04 سبتمبر 2025

شراكة البيت والمدرسة... الطريق الأقصر لحل أزمات الطلبة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في كلّ مرة ينجح طالب في تجاوز أزمة دراسية، أو مشكلة سلوكية، يقف خلف ذلك جسر من التواصل الصادق بين البيت والمدرسة، ليصبح التعاون بين الأهل، والمعلمين، والأخصائيّين النفسيّين والاجتماعيّين، ضرورة ملحّة، تترجمها مواقف حقيقية، وحلول مشتركة، تجعل التكامل بين الطرفين ليس ترفاً تربوياً، بل خط الدفاع الأول عن سلامة الطالب، النفسية والأكاديمية.

سالي علي أكرم
سالي علي أكرم

سالي علي أكرم محمد، مرشدة نفسية في مدرسة الرياض للشراكات التعليمية بأبوظبي، تقول «العلاقة بين البيت والمدرسة محورها الأساسي مصلحة الطفل العليا، فعندما يعمل الجانبان معاً، بهذه العقلية، نحقق أفضل النتائج الممكنة، على النقيض يحدث عندما يكون هناك ضعف في التواصل بين الأسرة والمدرسة، يؤدي إلى تأثيرات مباشرة تظهر على الطالب، منها:

  • الغياب المتكرر من دون عذر.
  • التأخر الصباحي والمماطلة بشأن المدرسة.
  • ظهور سلوكات سلبية، مثل العدوانية والتخريب في بعض الأحيان.
  • وجود مؤشرات عاطفية وانفعالية متناقضة، مثل الغضب، والتمرّد، أو الانكماش، والانسحاب.
  • حيرة شديدة، أو خوف وهلع غير منطقي من أيّ تواصل مع الوالدين من قبل المدرسة، سواء بخصوص أمور أكاديمية أو سلوكية، أو اجتماعات أولياء الأمور الدورية.
  • قلّة الدافعية، وانخفاض التحصيل العلمي، وعدم وصول الطالب إلى اكتشاف إمكاناته الكاملة، ومواطن القوة فيه.
مجلة كل الأسرة

«أما عن أبرز الظواهر السلبية المتكرّرة بين الطلاب فيأتي في المقدمة التنمّر، بجانب المشكلات الأخرى، مثل القلق، وقلة الثقة بالنفس بخاصة عند المراهقين، وعدم القدرة على تنظيم الوقت. وبلا شك عندما يكون هناك تفاهم وتعاون مشترك بين المدرسة والأهل، ممّن لديهم ذهنية منفتحة قابلة للإرشاد، يحدث التغيير المنشود، وأتذكر طالبة كانت متفوقة دراسياً منذ مراحل التحاقها بالصفوف الأولى، وحتى المرحلة الثانوية، وفجأة أصبحت تعاني قلقاً شديداً، ورفضاً للمدرسة، ونوبات من الهلع عند دخول الصف، وبعد عدة جلسات مع الأهل تبين لي أن العائلة بأكملها من المتفوقين وأصحاب إنجازات أكاديمية، ما خلق لدى الطالبة شعوراً لا واعياً بالمنافسة والضغط، نتيجة توقعات مرتفعة من الأهل بشأن مستواها الأكاديمي، وبما يتوافق مع مستوى العائلة. وعلى الرغم من أن الضغط لم يكن بصورة مباشرة وصريحة، إلا أنها كانت تعتقد أن أيّ تقصير دراسي من الممكن أن يسبب لهم إحباطاً، ويسيء إلى الصورة الاجتماعية للأسرة، ومع جلسات الدعم النفسي شبه اليومية في المدرسة، إلى جانب دعم وتفهم من قبل معلميها، وبإشراك الأسرة، التي قدمت كل وسائل المساندة، وأبدت تفهمها للوضع وخطورته إذا لم يتم تداركه، استطاعت هذه الطالبة استعادة اتزانها النفسي، والعودة إلى مقاعد الدراسة، وتحقيق نتائج تحصيلية جيدة، ومُرضية للطرفين».

لا مكان للأسرار بين الأهل والمدرسة لأن الطالب هو الضحية الوحيدة إذا لم يتم إدراك المشكلات منذ بدايتها

وعلى الجانب الآخر، حين لا يتعاون الأهل بشكل كامل مع المدرسة، يعرقل ذلك نمو الطالب، تضيف سالي «لا أقصد بالعرقلة هنا نموه الأكاديمي والعلمي فقط، وإنما النمو العاطفي والاجتماعي، فمن الهام أن تكون هناك صراحة وشفافية من جميع الأطراف، ومنذ البداية، حتى نستطيع أن ندعم هذا الطالب حسب احتياجاته الفردية الخاصة التي تختلف من فرد لآخر، فلا مكان للأسرار بين المدرسة والأهل، لأن الطالب هو الضحية الوحيدة إذا لم يتم إدراك المشكلات منذ بدايتها، فتتحول المشاكسة البسيطة إلى تنمّر، والقلق العابر إلى قلق مرضي، وبعض المخاوف إلى أشكال معقدة من الفوبيا».

مجلة كل الأسرة

وتكمل الأخصائية النفسية سالي علي «قد يشعر الأهل بتدخل المدرسة في شأن أبنائهم أكثر من اللازم، الأمر الذي يجعلنا نفتح باباً دائماً للحوار، فنحن نستمع، ونتفهم، ونناقش، ونشعر بمخاوف الأهل وحساسيتهم تجاه بعض المواضيع التي يعتبرونها خاصة، ونحاول قدر المستطاع طمأنتهم، بأن ما تقوم به المدرسة بشأن فلذات أكبادهم هو من باب الرعاية، والحرص، والحب، وأننا مسؤولون قانونياً أولاً، ثم أخلاقياً واجتماعياً، عن رعاية هؤلاء الطلاب. فدورنا ليس نقد طريقتهم في التربية، أو الانتقاص من كفاءتهم كآباء وأمهات، بل على العكس، نحن نعي ،كمدرسة، الجهد الكبير الذي يقومون به في التربية، الأمر الذي يجعلنا نبحث دوماً عن سبل التعزيز الإيجابي وجعل تواصل المدرسة مع الأهل ليس لحل المشكلات فقط، بل لنقل الأخبار السارّة، أو مدح الأداء الأكاديمي أو السلوكي، حتى لا يظن الطالب أن كل مكالمة هاتفية من المدرسة تعني أنه في ورطة جديدة».

يعقوب الحمادي
يعقوب الحمادي

بين البيت والمدرسة علاقة متغيرة

من جانبه، يبين الأخصائي الاجتماعي يعقوب الحمادي «من خلال تواجدي في الميدان التربوي لقرابة الثلاثين عاماً، أرى أن العلاقة بين المدرسة والمنزل متغيّرة بطبيعتها، فهي لا تسير على وتيرة واحدة، بل تتأرجح بين الإيجابية أحياناً، والسلبية أحياناً أخرى، تماماً كما يحدث في التحولات السريعة التي نشهدها في عالمنا المعاصر، ففي بعض المراحل نرى تعاوناً مثمراً ينعكس على سلوكات الطلاب، وتحصيلهم الدراسي، بينما في أحيان أخرى تتراجع هذه العلاقة لتترك آثاراً سلبية».

مجلة كل الأسرة

وفي إشارة إلى أهمية بناء جسور للتواصل الفعّال بين المنزل والمدرسة، يعلّق الحمادي «مع بداية العام الدراسي، لا تقتصر التحدّيات التي تواجهها المدرسة على التهيئة الأكاديمية فحسب، بل تمتد لتشمل سلوكات الطلاب داخل الصفوف، ولكل حالة خصوصيتها وظروفها التي يجب التوقف عندها، وبحث جذورها قبل أن تتفاقم. فأيّ مشكلة، كما يشبّهها التربويون، تشبه الشجرة، تبدأ ببذرة صغيرة تكبر وتتشعب، حتى يصعب اقتلاعها. ومن أبرز الظواهر المتكرّرة في الأسابيع الأولى من الدراسة، اضطراب النوم عند الطلاب بسبب السهر، وعدم انتظام الساعة البيولوجية، وأحياناً يستمر هذا الوضع لأيام، أو حتى لأسابيع، ما يؤثر سلباً في التحصيل الدراسي، والانضباط السلوكي. والحقيقة أن هناك من الأهالي من يتعاونون مع ملاحظات المعلمين، ويبدأون باتخاذ الإجراءات التي تقوّم سلوك أبنائهم، عبر تنظيم مواعيد النوم تدريجياً، في محاولة لإنهاء المشكلة، ومنع تحولها إلى أزمة تؤثر في تركيز الطالب، واندماجه داخل الصف. ومن أبرز الظواهر التي نرصدها دائماً، الشقاوة الزائدة، والعدوانية بين بعض الطلاب، وهي سلوكات لا تقف عند حد الحركة المفرطة، أو إثارة الفوضى، بل تتطور أحياناً إلى التنمّر على زملائهم، خصوصاً أولئك المعروفين بهدوئهم».

إصلاح البيئة الأسرية هو الخطوة الأولى لإنقاذ الطالب أكاديمياً ونفسياً

ويلفت الأخصائي الاجتماعي يعقوب الحمادي إلى أن «المشكلات السلوكية مهما بدت معقدة، لا تخرج عن كونها تفاعلاً بين الطالب وبيئته، لذلك، فإن الخطوة الأولى هي جمع معلومات دقيقة حول هذه البيئة، ثم تشخيص الحالة بشكل صحيح، وبعدها فقط يمكن وضع خطة علاجية واقعية تمنع تفاقمها. فالأخصائي الاجتماعي في المدرسة يجد نفسه أمام مسؤولية كبيرة في مثل هذه الحالات، فالتعامل مع المشكلة يحتاج إلى جهد مشترك بينه وبين الإدارة والمعلمين، وأولياء الأمور، وأيّ ظاهرة غير معالجة في بداياتها تتحول سريعاً إلى أزمة جماعية تصعب السيطرة عليها لاحقاً، والبداية دائماً ما تكون من معرفة جذور المشكلة من البيت، فكم من حالات كان لانعكاس الخلافات الزوجية بالغ الأثر في الأبناء، الأمر الذي انعكس سلباً على تحصيلهم الدراسي، وثقتهم بأنفسهم، ولكن تدخّل المدرسة بلقاء الوالدين، وتوعيتهما بمدى خطورة الخلافات أمام الأبناء، ساعد على خلق مساحة أكثر هدوءاً في المنزل، لتؤكد المؤشرات أن إصلاح البيئة الأسرية هو أول خطوة لإنقاذ الطالب، أكاديمياً ونفسياً».

شراكة الأسرة والمدرسة تصنع الفارق

أمل عبد الشافي، ربّة منزل، تتحدث عن مأساة تعرّض ابنتها التي تبلغ من العمر خمس سنوات، للتنمر من قبل زميلاتها، الأمر الذي جعل الأم تشعر بالإحباط، بعد أن كرهت الطفلة الذهاب إلى المدرسة بسبب شعرها، لتأتي الانفراجة بعد أن تواصلت مع معلمة الصف، التي أبدت انزعاجها وتداركت الأمر سريعاً، متحدثة مع الأطفال عن سلبية مثل هذه السلوكات، وأثرها غير المستحب في زميلتهم.

د. عبدالله لوتاه
د. عبدالله لوتاه

قصة من الواقع

يروي لنا الدكتور عبدالله لوتاه، تجربته كولي أمر «التواصل المستمر بين المنزل والمدرسة كان له أثر كبير في دعم ابنتي، دراسياً ونفسياً وسلوكياً، فنتيجة لتفاعل القائمين على إدارة المدرسة، ووعيهم الكامل بحالتها الصحية، كونها ترتدي سماعات نتيجة زراعة قوقعة، ساعد ذلك على تجاوز الكثير من الصعوبات، إذ وفرت لها مكاناً في المقاعد الأمامية لزيادة تركيزها، وكان لاهتمام المعلمات بالمشاريع الدراسية التي تقدمها أولًا بأول، بالغ الأثر في مواصلة ابنتي تعليمها حتى تخرجت في الجامعة، وأكملت دراستها العليا في كليات التقنية العليا، وحصلت على درجة الماجستير في الإدارة الدولية. فبلا شك استمرار التعاون بين الأسرة والمدرسة يظل ضرورة أساسية لدعم الطالب، أكاديمياً وسلوكياً، كما أن تفعيل دور الأخصائي الاجتماعي، واستخدام التقنيات التعليمية بشكل صحيح يسهم في تحقيق هذا الهدف».

وفي النهاية، تبقى المدرسة والبيت جناحين لا يكتمل تحليق الطفل من دونهما، فإذا ضعف أحدهما اختل التوازن، وضاع الجهد بين القلق والتقصير، فتربية الأبناء ورعايتهم ليست مهمة طرف واحد، بل هي شراكة ممتدة، قوامها الثقة، والصدق، والتعاون، وكلما اتسع الحوار وتعمّق الفهم، صارت رحلة الطالب في التعليم أكثر أماناً، وازدهرت روحه بالثقة والقدرة على مواجهة الحياة.