حضور المرأة في «إكسبو 2020 دبي» راسخ ويحمل الكثير من المضامين العميقة عبر جناح المرأة الذي يتم تخصيصه لأول مرّة في تاريخ إكسبو، بالتعاون مع «كارتييه». يسرد الجناح حكاية المرأة، نضالاتها ومساراتها المتأرجحة بين التمييز والتحدي وإثبات الذات والبحث عن النهوض وسط الردم وأنقاض الذات. من المدخل، تستشرف أن ثمة عناوين كبيرة تنتظرك على مائدة تشريح واقع المرأة من خلال الإطلالة على الماضي واستشراف المستقبل في ظل حضور نسوي يفرض ظلاله الناعمة على المشهد بقوة الصبر والإنجاز.
«ازدهار المرأة ازدهار للبشرية»
تستقبلك جدارية نحتت من الخشب بشكل نافر إلى الأمام في تصميمها أشبه بدعوة للتماس مع العبارة –الرسالة «ازدهار المرأة ازدهار للبشرية» بحيث تنطلق رؤية الجناح من مبدأ المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
فرغم كل الإنجازات القائمة والتغيير في مسيرة المرأة، يطرح الجناح أهمية ترسيخ جهود المرأة «التي يتم تجاهلها» كما تغيير المفاهيم بطرق جديدة لبناء عالم أكثر توازناً حيث «تمكين النساء والفتيات هو الطريق الأمثل لبناء عالم أكثر توازناً».
«ماذا تعني لكم المساواة ؟»
هذا العالم غير المتوازن يظهر عند أول سلسلة من الأسئلة القائمة في كل زاوية من الجناح على لسان أطفال يشاركون في فيلم وثائقي يجيبون فيه على سؤال محوري «ماذا تعني لكم المساواة ؟» يشرح هؤلاء الأطفال الأمر ببساطة شديدة ويقولون الحقيقة ولا يتمترسون وراء آراء متحيزة ويتخيلون عالماً تسوده المساواة «فمن الظلم أن يتقاضى الأولاد أجراً أعلى، وهذه مشكلة كبيرة ينبغي إيجاد حل لها»، تقول طفلة مشاركة في الوثائقي.
ويردف أحد الأولاد «يستطيع البنات والاولاد إنجاز نفس العمل بنفس الاتقان». وتردف طفلة «صدقوا دوما ما يقوله الأطفال لأنّهم يقولون الحقيقة».
وجوه نسائية رسمت التاريخ
يشرع الجناح بابا آخر يطّل على التأثير الإيجابي للمرأة عبر التاريخ حيث أن «أول جامعة أسست في العالم هي جامعة القرويين في مدينة فاس في المغرب في عام 859 وأسستها امرأة من المغرب وهي فاطمة الفهري».
الحكاية تبدأ من هنا و لا تنتهي عند وجوه نسائية ناضلت ومهدّت الطريق لمسار من النجاح وإثبات الذات: الملكة أمينة من نيجيريا التي تمكنت من حماية شعبها في القرن السادس عشر بما يسمى «أسوار أمينة» ودونا إيزابيل التي قضت على العبودية في البرازيل عام 1888وحررت 700 ألف فرد وكسبت مكانتها بصفتها «المخلّصة».
شخصيات نسائية كثيرة ومحاربات درجة أولى تركن إرثاً من المجد النسوي على مر التاريخ ومنها كليوباترا، ملكة سبأ، ناكانو تاكيكو أسطورة الساموراي اليابانية التي قادت جيشاً من النساء، زنوبيا ملكة تدمر، وغيرهنّ كثيرات.
هؤلاء مهدن الطريق لبطلات العصر الحديث: جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا، سامية حسن صلوحي، رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة، سانا مارين، رئيسة وزراء فنلندا (التغلب على التحيز لصنع عالم أكثر مساواة)، الكابتن الطيار في القوات الجوية الإماراتية مريم المنصوري، نوال السعداوي، وغيرهنّ.
يعود السؤال عن عالم أكثر مساواة ونرصد الواقع المحلي مع إصدار مرسوم رئاسي دخل حيز التنفيذ في سبتمبر 2020 ينص على المساواة في الأجور بين المرأة والرجل في القطاع الخاص.
يستعرض الجناح مسيرة نساء كثيرات منهن فريدا كاهلو، زها حديد، جان توسان، فيروز «سفيرة لبنان إلى النجوم»، حمدة الحوسني العداءة الإماراتية التي تغلبت على نوبات الصرع لتحقق أكثر من 18 ميدالية في الأولمبياد الخاص.
إنجازات الشيخة فاطمة في جناح المرأة
صورة تجمع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مع «أم الإمارات» تتصدر جناح المرأة في أكسبو
استعرض الجناح إنجازات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، وتمّ التعريف عنها كـ«رائدة حقوق المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة»، ومن الإنجازات:
أرقام صادمة
جل مرتادي المكان هم من النساء اللواتي يعرفن جيداً إجابات الأسئلة المطروحة ولكنّ بعضهن، ونظراً لتفاوت المجتمعات، قد يقف مذهولاً أمام أرقام صادمة تقول إنه «لا تزال 132 مليون فتاة في العالم غير قادرات على الالتحاق بالمدارس وتبلغ نسبة غير الملتحقات في المدارس الثانوية في المناطق الريفية حول العالم 61 %».
الأرقام تبدو صادمة بموازاة الوعي القائم وبموازاة محاولة المنظمات الدولية سد هذه الفجوة وردمها بالكثير من السياسات.
وعلى الرغم من انخفاض معدل الفقر العالمي بنسبة 75 % خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن المرأة ما زالت أكثر عرضة للعيش في فقر مدقع من الرجل «والشاهد هو الأحذية المرصوصة على الأرفف في مشهدية تجسد سعي المرأة لتحسين واقعها حيث تقضي وقتاً أطول بثلاث مرات من الرجل في أداء أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر بنسبة 4. 1 ساعة يومياً وحتى أن ملايين النساء يمضين وقتاً طويلاً من أجل الحصول على الماء».
ألم يحن الوقت؟
فالكثير من التحديات لا تزال تواجه المرأة رغم حدوث التغيير، حيث إعادة السؤال «ألم يحن الوقت لنحيا في عالم أكثر مساواة؟» هذا السؤال مدخل إلى طرح مبادرات وحلول لصنع عالم أفضل. نحو بيئة تحمي كرامة وأنوثة المرأة تنسجم هذه المبادرات مع مقولة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، «تتمثل مهمتنا في توفير بيئة تطلق إمكانات المرأة –بيئة تحمي كرامتها وأنوثتها وتساعدها على إيجاد التوازن الضروري في حياتها وتقدر مواهبها وقدراتها. وإذا ما نجحنا في توفير هذه البيئة، فأنا على ثقة من أن المرأة ستفعل المعجزات».
«رحلة غنية بالمواجهات»
خصص الجناح طابقاً كاملاً لمعرض للممثلة والمخرجة والمصورة الفوتوغرافية ميلاني لوران التي تسبر عوالم النساء وقصص كفاحهنّ وتسعى إلى «إعادة الاتصال بالعالم والإنسانية» وإلى «أن نشعر أكثر من أن نفكر» ورصد أدوار المرأة المتنوعة في الحفاظ على النظام البيئي عبر فقرة «غابة من الأصوات» من خلال أربع نساء التزمن بالدفاع عن البيئة كتجسيد للرابط الطبيعي بين النساء والطبيعة.
سحابة الأرواح تعبر عنها لوران بـ«رحلة غنية بالمواجهات»في حين يرصد فيلم الواقع الافتراضي «دعوات» حكايات نساء يغيرن العالم على جميع المستويات، حيث حكاية بيوريتي حارسة في حديقة وطنية في كينيا، وسارة عازفة الكمان المفردة في الأوركسترا الوطنية لفرنسا، ورامية السهام اليابانية ماريكو، النجارة ماري راتكليف من كندا، هيغاشي ميزوها مرشدة غابات من اليابان، وعلياء النيادي أول راقصة باليه إماراتية من أبوظبي، وغيرهن ممّن فتحن قلوبهن حيث «كل ما عليك فعله هو الاستماع لهنّ. ففي همساتهن حياة»، كما تؤكد لوران.
* تصوير: السيد رمضان