في مشهدٍ جامعي يزدهر بالإبداع والمبادرات الطلابية الثقافية، يبرز نادي الشعر في الجامعة الأمريكية، بالشارقة، كأحد أبرز المساحات التي تمنح الطلبة فرصة للتعبير عن ذواتهم، ومشاركة مواهبهم الأدبية في بيئة ملهمة، ومنفتحة على الاختلاف.
في هذا الحوار، يتحدث الشيخ أحمد القاسمي، رئيس نادي الشعر الأكاديمي في الجامعة الأمريكية بالشارقة، عن تجربته مع النادي، ونظرته إلى الشعر كوسيلة للتأثير الثقافي والتعبير الإنساني، كما يروي كيف شكلت نشأته في بيت مثقف رؤيته للعالم والإبداع:
ما الذي دفعك لتأسيس نادي الشعر؟
في زمن باتت فيه اهتمامات الشباب تنصبّ على الحياة العملية، ومتطلبات الوظيفة، يبقى الشعر بالنسبة لي مساحة شخصية، وهواية تعبّر عن ذاتي ومشاعري. لكني كثيراً ما أتساءل: كيف يمكن أن أجعل هذا النوع من التعبير قريباً من الناس؟ كيف نُعيد إليه حضوره في حياة الجيل الجديد؟
من هنا جاءت فكرة نادي الشعر في الجامعة الأمريكية بالشارقة، ليكون منصة نلتقي فيها، نقرأ، نناقش، ونتبادل الإلهام. ومن خلال الجلسات الشعرية والمنشورات التي نشارك فيه زملاءنا، نحاول أن نُحبّبهم إلى الشعر، لا كفنٍّ نُخبوي، بل كأداة تعبير تلامس الروح، وتعبّر عن كل ما نعيشه، من فرح وحزن وتساؤل. الشعر ليس ترفاً، بل لغة قريبة من الإنسان، ومهمتي أن أقرّبه أكثر من الناس.
كيف تصف الدور الذي يلعبه النادي داخل الجامعة؟
يعد نادي الشعر من أبرز المبادرات الطلابية التي تعنى بالثقافة والأدب، إذ يشكّل مساحة حيوية لتعزيز الاهتمام بالشعر وتطوير المهارات الأدبية لدى الطلبة. يفتح النادي أبوابه أمام محبي الكلمة، ويوفر لهم بيئة محفزة للتعبير عن إبداعاتهم الشعرية، والانخراط في مناقشات ثرية حول الأعمال الأدبية، بمختلف مدارسها واتجاهاتها.
وينظّم النادي باقة من الفعاليات المتنوعة على مدار العام، تشمل أمسيات شعرية، وورش عمل في الكتابة الإبداعية، إضافة إلى مشاركاته النشطة في الفعاليات الثقافية، داخل الجامعة وخارجها. ويرتكز نشاطه على أهداف عدّة: تنمية مهارات الطلبة، توسيع آفاقهم الثقافية، وتشجيع الحوار الأدبي البنّاء.
جانب من الجلسات الأدبية التي ينظمها نادي الشعر في الجامعة الأمريكية بالشارقة
ما الذي لاحظته من تجارب الطلبة المشاركين؟
من خلال نادي الشعر، اكتشفت أن بيننا مواهب لافتة لشباب تأثروا بالجيل القديم وتعلّموا منه، لكنهم في الوقت ذاته استطاعوا توظيف ثقافتهم المنفتحة، وتعدّد الجنسيات واللهجات من حولهم، ليفرزوا خليطاً مميزاً من التعبير. في كل لقاء، أدهش بما أسمعه من نصوص تحمل روح التراث، لكنها تنطق بلغة معاصرة، فالشعر، مهما اختلفت لغته، يبقى قادراً على الوصول، لأن الشعور الحقيقي لا يحتاج إلى ترجمة. حتى من لا يفهم الكلمات، يمكنه أن يلمس الإحساس في نبرة الصوت، في إيقاع النص، في نظرة الشاعر. اليوم هناك مجالات متعدّدة للشعر، والمستقبل حتماً سيشهد تفرعات جديدة لهذا الفن، تأخذ به إلى مساحات أكثر رحابة وتنوّعاً، من دون أن يفقد جوهره الإنساني العميق.
كيف أثّرت نشأتك العائلية في تكوينك الثقافي والشعري؟
منذ نشأتي بين أفراد أسرتي، وأنا أتنفس الثقافة كما يتنفس الإنسان الهواء. نشأت في بيت امتلأ بالكتب والكلمات، كان لوالدي مكتبة كبيرة في المنزل، وكانت تلك الرفوف المكدسة بالمعرفة أول ما فتحت عليه عيني، ومنذ ذلك الحين أصبحت القراءة جزءاً من يومي.
والدي، الذي كان يستشهد دوماً بأبيات شاعر الحكمة الإماراتي الماجدي بن ظاهر، وبأمثاله التي تختزل تجارب الحياة، ألهمني أن أبحث لا في الكتب فقط، بل في المعاني الكامنة وراء الكلمات. وفي إمارة الشارقة، التي وُلدت فيها، الثقافة ليست حالة طارئة، بل هي جزء من التكوين. هنا تجد الشاعر، والكاتب، والمبدع، في كل مجلس، وتجد الحديث عن الفن والفكر لا يقل شأناً عن أيّ حديث آخر. تعلمت من عائلتي أن أعبّر، أن أكون صدى لما أؤمن به، وأن أخلق أثراً في مجتمعي، بالكلمة والموقف.
هل هناك شخصيات تعتبرها مصدر إلهام بالنسبة إليك؟
صحيح أن الملهمين من حولي كُثر، من شعراء وكتّاب ومفكرين، سواء من العائلة، أو من رموز الثقافة في مجتمعنا، لكنني وصلت إلى قناعة مفادها أن أعظم إلهام يمكن أن يعيشه الإنسان هو أن يكون هو نفسه مصدر الإلهام. لا أريد أن أقتدي بالآخرين فقط، بل أريد أن أقتدي بنفسي، أن أعمل كل يوم لأكون الشخص الذي يمكن أن ينظر إليه الجيل القادم ويقول: هذا قدوتي. أن أصنع الفرق لا بانتظار أحد، بل بمبادرة ذاتية تنطلق من إيماني بقيمة الكلمة، وبقوة الأثر الذي تتركه في النفوس والعقول.