26 أغسطس 2025

إنعام كجه جي تكتب: يا مرسال المراسيل

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

يرتدي الرجل الهام بدلة رسمية، ويختار ربطة عنق حمراء، ويقبّل زوجته، ثم يتوجه نحو الطائرة الرئاسية، «إير فورس وان». يحمل المرافقون حقائبه، ويلاحقه المستشارون بالنصائح والمقترحات. إن المهمة التي هو ذاهب بشأنها إلى ولاية ألاسكا معقدة، وخطرة. بل إن سلام الكرة الأرضية يتوقف عليها.

أمام الرئيس ملف، وخرائط، وأرقام بالمليارات. يقرأ ويراجع، ويرتّب أفكاره. ثم يطلب من المضيفة كوباً من القهوة. يرتشفها على مهل، وهو يتطلع من النافذة السميكة إلى الغيوم في الأفق. يتحسس جيبه، ويلمس المغلف الذي دسته زوجته فيه. طلبت ميلانيا ترامب من زوجها أن ينقل لها رسالة خاصة إلى الرئيس بوتين. ماذا تريد المرأة السلوفينية المولد التي صارت سيدة أمريكا الأولى... ماذا تريد من الرئيس الروسي؟

يقولون في الأخبار إنها ناشطة في جمعيات خيرية لرعاية الطفولة. وهي، كامرأة رقيقة وأم، تودّ التعبير عن إيمانها بالسلام الذي سيحقن دماء الأمّهات والأطفال الأبرياء، في الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات، بين روسيا وأوكرانيا. وقد أرادت لفت نظر الرجل الذي يسيطر على النصف الآخر من العالم، إلى آلاف الأطفال الأوكرانيين الذين جرى اختطافهم إلى روسيا.

لا أحد قرأ الرسالة، لكنها تسريبات الدائرة المحيطة بالبيت الأبيض. كما أن أحداً لم يعرف ماذا كان انطباع بوتين بعد قراءته رسالة الأمريكية الأولى. ما نعرفه أننا صرنا نعيش في عصر دبلوماسية الرسائل النسائية. وعندما ذهب الرئيس الأوكراني إلى لقاء ترامب، في المكتب البيضاوي، فإنه كان يحمل في جيبه رسالة من زوجته أولينا، موجهة إلى نظيرتها ميلانيا.

قدّم زيلينسكي إلى ترامب مغلفاً أبيض كبيراً، وقال له: «هذا ليس لك بل لزوجتك». وأظن أنه استخدم صفة «زوجتك»، وليس «حرمكم المصون»، لأن الغربيين لا يراعون تقاليدنا. وهي أيضاً رسالة لم يطّلع عليها سوى من كتبتها، ومن تسلمتها. لكن الجميع يتوقع أن السيدة الأوكرانية شكرت السيدة السلوفينية على اهتمامها بالأطفال المخطوفين، ومناشدتها الرئيس الروسي.

رسالتان لا غير، لن يشتكي منهما «البوسطجية»، لكنهما تؤشران إلى ما تجنح له النساء، عموماً، من سلام لا يؤتمن عليه الرجال. وهذا يقود إلى طرح سؤال سبق لي أن جعلت منه عنواناً لمقال قديم: كيف يكون شكل العالم لو حكمته النساء؟

هل تتوقف الحروب، وتنصرف الشعوب إلى العمل، والبناء، وتحسين ظروف المعيشة، بدل حمل البندقية، واحتلال بلاد الغير؟ أذكر أنني في ذلك المقال ضربت أمثلة برئيسة وزراء بريطانيا مرجريت تاتشر، السيدة الحديدية، وبتانسو شيلر رئيسة وزراء تركيا، وطبعاً بالعظيمة أنديرا غاندي في الهند. فهل توقفت الحروب، والنزاعات ،وحوادث التهديد، والتهجير، والاغتيال، خلال فترات حكم أولئك النساء؟

لا جواب. ويبدو أن الإنسان هو الإنسان. سواء بربطة عنق كان، أو بتنورة.