أنت جالس أمام الشاشة، ولا تزال تمتلك بعض الدقائق قبل أن تبدأ العمل، فتقرّر الاستماع إلى أغنية من مطربك المفضل. وبشكل شبه فوري، تتسبب موجات الموسيقى بحدوث دفق من المتعة في جسدك. وما إن تنتهي الأغنية حتى ترغب في سماع واحدة أخرى... وأخرى... حتى لم يعد بإمكانك أن تتوقف. أنت في الواقع تشهد نوبة شراهة موسيقية.
في معهد علم البيوموسيقي والبحث التجريبي في برلين، أثبت العلماء، منذ فترة قصيرة، أن الإصغاء إلى الموسيقى يحمل بضع سمات الإدمان، لاسيما وأن الرغبة تزداد بقدر ما «نستهلك» السلعة، بدل أن تهدأ. وفي الدراسة التي أجرتها كاترين ستاركي، وزملاؤها، جعلوا المشاركين يستمعون إلى مقطوعات موسيقية مختلفة، ثم جعلوهم يردّون على أسئلة تقييم مستوى شعورهم بالحاجة الماسة إلى الموسيقى، على شكل رغبة لا يمكن كبحها، بالمقارنة مع الحاجة إلى استهلاك المخدّرات لدى المدمن عليها.
وكانت النتيجة أن الإصغاء إلى قطعة موسيقية يزيد الشعور بالحاجة الماسة.
وقد دهش الباحثون إذ لاحظوا أن المشاركين في دراستهم، وبعد أن يستمعوا إلى الموسيقى، لم يكونوا أبداً راضين ومكتفين بما سمعوا، بل أرادوا سماع المزيد. ويقدّر الخبراء أن المسألة متصلة بالعلاقة بين المؤشر والمكافأة، كما في الإدمان على الكحول حين تخلق مجرّد رؤية يافطة خمارة حاجة إلى الخمر، لا يمكن السيطرة عليها، لكن مع فرق واحد: مع الموسيقى يكون المؤشر والمادة الإدمانية غير منفصلين، أي الموسيقى.
وفي أيّ حال من الأحوال، فإن فرضية الآلية الإدمانية في الإصغاء الموسيقي تتناسب مع معرفتنا الحالية بالمستوى الدماغي: فهي تؤدي إلى استنفار هادف لنظام المكافأة المؤلف من مجموعة عصبونات تنشطها المخدرات بشكل منهجي. لكن على عكس المخدرات، وشرط الإصغاء بواسطة أجهزة لا تضر بحاسة السمع، فإن الموسيقى لا تحمل سوى المكاسب بالنسبة إلى الدماغ.