المهندسة أصيلة المعلا: البيئة ليست مجرّد إرث طبيعي بل مسؤولية جماعية تتطلب وعياً والتزاماً

تقود المهندسة أصيلة المعلا، مدير هام هيئة الفجيرة للبيئة، مسيرة مهنية ملهمة جمعت بين الشغف بالبيئة، والرؤية الاستراتيجية نحو الاستدامة، لتكون من أبرز الوجوه النسائية المؤثرة في مجال حماية الطبيعة وتنمية الموارد. وبخبرتها وقيادتها استطاعت أن تطلق مشاريع نوعية، وتتبنى مبادرات مبتكرة تعزز من جاهزية الإمارة لمواجهة التحدّيات البيئية.
في حوارنا مع أصيلة المعلا نسلّط الضوء على أهم محطات رحلتها، ونكتشف رؤيتها لمستقبل الهيئة، ودورها في تمكين المرأة وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، في مجال البيئة:

بداية، كيف تصفين مسيرتك المهنية حتى وصولك إلى منصب مدير عام هيئة الفجيرة للبيئة؟
كانت رحلتي المهنية مزيجاً من الشغف بالعمل العام، والإيمان بدور المؤسسات البيئية في تحقيق التنمية المستدامة. بدأت في مجالات مختلفة اكتسبت منها الخبرات، الإدارية والقيادية، ثم تبلورت رؤيتي في القطاع البيئي، حيث عملت جاهدة على إحداث نقلة نوعية في آليات العمل البيئي، في إمارة الفجيرة. واليوم، بفضل دعم القيادة وثقة الفريق، أواصل هذا المسار وأنا فخورة بكل خطوة أسهمت في بناء هذه المؤسسة، وتطوير أدائها.
ما الدوافع الرئيسية التي قادتك إلى التوجه نحو مجال البيئة والاستدامة؟
إيماني العميق بأن البيئة ليست مجرّد إرث طبيعي نعتز به، ونحتفي بجماله، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب وعياً والتزاماً حقيقياً، كان المحفز والمحرك الأول لاختياري هذا المسار. وقد نشأت على قناعة راسخة بأن دورنا لا يقتصر على الاستفادة من الموارد، بل يشمل أيضاً حمايتها، والحفاظ على توازنها، وضمان استدامتها للأجيال القادمة. ومع تزايد التحدّيات البيئية التي تواجه منطقتنا، أصبح التحرك البيئي ضرورة لا ترفاً، ومسؤولية وطنية تتطلب حلولاً مبتكرة، ومقاربات علمية شاملة. وهي قضايا لا تقبل التأجيل، ما جعلني أكثر حرصاً على أن أكون جزءاً من منظومة الحل، لا مجرّد مراقب لها. كما أن شغفي بالابتكار والبحث عن أفضل الممارسات العالمية في مجال الاستدامة كان له دور كبير في تعزيز هذا التوجه. فأنا أؤمن بأن العمل البيئي لم يعد يقتصر على حملات التوعية فقط، بل أصبح يتطلب تفكيراً استراتيجياً، وشراكات فعالة، وتطبيقات عملية تسهم في إحداث تغيير ملموس.
أسهمتِ في إطلاق العديد من المشاريع الاستراتيجية، هل لك أن تشيرين إلى أهمها؟
من بين أبرز المشاريع التي عملت عليها، إطلاق النظام الذكي لرصد الأداء البيئي، ومشروع شبكة مراقبة جودة الهواء، إضافة إلى مشروع «إنفايرو-ميتا» للواقع الافتراضي البيئي، ومبادرة حماية الشعاب المرجانية وإعادة تأهيلها، ومشاريع تتبّع الحياة البرية، فضلاً عن إدراج محمية وادي الوريعة كموقع عالمي.

كيف ترصدين أهمية إدراج محمية الوريعة ضمن قائمة التراث العالمي؟
إدراج محمية وادي الوريعة ضمن قائمة التراث العالمي يُعد إنجازاً وطنياً، ومكسباً بيئياً بالغ الأهمية، لكونه يمثل اعترافاً دولياً بقيمة هذه المنطقة الطبيعية من حيث تنوّعها البيولوجي، وفرادتها البيئية، وأهميتها الإيكولوجية على المستويين، المحلي والعالمي. هذه الخطوة لا تؤكد تفرّد المحمية بطبيعتها الجيولوجية والنباتية والحيوانية فقط، بل تضعها أيضاً ضمن شبكة عالمية من المواقع المحمية ذات الأهمية الاستثنائية للبشرية جمعاء. كما أن هذا التصنيف يرسّخ مكانة دولة الإمارات في التزامها بحماية البيئة، وصون التنوع الحيوي، ويعكس الجهود الحثيثة التي بذلت للحفاظ على المحمية واستدامة مواردها الطبيعية. فوادي الوريعة ليس مجرّد مساحة طبيعية، بل هو نظام بيئي غني يضم مواطن نادرة للعديد من الكائنات، إلى جانب كونه موطناً للينابيع الطبيعية الدائمة التي تضيف بعداً بيئياً وجمالياً فريداً. من جهة أخرى، يحمّلنا إدراج المحمية ضمن قائمة التراث العالمي مسؤولية مضاعفة من حيث تطوير منظومة الحماية، وتطبيق أعلى معايير الإدارة البيئية المستدامة، بما يضمن بقاء هذه الثروة الطبيعية محفوظة للأجيال القادمة. كما يفتح آفاقاً واسعة لتحويل المحمية إلى وجهة بيئية تعليمية وسياحية رائدة، تسهم في رفع الوعي البيئي وتعزيز السياحة المستدامة المرتكزة على احترام الطبيعة، والتفاعل الإيجابي معها.
ما مدى مساهمة مشاريع مراقبة البيئة البحرية ومحطات قياس جودة البحر في الحفاظ على البيئة البحرية بإمارة الفجيرة؟
تلعب مشاريع مراقبة البيئة البحرية، ومحطات قياس جودة مياه البحر في إمارة الفجيرة، دوراً بالغ الأهمية في دعم جهود حماية النظام البيئي البحري واستدامته. فهذه المشاريع لا تقتصر على جمع البيانات فحسب، بل تمثل أداة استراتيجية لرصد التغيرات البيئية المستمرة، ما يتيح إمكانية التدخل المبكر في حال رصد أي تغيّرات غير طبيعية، قد تهدد التوازن البيئي. كما توفر قاعدة بيانات دقيقة وشاملة تسهم في دعم متخذي القرار، سواء في مجال التخطيط البيئي، أو السياسات البحرية، فهي تساعد على تحديد المناطق التي تتطلب حماية خاصة، وتسهم في صياغة استراتيجيات توازن بين التنمية الساحلية ،والنمو الاقتصادي من جهة، والحفاظ على الموارد الطبيعية، من جهة أخرى.

ما هي الفوائد المتوقعة من مشروع إنشاء شبكة مراقبة جودة الهواء في إمارة الفجيرة؟
يوفر المشروع بيانات آنية ودقيقة حول مستوى جودة الهواء، ما يتيح التفاعل السريع مع مصادر التلوث. كما يدعم السياسات البيئية في الإمارة، ويعزز من الوعي المجتمعي حول أهمية الهواء النظيف، فضلاً عن تحسين جودة الحياة في الإمارة.
أتاح لي المنصب فرصة فريدة لتعزيز التعاون بين الدول العربية في مجال حماية المحيطات والبيئات البحرية، وهي قضية باتت تتطلب تكاتفاً إقليمياً
كيف تقيمين تجربتك كأول رئيسة للجنة التنفيذية لشبكة محميات المحيط العربي (العربمات)، وما الذي تمثله هذه الخطوة على مستوى تمكين المرأة والتعاون البيئي الإقليمي؟
تُعد هذه التجربة محطة مفصلية في مسيرتي المهنية، ومصدر فخر شخصي ومؤسسي، في آنٍ معاً. أن أكون أوّل امرأة يتم انتخابها لرئاسة اللجنة التنفيذية لشبكة العربمات هو أمر ملهم، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكنه أيضاً مسؤولية كبيرة تتجاوز الأبعاد الفردية، لتمثل نموذجاً حيّاً لتمكين المرأة الإماراتية، والعربية، في مواقع صنع القرار، بخاصة في مجالات البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية. أتاح لي المنصب فرصة فريدة لتعزيز التعاون بين الدول العربية في مجال حماية المحيطات والبيئات البحرية، وهي قضية باتت تتطلب تكاتفاً إقليمياً أكثر من أيّ وقت مضى. كما أن وجودي على رأس هذه اللجنة التنفيذية يبعث برسالة واضحة مفادها أن المرأة العربية قادرة على قيادة الملفات المتخصصة والمعقدة، وتقديم رؤى استراتيجية تسهم في تحقيق أهداف الاستدامة والحماية البيئية.
ما هي رؤيتك لتعزيز التعاون بين الهيئات البيئية المحلية والمنظمات الدولية من أجل تحقيق أهداف الاستدامة البيئية؟
أنا على قناعة تامة بأن جميع التحدّيات البيئية التي نواجهها اليوم هي قضايا عالمية لا تعترف بالحدود الجغرافية، ولا يمكن لأيّ جهة، أو دولة، التعامل معها بشكل منفرد. من هذا المنطلق، فإن تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة ملحّة لضمان مستقبل مستدام لكوكبنا.
ونسعى من خلال استراتيجيتنا إلى بناء شراكات قوية مع الهيئات البيئية، الإقليمية والدولية، تسهم في تبادل المعرفة، ونقل التكنولوجيا البيئية، والاستفادة من أفضل الممارسات العالمية في مجال الاستدامة. كما نحرص على المشاركة الفاعلة في المؤتمرات والمبادرات العالمية، ليس لتمثيل دولتنا ومنطقتنا فقط، بل للمساهمة أيضاً في صياغة السياسات البيئية على المستوى الدولي، ولتعزيز جاهزيتنا للتعامل مع التحدّيات المستجدة، وتوسيع تأثيرنا في الملفات البيئية ذات الأولوية.

كيف تقيّمين جاهزية إمارة الفجيرة لمواجهة التحدّيات البيئية المستقبلية، وما هي رؤيتك لتطوير الهيئة خلال السنوات المقبلة؟
تتمتع إمارة الفجيرة اليوم بقاعدة قوية في الاستعداد لمواجهة التحدّيات البيئية المستقبلية، حيث قطعت شوطاً كبيراً في بناء منظومة بيئية متكاملة، تستند إلى خطط استباقية واضحة. وقد تمكنّا خلال السنوات الماضية من تطوير الأنظمة الرقابية والاستثمار في البنية التحتية البيئية، وتعزيز الشراكات مع المؤسسات العلمية والبحثية، داخل الدولة وخارجها. كما نولي اهتماماً كبيراً برفع مستوى الوعي المجتمعي، باعتباره أحد المحاور الأساسية في ترسيخ ثقافة الاستدامة. أما على مستوى هيئة الفجيرة للبيئة، فإن رؤيتي ترتكز على أن تكون الهيئة نموذجاً إقليمياً رائداً في التحوّل الرقمي البيئي، ومساهماً فعّالاً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لدولة الإمارات. ونطمح إلى توسيع نطاق مشاريعنا ومبادراتنا البيئية، وتعزيز منظومة الابتكار البيئي، واستقطاب الكفاءات الوطنية الشابة لبناء جيل جديد من المتخصصين في علوم البيئة والاستدامة.

أين تجد المهندسة أصيلة المعلا بصمتها؟
بصمتي موجودة في كل مشروع بيئي أسهم في إحداث تغيير حقيقي، وفي كل موظف، أو فريق عمل تم تمكينه ليؤدي دوره بثقة وكفاءة. كما أجدها في تلك اللحظات التي ألهم فيها شاباً، أو طفلاً ليدرك أهمية البيئة، ويشعر بمسؤوليته تجاهها. بالنسبة لي، البصمة الحقيقية لا تقاس بالحجم، أو الشكل، بل بالأثر الذي يحدث فرقاً، ويستمر في النمو والتطور.
ما هي طموحاتك على المستويين العملي والشخصي؟
على المستوى العملي، أطمح إلى أن أرى هيئة الفجيرة للبيئة ضمن الصفوف الأولى للمؤسسات البيئية الرائدة عالمياً، من حيث الابتكار، والتأثير، والاستدامة. أما على المستوى الشخصي، فأحرص على الاستمرار في تطوير ذاتي، وتوسيع معرفتي في المجالات المرتبطة بالاستدامة والقيادة البيئية، وتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والعائلية، لأن الاستقرار الأسري هو الداعم الحقيقي للاستمرارية، والنجاح. كما أضع نصب عيني المساهمة في بناء جيل إماراتي واعٍ بيئياً، يحمل المسؤولية، ويشارك بفعالية في حماية بيئته، وصون مستقبله.