إجراء يُسهم في بناء مجتمع أكثر صحة وسلامة يصبّ في مصلحة الأجيال القادمة، ويساعد على تقليل عبء العلاج عن الأهل، وعن القطاع الصحي. إنه فحص ما قبل الزواج، والذي يعد خط الدفاع الأول لبناء أسرة خالية من الأمراض الوراثية، ومستقرة، ثابتة البنيان.
يهدف الفحص إلى الحد من انتقال مجموعة معيّنة من الحالات الوراثية إلى الأجيال القادمة، وتحديد الأزواج الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة، وانتقال الأمراض، وبالتالي تيسير عملية بحث الخيارات المتاحة للمساعدة والمتابعة، مع توفير الدعم اللازم لتمكين الأفراد من اتخاذ قرارات واعية تتعلق بمستقبل أسرهم، فالتوافق الجيني يلعب دوراً مهما في ضمان صحة وسلامة الأجيال القادمة، على المدى الطويل.
وضمن الجهود التي تبذلها الدولة للحد من الأمراض الوراثية، وإدراكاً من إمارة أبوظبي لأهمية علم الجينوم في اتخاذ قرارات واعية ومستنيرة، تبنّت الإمارة نهجاً استباقياً يضعها في طليعة نظم الرعاية الصحية الرائدة حول العالم، إذ أضافت دائرة الصحة - أبوظبي، ومركز أبوظبي للصحة العامة، اختباراً جينياً اختيارياً إلى برنامج فحص ما قبل الزواج ليغطي 570 جيناً، لأكثر من 840 حالة طبيّة تقدمه أكثر من 22 منشأة للرعاية الصحية في أبوظبي، بهدف الارتقاء بصحة وجودة حياة الأسرة عبر وقاية أفرادها من الأمراض الوراثية.
وتأتي أهمية فحص ما قبل الزواج لكونه صمام الأمان لحياة أسرية، قوامها الهدوء والاستقرار، ومن جانب طبي، تحدثنا الدكتورة هيام هاشم، طبيبة أسرة في أحد المراكز الطبية بالشارقة «يكتسب الفحص الطبي قبل الزواج أهميته من الارتباط ذاته، والذي يعد نقطة انطلاقة جديدة لتحقيق الطموحات والأحلام لطرفي العلاقة، وليكون الزواج سعيداً ومستقراً تم استحداث تلك الفحوصات لضمان بناء مجتمع، ينعم نسيجه بالديمومة، وإنجاب أبناء أصحاء، إذ يهدف الفحص الطبي قبل الزواج إلى الآتي:
إذا تم اكتشاف مرض وراثي تقوم الجهة المختصة بتحويل الحالات إلى استشاريين مختصّين
وكون تلك الفحوصات إلزامية، ويجب على المقبلين على الزواج، من مواطنين ومقيمين، تقديم وثيقة بإجرائها، خاصة ما يتعلق منها بالاضطرابات الوراثية والمعدية، والمنقولة جنسياً، بجانب الفحوصات الأخرى كالسكّري وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الكلى، وأمراض جهاز المناعة، وغيرها، كل هذا يجعلنا أمام حقيقة ثابتة، وهي أهمية تلك الخطوة «يستغرق وقت الفحوصات والتحاليل ما بين 7 إلى 14 يوماً تقريباً، من يوم سحب عينات الدم، وتتم في سرية تامة، وفي الوقت نفسه، تتم معالجة الحالة المكتشفة وتقديم العلاج اللازم لها، وإعطاء أصحابها النصيحة اللازمة، والتطعيمات المستحقة، أما إذا تم اكتشاف مرض وراثي تقوم الجهة المختصة بتحويل الحالات إلى استشاريين مختصين بالأمراض الجينية، كي تمكن طرفي الزواج باتخاذ القرار السليم، وبما يضمن تجنب إنجاب أبناء حاملين لأمراض وراثية».
هل عدم التوافق في الفحوصات بين الطرفين يعني عدم إتمام الزواج؟
تجيب عن تساؤلنا الدكتورة هيام هاشم «برنامج الفحص الطبي قائم على مفهوم المشورة الطبية، وتقديم النصائح المتعلقة بالأمراض، واحتمالات انتقالها للأبناء، وهذا يساعد على اتخاذ القرار السليم، ومع ذلك، فإن عدم التوافق لا يعني بالضرورة انعدام الزواج نهائياً للطرفين، وإنما هو عدم ملاءمة كل منهما للآخر من الناحية الطبية، كما يجب التفريق بين حامل المرض، والمصاب به، فعلياً، وأودّ أن أشير إلى أن هناك بعض الأمراض الموضوعة على قائمة الفحوصات الطبية قبل الزواج، لا أقول تمنع الارتباط بل تؤجله لحين تقديم العلاج اللازم، والتأكد من عدم نقل الشريكين العدوى لأبنائهما في المستقبل، وهنا تأتي سلطة الطبيب في البتّ برأيه الطبي والأخذ به».
بيد أن سمة تأثير آخر لا يقل أهمية لفحوصات ما قبل الزواج، تشير إليه الدكتورة آمال النمر، مستشار نفسي وأسري بإدارة مراكز التنمية الأسرية في الشارقة «بناء الأسرة كأي شراكة بين طرفين، يسعى كل واحد منهما إلى حسن الاختيار في الأمور كلها، مثل اختيار المديرين الأكفاء في مجال العمل والعمالة المثمرة، والمكان الجيد، وغيرها من التفاصيل التي تنسحب على بناء الأسرة أيضاً، والتي من المفترض أن يكون الشركاء فيها جاهزين، مادياً ومعنوياً وصحياً، بكل تأكيد».
وعن شروط الزواج الناجح من الناحية النفسية «من أساسيات الارتباط الموفق ألّا يخفي طرف على الآخر مرضاً ما، حتى ولو كان بسيطاً، وغير معدٍ، مثل أمراض الجهاز التنفسي كحساسية الصدر، أو الربو مثلاً، لأن ذلك يجعل الشريك يهيئ نفسه لوجود مشكلة، فيبدأ بخفض سقف توقعاته في جزئية بعينها، مثل التنزه في بعض الأماكن في أوقات معيّنة من السنة، أو الامتناع عن استعمال بعض الروائح النفاذة التي تؤثر في التنفس، بجانب إدراكه أن له دوراً ربما يطلب منه أن يؤديه بعد الزواج، كتقديم الرعاية الطبية على سبيل المثال، وإذا كان هذا هو الحال في الأمور البسيطة، فكيف إذا كان في الأمراض المزمنة التي يمكن أن تورّث مثل السكّري، والتي تحتاج هي أيضاً إلى نمط حياة مختلف، وربما لتوفير جزء من ميزانية الأسرة للعلاج، بجانب تناول أطعمة معينة، فضلاً عن إصابة أحد الأبناء والذي من المفترض يتهيأ الشريكان لمسؤوليتهما تجاهه، وتوفير جزء من طاقتهما لرعايته أكثر من إخوته».
يسهم الكشف الطبي في تحديد سقف التوقعات لنمط الحياة في المستقبل
تلفت الدكتورة النمر لأهمية الفحص الطبي قبل الزواج لكونه صمام أمان لعدم المبالغة في شكل الحياة بعد الارتباط «يكشف الفحص الطبي حالات مرضية عدة، مايسهم في تحديد سقف التوقعات لنمط الحياة في المستقبل، وبالتالي يكون هناك استقرار نفسي للطرفين لعدم وجود صدمات غير متوقعة، أما إذا لم يكن هناك ما يكشف ذلك، فبكل تأكيد ستزداد المشاكل، وربما يحدث رفض للعلاقة بسبب عدم التهيئة. وأودّ أن أذكر حالة من أرض الواقع حدثت قبل سنوات عدة، لزوجين أنجبا توأماً لديهما مرض مناعي، يتسبب بضمور جسديهما حتى يودي بحياتهما في سنّ مبكرة، وبعد فترة من الزواج علمت الأم بإصابة أبناء إحدى أخوات الزوج بالمرض نفسه، وأنه وراثي، وأدى ذلك إلى حدوث فجوة كبيرة بين الشريكين، وهنا ندرك حقيقة واضح،ة وهي كم الضرر الذي أصاب هذه الأسرة، وأفرادها».
وفي ما يتعلق بأهمية أن تشمل فحوصات ما قبل الزواج قياس الجانب النفسي أيضاً «قياس الجانب النفسي واكتشاف الأمراض العقلية أمر غاية في الأهمية، مثله مثل الأمراض الجسدية، وسؤالي هنا: هل يستوعب الطرفان أهمية أن يتم فهم الصفات الشخصية لكل منهما، بل هل يستوعب سمات شخصيته هو نفسه؟ ففهم واستيعاب عيوبنا يساعدنا على تسليط الضوء عليها، ومحاولة تعديلها بدلاً من اتهام كل طرف للآخر، بأنه هو من لديه مشكلة نفسية».