ماجد البستكي: طاولة «بو نجمة» تروي حكاية الأبواب الإماراتية القديمة والفناء يربط الماضي بالحاضر
من طاولة كونسول «بو نجمة» إلى «الأبواب الإماراتية القديمة »، تتبدّى رحلة المهندس المعماري ومصمم المنتجات ماجد البستكي، في إحياء التراث الإماراتي بروح عصرية. تتسم أعمال البستكي برؤية تجمع بين الحنين إلى الجذور وشغف التجديد، في تجربة بصرية تنبض بالهوية الإماراتية، وتحتفي بتفاصيلها.
يواصل هذا المعماري نسج خيوط التراث، مستلهماً من الأبواب القديمة والألوان التي زيّنت بيوت الإمارات، حيث كل تصميم يحمل في طيّاته ذاكرة جيل، لافتاً إلى أنّه استقى فكرته من رغبة حقيقية في «أن أعيد هذه الأبواب إلى الواجهة بشكل حديث، لأنني أؤمن بأن التراث يمكن أن يعيش في تفاصيل حياتنا اليومية».
ماجد البستكي متعدّد المواهب، فإلى جانب كونه معمارياً ومصمم منتجات، فهو مصور فوتوغرافي بمهارات استثنائية، يترجم تفاصيل تراثه في صور نابضة بالحياة، وفي قطع تعبّر عن الإنسان والمكان في آن. وفي أعماله، تكمن الكثير من الجماليات، ويطّل الفناء كرمز للتواصل بين الماضي والحاضر.
كيف تصف فلسفتك كمعماري، وكيف تحقّق رؤيتك الإبداعية؟
أنا كمعماري وكمصمم بشكل عام، أحب دائماً أن أربط ثقافتنا الإماراتية بكل ما أعمله. فالمعماري، بالنسبة لي، هو حامل للقيم والعناصر التي شكلت هويتنا عبر الزمن. ولهذا أحاول أن أتبنى العناصر المعمارية الإماراتية، وأعيد صياغتها بروح حديثة، لأُظهر للناس أن عمارتنا القديمة كانت غنية بالمعاني والقيم، وأن هذه العناصر ليست مجرد تفاصيل قديمة، بل مفاتيح أساسية لفهم بيئتنا وثقافتنا.
وللأسف، هناك من بدأ يتجاهل هذا التراث، وينظر إليه على أنه شيء قديم، أو غير مريح، في حين أنني أرى العكس تماماً. أريد أن أعكس هذه النظرة للناس، وأبيّن أن تراثنا، بخاصة في مجال العمارة، قوّي ومتجذّر، وكان دائماً مرتبطاً بأجوائنا، وبيئتنا/، وثقافتنا.
ومن الأمثلة القريبة إلى قلبي، الفناء، الذي كان جزءاً أصيلاً من بيوتنا القديمة. أحب دائماً أن أستحضره في التصاميم التي أعمل عليها، لأنه عنصر معماري، وكذلك هو رمز للتواصل، والراحة، والارتباط بالبيئة المحيطة. لذلك، حين أنظر إلى البيوت التي أصممها، أحرص على أن يكون للفناء مكان بارز فيها، كجسر بين الماضي والحاضر.
سبق وشاركت أكثر من مرة في أسبوع دبي للتصميم، كيف أثرت تلك التجربة رؤاك؟
المشاركة في هذا الحدث تجربة ملهمة تدفعني لتقديم المزيد، سواء في عملي كمصمم، أو كمصور. في كل مرة أشارك فيها أشعر بأنها محطة تثري مسيرتي، وتفتح لي أبواباً لاكتشاف أفكار جديدة، وتجارب مبتكرة.
ما يميز أسبوع دبي للتصميم أنه يخلق مساحة للتواصل مع مصممين من مختلف أنحاء العالم. ووجود هذا التنوع الهائل من الطاقات الإبداعية يمنحني فرصة للتفاعل المباشر، وتبادل الخبرات، وتوسيع آفاق عملي الفني والمعماري. بالنسبة لي، هذه المشاركة تجربة ممتازة، ودافع قوي للاستمرار في تطوير نفسي، فهي تجمع بين الإلهام العالمي، والانتماء المحلي الذي أعتز به.
كيف تنظر إلى التحدّيات التي تواجهها عند تصميم منتجات معمارية، وكيف تواجهها؟
أركّز بشكل كبير على عنصر الخصوصية، فهو بالنسبة لي كمعماري جزء أساسي لا يمكن تجاهله في أيّ تصميم. وبالقدر نفسه، كمصمم منتجات، أحرص أن تكون أعمالي متجذّرة في ثقافتنا الإماراتية، وتحمل روح البيئة التي أنتمي إليها.
مشاركتي الأولى في أسبوع دبي للتصميم، كانت من خلال منتج أسميته Palm Repose، استلهمت فكرته من مشهد مألوف في المزارع، حيث اعتاد المزارعون عند قطف ثمار النخيل أن يجدوا جذع نخلة ساقطاً فيستريحون عليه. هذا المشهد البسيط أثار في داخلي سؤالاً: لماذا لا أصمم قطعة معاصرة تحاكي هذا الجذع، وتوفر للناس مكاناً مريحاً للاسترخاء والجلوس؟ ومن هنا وُلد التصميم الذي شاركت به العام الماضي.
أما مشاركتي الثانية هذا العام، فكانت بقطعة جديدة بعنوان «بو نجمة»، وهي عبارة عن طاولة كونسول تُعد الأولى من مجموعة أطلقت عليها اسم مجموعة «البوابة». و«بو نجمة»هي بداية سلسلة تصميمية تستحضر عناصر من عمارتنا التراثية لتترجم بروح حديثة ومعاصرة.
ما الذي ألهمك تصميم طاولة الكونسول «بو نجمة»؟
طاولة كونسول «بو نجمة» هي امتداد لشغفي بربط التصاميم بثقافتنا الإماراتية، هي بالنسبة لي محاولة لإعادة إحياء التراث من خلال منتج معاصر، واستعادة ملامح الأبواب القديمة التي كانت بارزة في بيوتنا، خلال السبعينيات والثمانينيات، قبل أن تبدأ بالاختفاء شيئاً فشيئاً في التسعينيات وبداية الألفية.
فكرتي جاءت من رغبة حقيقية في أن أعيد هذه الأبواب إلى الواجهة بشكل حديث، لأنني أؤمن بأن التراث لا ينبغي أن يُترك في الماضي، بل يمكن أن يعيش في تفاصيل حياتنا اليومية.
كمصور معماري، ما الدور الذي تلعبه هذه الخلفية في تصاميمك؟
إضافة إلى كوني معمارياً ومصمماً للمنتجات، أنا أيضاً مصور معماري، وقد تم اختياري ضمن أفضل خمسين مصوراً في العالم عام 2022، كما حصدت جوائز عالمية في التصوير. هذه الخلفية تضيف بُعداً مختلفاً لتصاميمي، فأنا حين أعمل على أيّ مشروع أضع دائماً «عين المصور».
فالمصور عادة ما تكون نظرته مبنية على التجربة: كيف سيكون المشهد؟ كيف سيكون الوصول؟ وكيف سيبدو الاطلاع من زوايا مختلفة؟ هذه النظرة البصرية هي التي ترافقني في كل مشروع، سواء في العمارة، أو في تصميم المنتجات، لتجعل النتيجة النهائية مزيجاً بين جماليات الصورة، وعمق الفكرة.
ما الذي دفعك لتأسيس «استوديو ماجد البستكي»؟ وكيف تدمج بين العمارة، وتصميم المنتجات، والتصوير في أعمالك؟
دوماً ما يشغلني سؤال: كيف أستغل المساحة؟ كيف أبدع مساحات جميلة تجعل الناس يعيشون التجربة بكل تفاصيلها؟
هذه النظرة تختلف بين المعماري ومصمم المنتجات؛ فبينما يركز المعماري على خلق الفضاءات، يفكر مصمم المنتجات: كيف أجعل الناس يلمسون القطعة ويتفاعلون معها؟
من هذا المنطلق، أسست «استوديو ماجد البستكي»، وهو مساحة إبداعية أركز فيها على ثلاثة مسارات رئيسية: الهندسة المعمارية، تصميم المنتجات، والتصوير المعماري.
ورجوعاً إلى فكرة الأبواب التي أستوحي منها، أنا كمصور أحب زيارة المناطق القديمة، حيث تلفتني البيوت البيضاء التي تزينها فجأة أبواب بألوان فاقعة: أخضر، أحمر، أزرق... هذه المفاجأة البصرية كانت بالنسبة لي تجربة متجدّدة، فكلما صادفت باباً بلون مختلف، توقفت لالتقاط صورة له. ومع الوقت اكتشفت أن لكل باب شخصية مختلفة، ورسومات خاصة تميّزه.
فالألوان والرموز تعكس شخصية أهل البيت. هناك من يزين بابه بشعار دولة الإمارات (الصقر)، وهناك من يضع الوردة، أو النجمة، أو زخارف أخرى تعبّر عن هويته. ومن خلال رحلتي كمصور ومعماري، وجدت أن أكثر الرموز حضوراً في هذه الأبواب القديمة هما النجمة والوردة. ومن هنا جاءت رغبتي في إعادة إحياء هذه الرموز والألوان كعناصر جمالية قادرة على العيش من جديد في تصاميمي المعاصرة.
كيف تعبّر «طاولة كونسول بو نجمة» عن رؤيتك التصميمية، وما الذي يجعلها بالنسبة إليك تمثيلاً لهوية التراث بأسلوب معاصر؟
اخترت أن تكون أول قطعة في مجموعة «البوابة» تسلط الضوء على أشهر رسومات الأبواب القديمة، هي النجمة. ومن هنا جاء اسم القطعة: طاولة كونسول «بو نجمة».
في تصميم القطعة، انطلقت من تجربتي كمصور، حيث أردت أن يكون هذا المنتج بمثابة «سبوت لايت»، يجذب الانتباه بشكل مباشر، بحيث أي شخص يمر في أسبوع دبي للتصميم لا بد أن يتوقف ليلتفت إليها. والحمد لله، كان الإقبال على القطعة كما توقعت، بل ربما أكثر مما تخيلت.
أما بالنسبة إلى الألوان، فقد تعمدت الخروج عن المألوف. اخترت ألواناً غير تقليدية لم تكن شائعة في الأبواب القديمة، لكنني صغتها بطريقة حديثة ومميّزة، لتعيد للأذهان روح التراث بأسلوب معاصر. وهذه القطعة «بو نجمة» تُطرح للبيع بعدد محدود، لتبقى حصرية، وتحمل في طياتها قيمة رمزية وجمالية، تجمع بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر.
كيف تعكس طاولة «بو نجمة» هذا التوازن بين الجمال العملي والتفاصيل الجمالية؟
ما يميّز طاولة كونسول «بو نجمة» أنها ليست قطعة جامدة، بل تمنح مرونة عالية في الاستخدام والتخصيص. الألوان يمكن للزبون أن يغيّرها بما يتناسب مع المساحة التي يرغب في وضع القطعة فيها، سواء كانت مدخل منزل، بهو فندق، ممراً داخلياً «كوريدور»، أو حتى إلى جانب طاولة الطعام، وفي غرفة النوم، أو في الصالة.
لقد صممتها بثلاثة ارتفاعات مختلفة لتناسب الاحتياجات المتنوعة. الجزء الأوسط من الكونسول يمثل قلب القطعة، أو محورها الأساسي، وهو مساحة عملية يمكن استخدامها لوضع عناصر ترحيبية، مثل مزهرية تحمل الورود، أو أي قطعة فنية تضفي حيوية على المكان.
بهذه الطريقة، تصبح الطاولة أكثر من مجرّد قطعة ديكور، فهي عنصر يربط الجمال بالوظيفة، ويعكس رؤيتي في أن التصميم يجب أن يكون عملياً، ومتناغماً مع تفاصيل الحياة اليومية.
سؤال أخير: كيف تأمل أن يعيد تصميم «بو نجمة» تعريف علاقتنا بالأشياء اليومية؟
من الناحية الفلسفية، حاولت أن أجعل لتصميم طاولة كونسول «بو نجمة» بعداً أعمق من مجرّد الشكل والوظيفة. تساءلت: ما هي فلسفة الباب أصلاً؟ الباب في جوهره ليس مجرد مدخل، أو مخرج، بل هو حاجز يفصل بين عالمين: بين المجتمع والعائلة، بين العام والخاص.
انطلاقاً من هذه الفكرة، صممت القطعة بحيث تعكس هذه الثنائية. الكونسول هنا لا يقتصر على كونه طاولة، بل يعمل كباب يخفي خلفه أغراضك الشخصية، تلك التي تريد أن تبقى بعيدة عن أعين الآخرين، وفي الوقت نفسه، يواجه المساحة العامة التي يتواجد فيها الضيوف، أو المارة في الممرات.
بهذا الشكل يصبح التصميم تجسيداً رمزياً لفلسفة الباب: وسيلة لحماية خصوصيتك، وفي الوقت نفسه عنصر جمالي يعبر عنك وعن ثقافتك، تماماً كما كانت الأبواب القديمة في بيوتنا الإماراتية تعكس شخصية أهل البيت عبر ألوانها ورموزها.
* تصوير: السيد رمضان
