمكِّن، وهادف. أؤمن بأهمية منح الفريق الثقة والمسؤولية، وتشجيع التعلم المستمر، وربط كل مهمة ننجزها برؤية أوسع ورسالة أسمى. وأسعى دائماً لغرس قيم النزاهة، وروح العمل الجماعي، والالتزام بخدمة العملاء في صميم ثقافتنا اليومية. وفي قطاعٍ يتسم بالتغيّر والتحدّيات المتسارعة، تبقى هذه القيم ركيزة أساسية لتحقيق أثر ملموس، وإحداث فرق حقيقي.
وأؤمن بأن القيادة الحقيقية تظهر في أصعب اللحظات، حين يتحوّل التحدّي إلى فرصة للنمو. وبالنسبة لي، فإن أعظم النجاحات هي تلك التي تتحقق بروح الفريق الواحد، حيث يُحتفى بجهود الجميع، وتُثمّن مساهماتهم.
أعدنا تدوير حافلة تجارية قديمة وحولناها إلى فصل دراسي متنقل يقدّم التوعية البيئية بأسلوب تفاعلي ومبتكر
ما المهارات التي تعتقدين أنها ساعدتكِ على تحقيق النجاح في هذا المجال المتخصص؟
لقد كان التعاطف والفضول من أهم الركائز التي شكّلت مسيرتي المهنية. فالتعاطف يفتح لي آفاق فهمٍ أعمق لوجهات نظر مختلف الأطراف — من الجهات الحكومية والشركاء، إلى العملاء والعاملين في الميدان — ما يمكّنني من صياغة استراتيجيات استدامة واقعية وشاملة، في آنٍ معاً. أمّا الفضول، فهو محرّك لا ينضب يدفعني دوماً إلى متابعة أحدث التوجهات والتقنيات، والممارسات العالمية، والبقاء على صلة بما يشهده القطاع من تطورات متسارعة.
وبالجمع بين هاتين الصفتين، أتمكّن من وصل المعرفة التقنية بالتطبيق العملي، وإيصال الأثر بلغة يفهمها الجميع، وبالطبع، لا يغيب عني أن الإصرار عنصر لا غنى عنه، لأنني أؤمن بأن التغيير الحقيقي لا يأتي على عجل، بل يحتاج إلى صبرٍ وعملٍ دؤوب، يُترجم الطموح إلى واقع ملموس.
كخبيرة في إدارة النفايات والاستدامة، هل تتّبعين نمط حياة مستداماً محدّداً في منزلك؟
بالتأكيد. أؤمن بأن العيش بأسلوب مستدام يبدأ من القرارات اليومية. في المنزل، أحرص على فرز النفايات بشكل صحيح، والتأكد من نظافة المواد القابلة للتدوير، وتصنيفها. كما أتجنّب، قدر الإمكان، استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد، وأفضّل البدائل القابلة لإعادة الاستخدام. وأولي اهتماماً باستهلاك الطاقة، من خلال ضبط منظم الحرارة بفعالية، واستخدام أجهزة موفرة للطاقة.
وبالنسبة لي، لا يتعلق الأمر بالسعي إلى الكمال، بل بالاستمرارية. فأنا لست مثالية، ولكن هذه العادات البسيطة والواعية تجسّد نفس القيم التي أعمل على ترسيخها مهنياً: خطوات عملية وصغيرة يمكن أن تُحدث فرقاً حقيقياً، مع مرور الوقت، بخاصة حين تتحوّل إلى جزء من أسلوب حياتنا اليومي.
لو لم تكوني في مجال البيئة، في أيّ مجال تتخيّلين نفسك الآن؟
أعتقد أنني كنت سأنخرط في مجال علم النفس، أو الطب الوظيفي، فقد شدّني دائماً فهم السلوك البشري، وعلاقة العقل بالجسد. كلا المجالين يقوم على التفكير المنهجي، وهو ما ينسجم تماماً مع رؤيتي للاستدامة، ما يجمع بينهما في نظري هو الحاجة
سؤال أخير: هل يمكن لمنازلنا أن تتحّول إلى بيوت مستدامة بالكامل؟
خطوات بسيطة، مثل التقليل من استخدام المنتجات ذات الاستعمال الواحد، وترشيد استهلاك الطاقة والمياه، واختيار المنتجات المحلية والمستدامة، يمكن أن تصنع فرقاً حقيقياً على المدى الطويل. ومع توافر البنية التحتية المناسبة، والدعم الحكومي، والتوعية المجتمعية المستمرة، يتحوّل أسلوب الحياة المستدام من مجرد جهد فردي إلى ثقافة جماعية راسخة. فكل تغيير بسيط نمارسه داخل منازلنا ينعكس أثراً بيئياً أوسع، ويثبت أن الأفعال الصغيرة قادرة على صنع فرق كبير.
