7 دقائق كانت كافية لسرقة روائع متحف «اللوفر»... تاج الإمبراطورة أوجيني يئن على رصيف باريس

تخيّل نفسك تبدأ سياحتك في عاصمة النور بتخصيص نهار لزيارة متحف «اللوفر»، أكبر وأشهر متاحف العالم. ثم ما إن تبدأ جولتك فيه بعد دقائق من فتح أبوابه للجمهور، حتى تجد نفسك شاهداً على فيلم من أفلام العصابات والمطاردات.

لن تصدّق عينيك. وسيذهب بك الظن إلى أن فريقاً سينمائياً يقوم بالتصوير في واحدة من أجمل قاعات المتحف، لكنك سترى رجلاً يحمل فأساً، ويحطم زجاج خزانة من الخزانات التي تحتوي على مجوهرات التاج الفرنسي. ولن تستمر بك الدهشة، لأن حراس المبنى سيتدخلون لكي يدفعوا بالزوار بعيداً نحو بوابات الخروج.

مع هذا، كان هناك من وجد الوقت لتصوير المشهد الصاعق بكاميرا هاتفه النقال. وبعد دقائق كانت محطات التلفزيون الفرنسي تبثّ الصور والتسجيلات في نشرات الأخبار. وكان العنوان واحداً: لصوص سطوا على مجوهرات تاريخية لا تقدّر بثمن في «اللوفر».

والأغرب من ذلك أن العملية كلها لم تستغرق سوى 7 دقائق، وبعدها خرج اللصوص من النافذة كما دخلوا، وهربوا بسيارة كانت تنتظرهم في الخارج، وسقط منهم على الرصيف، في عجلة الهروب، تاج الإمبراطورة أوجيني. وقالت الشرطة فيما بعد إنها استعادت التاج الذي تضرر قليلاً.

أوجيني دي مونتيجو كانت زوجة الإمبراطور نابليون الثالث. عاشت في القرن التاسع عشر. نبيلة إسبانية الأصل، ولدت في غرناطة، وماتت في مدريد عام 1920، عن 94 عاماً. وتذكر الموسوعات عنها أنها كانت الحاكمة الفعلية لفرنسا، وبصفتها إمبراطورة استخدمت نفوذها لدعم السياسات الاستبدادية والكنَسية، وقد جلب لها تدخلها في الشؤون السياسية انتقادات واسعة من معاصريها.

شاركت أوجيني في حفلة افتتاح قناة السويس في مصر سنة 1869. وكانت لها حكاية مع الخديوي إسماعيل الذي بنى لها قصراً في جزيرة النيل في القاهرة، يشغله اليوم فندق «ماريوت». وقد سبق وأن نشرنا في «كل الأسرة» تحقيقاً عن تاجها الرائع المعروض في قاعة «أبول» في «اللوفر»، وهي من القاعات التي تعرض جواهر التاج الفرنسي والحلي البديعة للملكات اللواتي خطفن قلوب ملوك فرنسا، وأغلبهن جئن من خارج البلاد، أي من بقاع أوروبية مجاورة.

هذه الصالة التي اقتحمها اللصوص من النافذة ليست جديدة. وهي تطل على نهر «السين» وسط العاصمة، وتحتفظ بهذه المجوهرات منذ القرن السابع عشر. وبين المقتنيات قطع نادرة واستثنائية من إبداع كبار صاغة أوروبا، وبفضلها شاعت سمعة ملكات فرنسا في أرجاء العالم. فيها تجتمع قطع من الحلي والأحجار الكريمة النادرة، مثل الألماس، والزمرد، والياقوت، واللؤلؤ، وكريستال روش، والعقيق، واليشم، والجمشت، واللازورد.

خلال الثورة الفرنسية اختفت بعض القطع الثمينة قبل أن يُعاد العثور عليها، بعد سنوات. وكما جاء في التحقيق الذي سبق نشره في هذه المجلة، فإن أقدم هذه الأحجار هو حجر الإسبنيل المعروف باسم «كوت دو بريتاني»، والذي دخل الخزانة الملكية بفضل النبيلة آن، التي حملت لقب دوقة بريتاني، نسبة إلى مقاطعة بريتاني غرب فرنسا.

تشمل القطع الأخرى المعروضة أيضاً ثلاث ألماسات تاريخية: الماسة «ريجنت»، والماسة «سانسي» البيضاء التي تزن 55.23 قيراط، وماسة «هورتينسيا»، وهي ماسة وردية تزن 21.32 قيراط، كانت ملكاً للإمبراطورة أوجيني. ولهذا يشعر ملايين الفرنسيين بالأسف، بل بالغضب، لأن هذه الأحجار النادرة تبعثرت بين أيدي اللصوص. هل من المعقول أن تترك ثروات كهذه من دون حراسة مشدّدة؟

وبحسب المعلومات التي تسربت من جهات التحقيق، فإن المسروقات شملت أيضاً تاجاً للملكة ماري إيميلي، وللملكة هورتانس، وقلادة مع طقم من أحجار السفير، وأقراطاً تعود لهاتين الملكتين. مع قلادة من الزمرد. وكذلك فرّ السرّاق بمجوهرات تعود إلى الملكة ماري لويز، وحلية للصدر تعود إلى الإمبراطورة أوجيني. أما تاجها فقد شاء القدر أن يسقط من أيدي رجال العصابة أثناء فرارهم، وهم على الأرجح 3 رجال. ويبلغ ارتفاع التاج 13 سنتمتراً، وعرضه 15 سنتمتراً وهو مرصّع بالمئات من فصوص الألماس، واللؤلؤ، والياقوت.

وكما في العبارة الشهيرة فإن «التحقيق ما زال جارياً». ولم نسمع خبر القبض على اللصوص حتى لحظة كتابة هذه السطور. وهذه عبارة معتادة أخرى. لكن من المؤكد أن القضية لن تمر مرور الكرام، وستتبادل عدة جهات إلقاء مسؤولية التقصير الأمني على بعضها بعضاً. ولعل من المثير للحزن أن تأتي هذه السرقة بينما يعاني البلد أزمات سياسية واقتصادية، وغلياناً في الشارع الفرنسي بسبب الغلاء، وغموض الرؤية.
اقرأ أيضاً: متحف «اللوفر» يعرض مجوهرات التاج... 3 ألماسات نادرة تنقلت فوق رؤوس ملوك فرنسا