07 أغسطس 2025

فتيات إماراتيات يتألقن في ميدان الرماية وسباقات الهجن والصقارة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

ما الذي يدفع فتيات اليوم إلى دخول عوالم كانت تُصنف تقليدياً كميادين رجالية، مثل سباقات الهجن، والصقارة، والرماية؟ ولماذا تحرص الشابات على خوض هذه الرياضات التراثية، بكل ما تحمله من تحدّيات، جسدية ونفسية؟

قد تبدو هذه التساؤلات غريبة لمن لا يعرف عمق العلاقة بين التراث والهوية في المجتمع الإماراتي، لكن الإجابة عنها تكشف لنا عن جيلٍ جديد من النساء يرفعن راية الماضي بفخر، ويُجدن إعادة تعريفه بلغة الحاضر والمستقبل.

حمده عبدالله حمدان
حمده عبدالله حمدان

ففي يوم المرأة الإماراتية، تتألق نماذج مشرقة تثبت أن المرأة قادرة على خوض كل الميادين، وحمل راية التراث، جنباً إلى جنب مع طموحات المستقبل. فمن الرماية، إلى سباقات الهجن، مروراً بعالم الصقارة، تؤكد الفتيات الإماراتيات أن حضورهنّ في هذه المجالات ليس مجرّد مشاركة رمزية، بل هو التزام وطني بالحفاظ على الهوية الثقافية، وترسيخ الإرث في ذاكرة الأجيال الجديدة.

مزون الزعابي
مزون الزعابي

الرماية شغف متجذّر في المجتمع

لم يكن تألّق مزون الزعابي في رياضة الرماية وليد الصدفة، بل هو نتاج شغف متجذّر، وتدريب متواصل، ودعم كبير تلقته من أشخاص آمنوا بقدراتها منذ البداية، فالرماية بالنسبة إليها امتداد لإرث وطني عريق، حيث كانت جزءاً من حياة الأجداد في الصيد والدفاع، واليوم، حين تمارسها المرأة الإماراتية فإنها لا تحيي هذا التراث فحسب، بل تثبت أيضاً حضورها القوي، ودورها الفاعل في الحفاظ على الهوية الوطنية، والتألق في مختلف الميادين، بما فيها ميدان الرماية.. تقول مزون «بدأت رحلتي مع رماية السكتون قبل عامين، حيث شاركت في رماية الأهداف، ورماية الصحون، تحت إشراف المدرب راشد الكلباني، من ميدان فزاع للرماية الذي كان له دور محوري في تطوير مهاراتي، ودعمي للاستمرار بثقة وطموح. وكان لوالدتي آمنة الدرمكي، الأثر الأكبر في هذه المسيرة؛ فهي رامية متمرسة، حققت مراكز متقدمة في مسابقات السكتون الفردي، ورماية الصحون، وكانت دائماً قدوتي، ومصدر إلهامي. وجودها الدائم إلى جانبي منحني دافعاً قوياً للاستمرار، وساعدني على مواجهة التحديات، بعزيمة وإصرار. كما أن انضمامي إلى فريق يضم نخبة من الراميات الموهوبات كان من العوامل الأساسية التي أسهمت في تطوّري، فقد شكّلن بيئة إيجابية محفّزة مملوءة بالتشجيع، وروح التحدي البنّاء، حيث نتشارك النجاحات، ونتعلم من تجارب بعضنا بعضاً».

مريم الكتبي
مريم الكتبي

الصقارة ليست هواية.. بل رسالة تراثية

وفي عالم الصقارة، ترى مريم الكتبي أن خوضها رياضة الصيد بالصقور يعزز مكانة المرأة الإماراتية في هذا المجال، ويعكس قدرتها على التميز في جميع الميادين، وتوضح «بدايتي في ميدان الصقارين تعود إلى طفولتي، حين كنت أرافق والدي في رحلات الصيد وسباقات الصقور، برفقة أخواتي، وقد اعتدنا الخروج معه منذ الصغر، نساعده على تجهيز الصقور، والعناية بها، وشيئاً فشيئاً تحوّل هذا التفاعل اليومي إلى أسلوب حياة متكامل، أصبحنا نعيش تفاصيله بشغف وحب. وبدعم من والدنا، وتشجيع من عشاق هذا الموروث الأصيل، واصلنا المسيرة كصقّارات، نحمل على عاتقنا رسالة ليست مجرّد هواية، بل التزام بحفظ التراث الإماراتي الأصيل. وأنا اليوم أفتخر بما حققته في هذا المجال، وأخواتي، حيث شاركن في بطولات عدّة، وحققن أداء مشرّفاً، نثبت من خلاله أن وجود المرأة في عالم الصقارة هو حضور حقيقي وفاعل، يسهم في حماية هذا الإرث الغني وتوريثه للأجيال الجديدة، بكل فخر واعتزاز».

آمنة شهدور
آمنة شهدور

الرماية علمتني أن الحياة مكسب وخسارة

من جهتها، تؤكد آمنة شهدور: «منذ طفولتي، كانت خالتي هي مصدر الإلهام الأول لي، فقد كانت أول من شجعني على دخول عالم الرماية، وأول من غرست في قلبي حبّ هذه الرياضة، حيث تعلمت أن الرماية ليست مجرد تصويب على هدف، بل مدرسة في الصبر، والشجاعة، والتوازن النفسي، وأن الحياة مثلها تماماً، فيها مكسب وخسارة، لكن الأمل هو ما يجعلنا نستمر، فمن خلال هذه الرياضة تعلمت كيف أتفاعل مع الآخرين، وأكتسب من خبراتهم، وكيف أطوّر نفسي في كل مرحلة. وأنا أؤمن بأن الرماية ليست دخيلة علينا، بل هي جزء من تاريخ وثقافة الإمارات، فقد كانت النساء قديماً يتعلّمنها من أجل الصيد، والدفاع عن النفس، بخاصة أثناء غياب الرجال في رحلات الغوص، أو الترحال. واليوم، وبفضل دعم «أم الإمارات»، سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، وتشجيعها المستمر للمرأة، حافظت الرماية على حضورها، بل أصبحت بوابة لتأهيل الفتيات للمشاركة في البطولات الدولية، وحتى العمل في مجالات هامّة كالجيش والشرطة، التي باتت تستقطب المزيد من النساء، حيث واصلت مسيرتي منذ الصغر، ونجحت في تحقيق المراكز الأولى في العديد من البطولات».

مجلة كل الأسرة

رياضة سباقات الهجن تغرس القيم في الجيل الجديد

وفي ميدان سباق الهجن، تتجلّى نماذج مشرقة تؤكد قدرة المرأة على التألق في ميادين ارتبطت بالماضي العريق، حيث تروي حمدة عبدالله حمدان، تجربتها قائلة «لم يكن نجاحي في هذا المجال أمراً بسيطاً، بل كان ثمرة شغف عميق، ودعم مستمر من أسرتي، وعلى رأسهم والدي، إلى جانب التعلم من ذوي الخبرة، والتدريب المتواصل. نشأت في بيئة تعشق الهجن، وتمتلكها، ما زاد من ارتباطي بها، وكان والدي الداعم الأول لي، إذ شجعني على ممارسة هذه الرياضة، والحمد لله، تمكنت من التأقلم سريعاً مع الركوب. فرياضة الهجن ليست سهلة، إذ تحتاج إلى صبر، ولياقة بدنية، ووقت كافٍ للاعتياد على الركوب، وتفاصيل العزب. كما أن المشاركة في السباقات مسؤولية كبيرة، خصوصاً في ظل وجود متسابقين ذوي خبرة طويلة، وتاريخ عريق في هذا الميدان». وتشير حمدة إلى أن نقطة التحوّل الحقيقية في تجربتها كانت مشاركتها في «رحلة الهجن» التي نظمها «مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث»، من ليوا إلى دبي، وأوضحت: «رحلة الهجن علّمتني الصبر والتحمّل، ومنحتني فرصة فريدة لأعيش حياة الأجداد بكل تفاصيلها، فكانت تجربة ملهمة بكل المقاييس، فالهجن جزء لا يتجزأ من هويتنا الوطنية، ومتى دخلت المرأة هذا المجال أصبحت حلقة وصل حيّة بين الماضي والمستقبل، فالمرأة هي التي تغرس القيم في الأجيال، ووجودها في ميادين الهجن رسالة قوية مفادها أن التراث مسؤولية الجميع، وليس حكراً على أحد».