منذ فترة أعلن أحد الزملاء في المجال الإعلامي تقاعده بعد مسيرة مهنية حافلة بالنجاح. كان زميلاً ومديراً عملت معه لسنوات، لم يكن مجرّد مسؤول إداري، بل قائداً حقيقياً يجيد فن التعامل الإنساني، قبل المهني. جمع بين الحزم والرحمة، وبين الانضباط وروح الفريق، فكان قدوة في الالتزام، وصاحب شبكة علاقات واسعة، داخل المؤسسة وخارجها، يسخّرها لخدمة العمل لا للمصالح الشخصية. كل يوم معه كان يحمل جديداً، حركة ونشاطاً، لا يهدآن، حتى قرّر في النهاية أن يترجل بهدوء بعد رحلة طويلة من العطاء.
حين أعلن تقاعده، وجدت نفسي أشعر بمزيج من الحزن والاحترام. الحزن لأننا نفتقد نموذجاً نادراً من القادة الذين يصنعون الفرق. والاحترام لأنه اختار أن يتوقف وهو في قمة عطائه، ليبدأ فصلاً جديداً من حياته. وأكثر ما لفت انتباهي هو سيل التمنيات والكلمات الطيبة التي انهالت عليه من زملائه، القدامى والجدد. كان ذلك المشهد دليلاً على محبة حقيقية حصدها بجهده وسيرته الحسنة، وكم هو جميل أن تُذكر بخير بعد رحيلك عن منصبك.
في المقابل، هناك من يغادرون مواقعهم فلا يُذكرون إلا بما تركوه من جراح في نفوس من عملوا معهم. مديرون ظنّوا أن الكرسي يمنحهم هيبة أبدية، فاتخذوا من السلطة سوطاً، ومن الصلاحيات سلاحاً يلوّحون به في وجه كل من يخالفهم. جعلوا بيئة العمل ساحة خوف لا مساحة عطاء، فكم من موظف أُحبط، وكم من موهبة انطفأت تحت وطأة مزاجهم المتقلب، وتعاملهم الجاف. كانوا يتحدثون عن الانضباط بينما يمارسون الظلم، وحين يرحلون، لا يسمع في الممرات سوى تنهّدات الراحة، وكأن المؤسسة تنفّست بعد اختناق طويل. يوم تقاعدهم يتحول إلى عيد غير معلن، يحتفل به الصامتون في قلوبهم لأن مرحلة من القسوة انتهت أخيراً.
في الختام، اصنع لنفسك أثراً طيباً أينما كنت، فالمناصب تزول، والسلطة تفنى، لكن الأخلاق تبقى وتُخلّد. عامل الناس كما تحب أن تُعامَل، واستخدم سلطتك لتبني لا لتهدم، لتُلهم لا لتُرهب. فكل شيء زائل، أما من تعامل بإنسانيته فمكانه ثابت في ذاكرة الجميع.
اللغاية
"تخَيّلوا! صديقتي اتصلت بي تبكي وتقول إنها بحاجة لمبلغ ضروري بسبب ظرف طارئ، وأنا طبعًا ساعدتها فورًا... وبعد أيام أفتح الإنستغرام لأجدها في منتجع كورشفيل الفاخر بفرنسا! راحت "تحويشة العمر"..هههههههه...