28 أكتوبر 2025

إنعام كجه جي تكتب: العودة إلى جدول الضرب

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

الفرنسي فيليب أجيّون هو واحد من ثلاثة علماء فازوا قبل أيام بجائزة نوبل للاقتصاد. وطبعاً كان الفوز مفاجأة لمعظم الفرنسيين الذين لم يسمعوا باسمه من قبل.

من المعروف أن بلد الأنوار يعيش أزمة اقتصادية خانقة. وقد بلغت ديون فرنسا 300 مليار يورو. لذلك كان من الطبيعي أن يحل الفائز بنوبل ضيفاً على التلفزيون الفرنسي ليجيب عن السؤال الصعب الكبير: كيف نخرج من الأزمة؟

شرح الرجل برنامجاً تفصيلياً لما يقترحه من خطوات للنهوض بالاقتصاد. وهذا يعني إصلاح مرافق رئيسية أساسية، منها النظام الطبي، حيث بلغ العجز في ميزانية الضمان الصحي أكثر من 10 مليارات، وكذلك النظام الإداري، والقانوني، والضرائبي، وغيرها من أنظمة ترهّلت بفعل البيروقراطية، وتزايد نفقات المعونات الاجتماعية. ومن بين كل ما قاله صاحب نوبل لفتت انتباهي مقترحاته للنظام التعليمي.

قال إنه من أنصار الوسائل التربوية القديمة. وأولاها إعادة الاعتبار للمناهج الدراسية المطبوعة في الكتب، كل مرحلة بمرحلتها. أي أن يعود التلميذ إلى جدول الضرب، ويتخلى عن الحاسبة الإلكترونية في مراحل التعليم الأولى. وكذلك أن يستشير الطالب المعاجم الورقية، والمصادر، وأطلس الخرائط، ولا يكتفي بتحصيل المعلومات من الموسوعة الإلكترونية. باختصار، لابد من تعزيز حضور الكتاب في البيت.

فيليب أجيّون، حاصل على الدكتوراه من السوربون العريقة، وعلى دكتوراه ثانية من جامعة هارفارد الأمريكية التي لا تقل عن الأولى عراقة، وعمل أستاذاً في الجامعتين، وفي مدرسة لندن للاقتصاد. أي أنه عبقري في ميدانه. هل تدرون ما هي نصيحة العبقري للآباء والأمهات؟ إنه يوصي بضرورة أن يقوموا بحصص إملاء للأبناء في البيت، لكي يعلّموهم الكتابة الصحيحة. الإملاء التقليدي هام لبناء الفرد المتعلم، حتى لو استغرق ربع ساعة، مرّة في الأسبوع.

هل تعرفون كيف تربّى هذا العالم النوبلي؟ والداه يهوديّان من مواليد الإسكندرية. هاجرا إلى فرنسا، وفيها رأى النور. اشتغل جدّه بتجارة القطن المصري. لذلك نشأت والدته على محبة القماش الجميل، وتقدير الخامات النبيلة، وهي التي أسست دار «كلويه» للأزياء في فرنسا. شركة تطرح ثياباً جاهزة راقية بأسعار في متناول الطبقة المتوسطة.

قصة أخرى من قصص الأقليّات التي تعيش بيننا، لكننا دفعناها إلى الهجرة، فراحت تقدم خبراتها لبلاد أجنبية احتضنتها، واحتضنت أبناءها الذين يسجلون إنجازاتهم العلمية، للأسف، باسم دول المهجر.