12 أكتوبر 2025

وفاء المطوع: العين سرّ لوحاتي والرسم قدري منذ الطفولة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

عرفها جمهور الفن التشكيلي بواقعية لوحاتها، وتركيزها على العيون التي تراها مرآة الروح، ومفتاح الأسرار، أمّا الطبيعة الإماراتية، ببحرها وصحرائها وخيلها، فكانت مصدر إلهامها الأول، الذي منحت منه لأعمالها مزيجاً يجمع بين أصالة التراث وروح الحداثة.

مجلة كل الأسرة

إنها الفنانة التشكيلية الإماراتية وفاء المطوع، التي وجدت في الرسم منذ طفولتها المبكرة وسيلة للتعبير عن مشاعرها، واستكشاف العالم من حولها، فمن جدران البيت نسجت حكايتها لتثبت حضورها كفنانة تمتلك رؤية خاصة، وهوية فنية إماراتية متفرّدة.

كيف بدأت علاقتك بالرسم والفن التشكيلي؟ وهل كانت هناك لحظة حاسمة دفعتك لاختيار هذا الطريق؟

الفنان يولد فناناً، فمنذ طفولتي وأنا أشعر بأن الرسم قدري، حيث بدأت علاقتي بهذا الفن وأنا طفلة لا أتجاوز الخامسة من عمري، حين كنت أترك شخبـطات على جدران المنزل، والكتب، وفي المرحلة الابتدائية لاحظت معلمتي لمادة الرسم تميّزي عن زميلاتي، ومنحتني فرصة لرسم جدارية كبيرة علّقت في ساحة المدرسة، وكان عمري حينها عشر سنوات فقط، تلك اللحظة زرعت داخلي شعوراً بالثقة، لكن التحول الأكبر حدث عندما فاجأتني شقيقتي الكبرى بتسجيلي في دورات بالمجمع الثقافي، عام 1986، وهناك بدأت قصتي الحقيقية مع الفن، وانتقلت من مجرّد هاوية، إلى فنانة تتعلم، وتطوّر أدواتها.

مجلة كل الأسرة

من أين تستمدين الإلهام في أعمالك الأولى؟ ومن كان المشجع الأكبر لك في بداياتك؟

إلهامي الأول يأتي من طبيعة بلادي، وبيئتنا الخلّابة، من البحر، والرمال، والخيل، وكل تفاصيل المكان الإماراتي. أما التشجيع، فقد كان محيطاً بي من كل اتجاه، بدءاً من والدتي، وإخوتي، وصديقاتي، ومدرّسيّ، لكن هناك أسماء لا أنساها كان لها الفضل الكبير في تشجيعي، وحثي على الاستمرار.

مجلة كل الأسرة

ما أول لوحة رسمتها وما زالت عالقة في ذاكرتك؟

أول لوحة لي كانت لقارب سباق، رسمتها في البيت، ولم أتخيل أن تكون سبباً في أول إنجاز كبير لي، إذ شاركت بها في مسابقة خاصة بعيد الاتحاد، وفوجئت بحصولي على المركز الأول، وكان الخبر منشوراً في الجرائد، وتلك اللحظة لا أنساها أبداً، لأنها أعطتني دافعاً قوياً للاستمرار.

كيف تصفين أسلوبك الفني؟ وهل يعتبر انعكاساً لذاتك أم ترجمة لعالم أوسع؟

أسلوبي واقعي يعتمد على التفاصيل الدقيقة، فأنا عاشقة للملاحظة الدقيقة لكل ما يحيط بي، وأرى أن هذا الأسلوب يعكس شخصيتي، الصريحة والواضحة، ولكنه أيضاً يترجم رؤيتي إلى العالم من حولي، فأنا أحب أن أقدّم الجمال كما هو، بصدق ووضوح، وأن أجعل المتلقي يقترب من تفاصيل الحياة التي قد تمرّ مرور الكرام على الآخرين.

مجلة كل الأسرة

ما العناصر أو الرموز التي تكرّرين استخدامها في لوحاتك؟ وما دلالتها بالنسبة إليك؟

العين سرّ لوحاتي، وأركز دائماً عليها، سواء في الإنسان، أو الحيوان، لأنني أؤمن بأنها تختزن الأسرار، وتعكس ما لا تستطيع الكلمات قوله،  وبالنسبة لي، رسم العين ليس مجرد تفصيل جمالي، بل هو محاولة لالتقاط العمق الداخلي بالروح.

كيف تتعاملين مع العلاقة بين التراث والحداثة في أعمالك التشكيلية؟

أرى أن الدمج بين التراث والحداثة يزيد اللوحة جمالاً وقيمة، لذلك أحرص على أن تحمل أعمالي دائماً شيئًا من تراثنا الإماراتي الأصيل، لكن بلمسة معاصرة تجعلها قريبة من روح الحاضر، فهذا التوازن هو ما يعطي العمل الفني هوية خاصة.

شاركتِ في معارض محلية ودولية، ما التجربة التي شكّلت علامة فارقة في مسيرتك؟

رغم انقطاعي عن الفن لسنوات، ما زلت أعتبر معرضي الشخصي عام 1993 محطة هامّة بالنسبة لي، فقد حضره كبار الشخصيات وسفراء الدولة، وكان بمثابة تتويج لجهدي في تلك المرحلة، لكن بعد عودتي، كان لمعرضي في «الصيد والفروسية» عام 2022 وقع خاص عليّ، حيث عدت بلوحات ضخمة، ومختلفة، أبهرت الجمهور، وأكدت أنني لا أزال قادرة على تقديم ما يميّزني رغم ازدحام الساحة الفنية اليوم.

كيف تستقبلين آراء الجمهور، بخاصة عندما تكون مختلفة أو ناقدة لعملك؟

أتقبل جميع الآراء بصدر رحب، بل أفرح بالنقد البنّاء لأنه يساعدني على التطوير، أما غير الهادف فلا يؤثر فيّ كثيراً، لأنني مؤمنة بأن الفنان يجب أن يكون واثقاً من ذاته وقادراً على فرز ما ينفعه مما لا يضيف إليه.

مجلة كل الأسرة

ما اللوحة الأقرب إلى قلبك، ولماذا؟

لوحة «الحصان الأبيض» هي الأقرب إلى قلبي، لأنها جاءت بعد انقطاعي الطويل، وكانت بمثابة التحدّي الأكبر لي، فقد استغرقت في رسمها ثلاثة أشهر متواصلة، وضعت فيها كل جهدي، ومشاعري الإيجابية، وكانت بمثابة جسر أعادني إلى عالمي الفني بكل قوة.

للفن دور آخر في نشر الوعي، كما يمكن أن يكون علاجاً نفسياً فعالاً لبعض الحالات

في رأيك، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الفن التشكيلي في نشر الوعي أو تغيير المجتمع؟

البعض يقول إن الفن رسالة، وأنا أراه في المقام الأول إحساساً بالجمال يمنح السعادة والراحة، فيكفي أن ينظر الإنسان إلى لوحة جميلة فتمنحه شعوراً بالطمأنينة، لكن لا أنكر أن للفن دوراً آخر في نشر الوعي، بخاصة حين يُعرض في الأماكن العامة والشوارع، إذ يترك أثراً حضارياً، ويعكس اهتمام المجتمع بثقافته، كما يمكن أن يكون علاجاً نفسياً فعالاً لبعض الحالات.

مجلة كل الأسرة

كيف ترين حضور المرأة الخليجية في المشهد التشكيلي، العربي والعالمي؟

الحضور أصبح لافتاً، وبشكل متزايد، فهناك أسماء خليجية مميزة استطاعت أن تحجز مكاناً لها في المشهد العربي، وحتى العالمي، وهذا شيء يبعث على الفخر.

هل ترين أن الفن التشكيلي بات يحظى بمكانة كافية في مجتمعاتنا؟

هناك اهتمام ودعم ملحوظ، في السنوات الأخيرة، ولكن في رأيي ما زال هناك حاجة إلى تركيز أكبر على اكتشاف الفنان الحقيقي، ومنحه الدعم المستمر، بعيداً عن السعي وراء الأسماء التي تبحث عن الشهرة فقط.

ما مشاريعك القادمة؟ وهل هناك موضوعات أو قضايا تتمنين أن تعالجيها فنياً؟

لديّ رغبة في التطرق لقضايا حساسة في الساحة الفنية، مثل الغش، أو نسب الأعمال الفنية لأشخاص لم يرسموها، أو الاعتماد على طرق الطباعة والتلوين فقط، من أجل الشهرة، فهذه الظاهرة تحتاج إلى وقفة.

لو لم تكوني فنانة تشكيلية، ماذا كنتِ ستختارين لنفسك من مسار آخر؟

كنت سأكون كاتبة، فالكتابة بالنسبة لي عالم آخر من الإبداع، وربما كنت سأجد نفسي فيها.