09 نوفمبر 2025

المتحف المصري الكبير... مئة ألف قطعة نادرة تروي قصة الحضارة الإنسانية

محرر متعاون - مكتب القاهرة

مجلة كل الأسرة

يعانق المتحف المصري الكبير صحراء منطقة الأهرامات مثل كائن أسطوري خرج لتوّه من كتب التاريخ القديم، ليروي للزائرين من كل سحنة ولون، حكايات عتيقة عن تاريخ تلك الحضارة العريقة التي نشأت على ضفة النيل في مصر، وألهمت العالم.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ينتصب المتحف المصري الكبير عند سفح الأهرامات، في إباء يليق بما يضمه من مقتنيات نادرة تقدر بنحو مئة ألف قطعة أثرية، تغطي تاريخ الحضارة الإنسانية التي ظهرت على شاطئ النيل في مصر القديمة، قبل ما يزيد على سبعة آلاف عام، بدءاً من عصور ما قبل الأسرات، حتى نهايات العصر الروماني، ما يجعله يتصدر قائمة أعظم المشروعات الثقافية التي انتجتها الحضارة الإنسانية الحديثة، في القرن الحادي والعشرين.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

يضاهي المتحف المصري الكبير، في عظمة بنائه وما يضمه من مقتنيات وقطع أثرية نادرة الوجود، متحف اللوفر الذي يمثل العراقة الغربية، على ما يضمه من كنوز فنية ترجع إلى مختلف العصور، وإن اجتمع المتحفان في غاية واحدة، وهي إحياء ذاكرة التاريخ.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ربما لم يحتفل المصريون بمشروعاتهم القومية الكبرى، منذ بناء السد العالي مطلع الستينيات، مثلما احتفلوا بافتتاح المتحف المصري الكبير، إذ اتخذت الاحتفالية، التي حضرها عشرات الملوك والرؤساء والدبلوماسيين، من العالم العربي والغربي، على حدّ سواء، بعداً شعبياً واضحاً، تجسد في ملايين الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وظهر فيها المصريون بملابس فرعونية، كأنما اتخذوا من المناسبة فرصة لإظهار هويتهم التي تضرب جذورها في عمق التاريخ الفرعوني، وتماهت إلى حد التطابق، مع جذورهم العربية الضاربة في عمق الحضارة والثقافة الإسلامية.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

يمتد المتحف المصري الكبير على مساحة تصل إلى نحو خمسة آلاف متر مربع، على بعد كيلومترين فقط، من أهرامات الجيزة، ويتميز بتصميمه الفريد الذي تم بواسطة أحد بيوت الخبرة الأيرلندية المتخصصة في بناء المتاحف، حيث يتميز التصميم بواجهته المهيبة المصنوعة من الألباستر المصري، وتعكس أشعة الشمس بألوانها الذهبية، فيبدو المتحف متماهياً مع الصحراء المترامية، كأنه يغازل دفء الرمال، وامتداد الصحراء الرهيف من خلفه، بينما تطل واجهته الزجاجية المثلثة مباشرة على أهرامات الجيزة الثلاثة، على نحو يجعل من المتحف امتداداً طبيعياً لأهرامات الفراعنة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

يستقبل الدرج الملكي العظيم الزائر للمتحف، حيث تصطف على جانبيه تماثيل ضخمة لملوك مصر القديمة، يتقدمهم رمسيس الثاني بإطلالته المهيبة، وهو التمثال الذي ظل موجوداً لعقود وسط القاهرة، في الميدان الذي لا يزال يحمل اسمه، في مواجهة محطة القطار الرئيسية، قبل أن يتم نقله إلى المتحف الكبير، بعد عملية دقيقة نفذها أحد أساتذة كلية الهندسة بجامعة القاهرة، الذي أصرّ على أن يتم نقل التمثال واقفاً على شاحنة عملاقة، ليخترق تمثال الفرعون الذي يصل وزنه إلى 83 طناً، وطوله 11 متراً، شوارع القاهرة في طريقه إلى مستقره الأخير، وسط احتفالية كبرى.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

يضم المتحف المصري الكبير أكثر من 100 ألف قطعة أثرية متنوعة، تغطي تاريخ الحضارة المصرية من عصور ما قبل الأسرات حتى العصر الروماني، إلى جانب المجموعة الكاملة لكنوز الفرعون الذهبي، توت عنخ آمون، الذي مثل اكتشاف مقبرته، مطلع القرن الماضي، الحدث الأبرز في تاريخ الاكتشافات الأثرية، ويعرض المتحف المجموعة الكاملة لكنوز الفرعون الشاب، والتي تضم أكثر من 5000 قطعة نادرة الوجود، ترصد ملامح حياة الفرعون القصيرة التي انتهت عند سن التاسعة عشرة، لكنه رغم قصر سنوات عمره استطاع أن ينجح في إخماد الثورة الدينية التي أشعلها والده أخناتون، وما أسفرت عنها من اختيار مدينة اخيتاتون الموجودة في منطقة تل العمارنة بمحافظة المنيا، كعاصمة لملكه الجديد، وأعاد لطيبة مجدها القديم كعاصمة للبلاد.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تجمع مجوهرات الفرعون الذهبي بين دقة الصناعة، وجمال المشغولات الذهبية وغموض التاريخ، في آن، ما يجعلها تمثل، حسب كثير من الخبراء، ذروة الإبداع الإنساني الذي بلغته الحضارة المصرية القديمة، في كل ما يتعلق بالفن والحياة والموت، على حد سواء. ومن أبرز هذه القطع سوار الجعران المصنوع من شريط ذهبي صلب، يفتح بمفصلة، وتزينه حشرة الجعران المصنوعة من اللازورد، والسوار محاط بإطار من العقيق والزجاج الأزرق والفيروزي، وهو يرمز في العقيدة الفرعونية القديمة إلى توازن الليل، والنهار، والبعث.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ولا ينافس هذا السوار أهمية سوى صدرية الجعران المجنح الخاصة بالفرعون الشاب، وهي عبارة عن جعران مجنح مصنوع من الذهب، والزجاج الملون، والأحجار شبه الكريمة، ويعكس رموز الشمس والحماية الإلهية. كما تضم المجموعة أقراط الغرانوليشن، التي تعد أعجوبة في حد ذاتها، إذ نفذت بتقنية دقيقة، باستخدام حُبيبات ذهبية صغيرة، ملحومة على سطح أملس، ما يدل على براعة المصري القديم في استخدام مختلف المعادن في صناعة الحلي.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

يتصدر الخنجر الفضائي قاعة المقتنيات الرئيسية لتوت عنخ آمون، وهو الخنجر الذي يذهب كثير من المؤرخين إلى أنه ربما كان مصنوعاً من معدن نيزكي، نظرا لماً يحتوي عليه من نسب عالية من مادتي النيكل والكوبالت، وقد عثر هيوراد كارتر، مكتشف مقبرة توت، على هذا الخنجر فوق صدر مومياء الفرعون الشاب، عندما قام بفتح مقبرته في منطقة وادي الملوك، بمدينة الأقصر، وقد كانت المقبرة الوحيدة التي عثر عليها في ذلك الوقت سليمة تماماً، وكاملة المقتنيات الخاصة بالفرعون، ما يعني أنها لم تسقط في يد اللصوص على مر التاريخ، إذ عثر بداخلها على أكثر من 5398 قطعة أثرية، من بينها تماثيل وأسرّة ملكية، وأسلحة، وعربات، ومجوهرات، وأوانٍ، وتوابيت مذهّبة، فضلاً عن القناع الذهبي الشهير، الذي تحول إلى رمز خالد للحضارة المصرية القديمة.

مجلة كل الأسرة

لا تتوقف مقتنيات المتحف المصري الكبير عند حد ما يضمه من كنوز فرعونية تمثل مختلف العصور القديمة، لكنه إلى ذلك يضم أكبر مركز ترميم في إفريقيا والشرق الأوسط، ما يجعله بمثابة مركز علمي عالمي، يمكن أن يصنع جسراً بين التاريخ والتكنولوجيا، إذ يروي عبر العديد من قاعاته المتخصصة، القصة الكاملة للحضارة المصرية بأسلوب بصري تفاعلي.

* تصوير – أحمد شاكر