06 أكتوبر 2025

فيصل الريس: الكاميرا لغتي الأصدق والصورة رسالتي إلى العالم

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

بملامح هادئة وصوت قليل الكلام، اختار الفنان والمصور الإماراتي، فيصل الريس، أن يجعل من الكاميرا لسانه، ومن الصورة وسيلته الأصدق للتعبير، فبينما يفتش كثيرون عن الكلمات ليبوحوا بما في دواخلهم، اختار هو أن يكتب قصائده بالضوء والظل، وأن يحوّل اللحظة العابرة إلى شهادة خالدة.

الريس ليس مجرّد فنان ومصور فوتوغرافي، بل فيلسوف عدسة، يرى في كل إطار نافذة على الروح، ورسالة تتجاوز حدود الزمان والمكان.

في هذا الحوار، يكشف لنا كيف بدأت رحلته مع الكاميرا منذ الطفولة، وكيف صارت الصورة بالنسبة إليه فلسفة حياة، ورسالة حضارية تحمل هوية الوطن إلى العالم:

مجلة كل الأسرة

متى بدأت علاقتك بالتصوير الفوتوغرافي؟ وهل جاءت كموهبة مبكرة أم كخيار مهني لاحق؟

بدأت علاقتي بالكاميرا منذ سنّ العاشرة، حين كنت أراقب والدي يوثق لحظات عابرة بعدسته، ذلك المشهد كان بالنسبة لي سحراً قادراً على تجميد الزمن داخل إطار صغير، فشعرت بأن الكاميرا امتداد لعينيّ وذاكرتي. لم يكن الأمر تقليداً، بل اكتشافاً لعالم جديد رأيت فيه ذاتي. ويمكن القول إنها موهبة مبكرة، لكن قيمتها الحقيقية ظهرت حين قرّرت صقلها بالمعرفة والتجربة، حتى تحوّلت من مجرّد شغف طفولي إلى رسالة حياتية.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ما اللحظة أو التجربة التي جعلتك تدرك أن التصوير سيكون مسارك في الحياة؟

لم تكن هناك لحظة واحدة فاصلة، بل مسيرة شغف نمت تدريجياً، حتى صارت طريقاً واضحاً، فأنا بطبيعتي قليل الكلام، ووجدت في الكاميرا وسيلة للتعبير، وصارت الصور كلماتي، وكل مشروع أنجزته نصاً طويلاً يترجم ما بداخلي، ومن هنا أدركت أن الكاميرا لغتي الأصدق، والصورة رسالتي إلى العالم.

كيف دعمتك الأسرة أو البيئة المحيطة في بداياتك؟

أسرتي كانت الداعم الأول، فهي من وضعت الكاميرا في يدي، لأول مرّة، كهدية شكّلت بداية الرحلة، ومع مرور الوقت، وجدت حولي دائرة أخرى من الأصدقاء والموجهين الذين كان لهم بالغ الأثر، هؤلاء كانوا بمثابة بوصلة فكرية وفلسفية، فتحوا لي أبواباً جديدة في الرؤية، وأسهموا في نضوج تجربتي الفنية.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

كيف تصف فلسفتك أو رؤيتك في التصوير؟

أرى أن التصوير فعل فلسفي عميق، وليس مجرّد ضغطة زر، فالصورة بالنسبة لي ليست انعكاساً للواقع فحسب، بل نافذة على الروح. أتعامل مع الضوء والظل كحبر أكتب به قصصي، وأؤمن بأن الصورة الحقيقية تُرى بالقلوب قبل العيون، ورؤيتي تقوم على أن كل لقطة ينبغي أن تكون مرآة للتجربة الإنسانية، وامتداداً لبحثي الدائم عن الجمال والحقيقة.

أبتعد في أعمالي عن بهرجة اللون لأقدّم صورة نقية وصادقة يتفاعل معها المشاهد بوعيه وفهمه

لماذا تميل إلى التصوير بالأبيض والأسود بدلاً من الألوان، وما الذي يمثله لك هذا الخيار؟

اختياري للتصوير بالأبيض والأسود ليس مجرّد أسلوب بصري، بل رؤية فلسفية تنطلق من العلم، والدين، والفن، معاً. فاللون في جوهره وهمُ بصري، يختلف من إنسان لآخر، والأجسام لا تحمل لوناً بذاتها، بل تعكس أطيافاً من الضوء يفسرها العقل بطرق متعدّدة. وفي البعد الديني، نجد أن الألوان ليست إلا جزءاً من «زينة» الدنيا الزائلة التي تخفي جوهر الحقيقة. لذلك ابتعد في أعمالي عن بهرجة اللون، لأقدّم صورة نقية وصادقة، يتفاعل معها المشاهد بوعيه وفهمه، بعيداً عن أيّ خداع بصري، فيدخل مباشرة في عمق الفكرة والقصة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ما الذي يميّز لقطتك عن غيرها؟

أعتبر أن ما يميّز لقطتي هو المزج بين الضوء، والزاوية، واللحظة الإنسانية، بروح صادقة، فالضوء موسيقى خفية تمنح المشهد إيقاعه، والزاوية قرار فلسفي يكشف منظوراً مختلفاً للعالم، أما اللحظة الإنسانية فهي قلب الصورة وروحها، فما أبحث عنه دائماً، ليس الجمال وحده، بل الصدق.

ما الرسالة، أو الشعور الذي تحرص على نقله من خلال صورك؟

كل صورة بالنسبة لي رسالة صامتة، لكنها قادرة على أن تصل إلى القلب بلا استئذان، فأنا أحرص على أن تحمل أعمالي مشاعر توقظ الدهشة، أو الحنين، أو السكينة، ويجد فيها المتلقي نفسه داخل الصورة، ويرى فيها انعكاساً لذكرى، لحلم، أو لحقيقة ربما لم يجرؤ على مواجهتها من قبل، فرسالتي في التصوير تقوم على أن الجمال ليس في الشكل فقط، بل في المعنى الذي يختبئ خلفه، فالصورة جسر إنساني للتواصل يتجاوز حدود اللغة والثقافة.

ما أصعب موقف واجهته أثناء عملك كمصور؟

لا أؤمن بالصعوبات بقدر ما أراها فرصاً للتعلم، واكتشاف زوايا جديدة، وبالنسبة لي، التحديات ليست عوائق بل فرص للإبداع، فالكاميرا لا تعرف المستحيل، فهي التي تفتح الأبواب المغلقة، وتحوّل التحديات إلى مساحات إبداعية.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

هل هناك لقطة كنت على وشك أن تفقدها لكنها أصبحت من أهم أعمالك؟

الكثير من صوري، خصوصاً في الشارع، كادت أن تضيع للأبد، لكونها صعبة، وتعتمد على لحظات إنسانية سريعة، ولولا اليقظة والصرامة في الملاحظة لضاع التوثيق، وأتذكر في بداياتي كنت أظن أن فقدان هذه اللقطات أمر حتمي، لكن مع مرور الوقت أدركت أن السّر لا يكمن في الكاميرا، بل في المصور الذي يسبق اللحظة بعينه وفكره.

كيف تتعامل مع ضغوط العمل في المناسبات الكبيرة أو الأحداث السريعة؟

أتعامل مع هذه المواقف بهدوء وتنظيم مسبق، فالنجاح فيها يتطلب تحضيراً دقيقاً، وفهماً لتفاصيل المكان والزمان، والاستعداد لكل الاحتمالات، وبالنسبة لي، الضغط ليس عائقاً، بل حافز لإبراز أفضل ما لديّ، وتحويل المفاجآت إلى فرص.

الإبداع الحقيقي يولد من رؤية المصور

كيف أثرت التكنولوجيا الحديثة في أسلوبك في التصوير؟

التكنولوجيا الحديثة أثرت في أسلوب التصوير بشكل كبير، فقد منحتنا أدوات أكثر دقة، وسرعة أكبر في الإنجاز، وفتحت أمامنا آفاقاً جديدة في التحرير والإخراج، وأنا بطبيعتي شخص تقني ومواكب للتطورات، أتابع كل جديد، وأتعامل مع التقنيات الحديثة بسهولة. لكن رغم ذلك، أؤمن بأن جوهر التصوير يجب أن يبقى بعيداً عن الإفراط في تدخّل التكنولوجيا، فحين تتحول الصورة إلى مجرد منتج تقني، تفقد روحها الحقيقية، تلك الروح التي تأتي من العين التي ترى، والقلب الذي يشعر، والعقل الذي يبدع.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

هل ترى أن الذكاء الاصطناعي منافس للمصور، أم أداة مساعدة؟

الذكاء الاصطناعي أداة مفيدة، لكنه لا يملك روح الصورة، أعماله قد تكون بصرية باهرة، لكنها بلا إحساس، أو قصة، فالصورة الفوتوغرافية الحقيقية هي امتداد لروح المصور، وفلسفته الخاصة، وهو ما لا يمكن أن تخلقه أيّ آلة.

كيف ترى دور المصور في توثيق الهوية الثقافية والتراثية للمجتمع؟

المصور أشبه بسفير ثقافي ينقل هوية وطنه للآخرين، فالتصوير ليس توثيقاً فقط، بل فعل حضاري يعكس قيم المجتمع، وعمقه، فبالصورة يمكن للمصور أن يعزز القوة الناعمة لدولته، وأن يقدم للعالم تراثها وثقافتها بلغة يفهمها الجميع.

صورة بمثابة شهادة بصرية توثق العلاقة النبيلة بين القيادة والشعب
صورة بمثابة شهادة بصرية توثق العلاقة النبيلة بين القيادة والشعب
الصورة التي فازت بالمركز الأول في مسابقة
الصورة التي فازت بالمركز الأول في مسابقة "يوم العلم"

ما الصورة الأقرب إلى قلبك والتي تعكس هويتك الوطنية؟

هناك صور كثيرة قريبة إلى قلبي، لكن أكثرها تأثيراً هي تلك التي تجسد روح الوطن وتعكس حبي العميق لهويتي الإماراتية، من بين هذه الصور، أفتخر كثيراً بصورة التقطتها لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، فهي بالنسبة لي تجسيد حيّ لمدى حب ورعاية قادتنا لنا، وحرصهم الدائم على مستقبلنا. هذه الصورة ليست مجرّد لقطة، بل شهادة بصرية على العلاقة النبيلة بين القيادة والشعب. وصورة أخرى كانت لصديق يحمل علم الدولة فازت بالمركز الأول في مسابقة «يوم العلم»، وما زلت أعتبر هذه الصورة واحدة من أهم إنجازاتي، لأنها تجمع بين العفوية الصادقة، والرمزية العميقة، وفيها يتجلى شغف الشباب واعتزازهم بالعلَم، ما يعكس جوهر هويتنا الوطنية.

هل ترى أن المصور قادر على إحداث تغيير اجتماعي من خلال عدسته؟

بالتأكيد، الصورة أداة قادرة على إثارة التساؤلات، أو فضح الظلم، أو الاحتفاء بالإنجازات، وقوّتها تكمن في وصولها المباشر إلى وجدان الإنسان، والمصور الحقيقي لا يوثق اللحظة فقط، بل يحوّلها إلى رسالة تغيير ووعي.

ما المشاريع التي تسعى لتنفيذها مستقبلاً؟

أتعامل مع مشاريعي كأحلام تتبلور يوماً بعد آخر، وأحرص أن تحمل رسالة ثقافية أو إنسانية قبل أن تتحوّل إلى معرض، ومن بين المشاريع القريبة، معرض خاص بالتعاون مع إحدى دور المجوهرات العالمية، وهي تجربة فنية تجمع بين الصورة والمجوهرات في حوار إبداعي، بحي دبي للتصميم.

ما النصيحة التي تقدمها للشباب المقبلين على عالم التصوير؟

أنصحهم بالصبر، والإكثار من القراءة والتغذية البصرية، وألّا يتعجلوا النتائج، وعليهم البحث عن مجتمعات فنية حقيقية لا تقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، وألّا ينقادوا وراء حداثة المعدات وحدها، فالفكر والرؤية هما ما يمنح الكاميرا روحها الحقيقية.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

لو لم تكن مصوراً، ما المهنة التي كنت ستختارها؟

الحقيقة أنني لم أختر التصوير بقرار واعٍ، بل وجدت نفسي فيه منذ الطفولة. فقد عملت في المجال الإعلامي الحكومي، وأعتز بذلك، لكن الفن كان دائماً لغتي الأصدق، ولا أتصور نفسي في مجال آخر، فالكاميرا لم تكن خياراً، بل كانت لغة حياتي التي لا أستطيع أن استبدل بها أيّ مهنة أخرى.

ما طموحاتك على الصعيدين الشخصي والمهني؟

طموحي الأكبر أن أكون نافعاً لوطني من خلال الفن، وأن أمثل الإمارات خير تمثيل في كل المحافل، وعلى المستوى الشخصي، أتمنى أن أترك بصمة مؤثرة تبقى للأجيال، لا من باب الشهرة، بل من باب القيمة، والتأثير الإيجابي.