05 يوليو 2025

بطلة تحدي القراءة في الإمارات ريم الزرعوني: اللغة العربية هوية.. وليست هواية

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

حملت ريم عادل الزرعوني، على عاتقها شغف الحرف، وتوّجت مسيرتها بلقب بطلة تحدّي القراءة العربي، بعد أن قرأت أكثر من 300 كتاب، لترسم بذلك نموذجاً مُلهِماً لجيل يؤمن بأن المعرفة مفتاح التفوّق، وأن اللغة العربية ما زالت قادرة على احتضان الأحلام، وصناعة القادة.

مجلة كل الأسرة

في هذا الحوار، نفتح معها أبواب الحكاية.. نسألها عن البدايات، والتحدّيات، والمصادر التي أوقدت في قلبها حب القراءة، لنكتشف معاً كيف تحوّل الحرف إلى وسام، والكتاب إلى صديق، والقراءة إلى أسلوب حياة:

مجلة كل الأسرة

ما الذي ألهمكِ الانطلاق في تحدّي القراءة العربي؟

كقارئة تتقن الخيال، وتُبحر في بحر الكلمات، وجدتُ في الكتب خير جليس، ومن هذا المبدأ اندفعتُ بشرارة حماسٍ إلى المشاركة في تحدّي القراءة العربي منذ موسمه السادس.. حُلمٌ ولّده عشقي لتراب الوطن الذي لا يعرف المستحيل، هو ما دفعني بشكلٍ أكبر لخوض تلك الرحلة الماتعة، وبالطبع، قدوتي ومصدر إلهامي هو سيدي صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، صانع هذه الملحمة التي رفعت راية التحدّي والقراءة في نفوس الشباب والشابات؛ صنع من كلماته وقوداً للحياة، ومن مبادراته استنهاضاً للضاد.

كيف كانت بدايتك في حب القراءة؟

منذ نعومة أظافري تعلّقتُ بالكتاب. وعيت على نفسي وأنا محاطة بالكتب من كل اتجاه. في تلك اللحظة، بنيت آفاقاً واسعة غمرها عالم الكلمات، وتسـاءلت: كيف يمكن للكتب أن ترسم درباً منيراً للريادة؟
لحظات البداية لا تُنسى، بقيت محفورة في ذاكرتي، كأنها تجدّد أملي وتعلّقي بالضاد باستمرار. بدأت بنصوص صغيرة، ثم إلى قصص قصيرة، وبعدها إلى روايات اليافعين، والآن أقرأ كتباً عميقة تفوق فئتي العمرية؛ وكانت هذه ثمرة عزيمة وإصرار صاحباني أثناء رحلتي في التحدّي حتى بلغ عدد الكتب 300 كتاب.

مجلة كل الأسرة

هل هناك كتاب مميّز أو تجربة أثّرت فيكِ خصوصاً؟

في عالم يتسابق فيه الحديث والقديم، وتبقى القصص في ظلال الأزمان، وُلد شغفي الذي دفع الأجيال لاستكشاف الماضي. ولهذا شهدت الإمارات إقبالاً كبيراً على مؤلفات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وكقارئة، أعتقد أن كتاب «ومضات من فكر» هو من أكثر الكتب تميّزاً، وتأثيراً فيّ، وقد فتح لي نافذة على عالم واسع الأفق. اخترت هذا الكتاب دون غيره لأنه بات دستوراً لحياتي، ولأن قصص الإمارات تروي ظمأ الأجيال من علم ومعرفة، جاء «ومضات من فكر» ليُغيّر مسار حياتي، ويجعلني أعيد النظر لأكرّس حياتي لخدمة وطني.

وبالطبع، تنوّعت كتب السيرة النبويّة العطرة، ولا يسعني إلا أن أختار كتاب «الرجل النبيل» لعلي بن جابر الفيفي، الذي وضع لمساته الأدبية الحانية على تلك السيرة العطرة، التي نثرت شذاها ذات اليمين، وذات الشمال، وغمرتني بمشاعر الحب والدفء. ما زالت معانيه تطرق قلبي، وأشعاره تتردّد أصداؤها، تعظيماً لسيد المرسلين.

قرأتِ أكثر من 300 كتاب خلال التحدي، كيف خططتِ لهذا الإنجاز؟

يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «الوقت هو الحياة... لا نستطيع تخزينه ولا إيقافه، وإنما تنظيمه... للوصول إلى الإيجابية».
اتخذت هذه الكلمات شعاراً في حياتي، فحرصت على تنظيم وقتي بمرونة وحكمة، لأستثمر كل دقيقة للوصول إلى القمة، ولأغدو بطلة تحدّي القراءة العربي. ساعدني ذلك على الموازنة بين مسابقات عدّة، في آنٍ واحد.

هل ركزتِ على نوعٍ معيّن من الكتب؟

نعم، تعمّقت في قراءة السير الذاتية، لأتلمّس مسار العظماء، وأسير على خُطاهم لأصنع مجدي. فبالسير الذاتية نصنع تاريخاً وهّاجاً، أوقدته قصصٌ تهدي القلوب، وتغذّيها بالأمل، وتفتح درباً يملأه نور المعرفة والتجربة.

مجلة كل الأسرة

كيف تحفظين هذا الكم من المعلومات دون أن تختفي من ذاكرتك؟

كعاشقةٍ للاطّلاع، شغوفة بالمعرفة، أحرص على تقسيم المعلومات إلى أجزاء يسهل تذكّرها، وأراجعها على فترات منتظمة.
كما أحوّل المعلومات إلى صور حيّة، وروابط منطقية تُسهم في استدعائها وقت الحاجة، فتغدو ذاكرتي مخزناً لا يخذلني، في كل وقت وزمان.

هل كنتِ تُلخّصين كتبك أم تعتمدين على ملاحظات خاصة؟

ارتحلتُ إلى عوالم لا حدود لها، وأبحرتُ في محيط التحدّي أربع مرات، فأصبحت لديّ قلادة من دررٍ جمعتها من تجاربي. بالتأكيد، أعشق تلخيص الكتب، وأعتمد عليه بشكل كبير، لأستخلص من كل كتاب دانة يستفيد منها القارئ.
وعند قراءة الكتب العميقة ذات المعلومات القيّمة، ألتجئ إلى «دفتر فارس الكتب»، خِلّي الوفي وبئري التي لا تنضب، فأدخل إلى وادي الكلمات، وأدوّن ما يهمّني، لأصوغ ملخصاً يليق ببطلة التحدّي، بإذن الله.

كيف ترين دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في دعم أو إضعاف الهوية الثقافية؟

الشباب العربي اليوم بحاجة ماسّة إلى التمسك بعربيّته وهويته، في ظل الطغيان الرقمي. ففي بعض الأماكن، تكاد الثقافة العربية تتلاشى من يومياتنا. لكنني أؤمن بأن التكنولوجيا، إذا استُخدمت بمرونة وحكمة، يمكن أن تكون وسيلة للعودة، لا للهروب. فالهاتف الذي نحمله قادرٌ على احتضان مئة كتاب في آنٍ واحد، فلماذا لا نُعيد استثماره في بناء عقولنا؟

كيف تحافظين على لغتكِ من الانغماس في الكتب الأجنبية أو القراءة عبر الشاشات؟

أوازن بين قراءاتي؛ فأبحر أحياناً في بحر اللغة الأجنبية، ثم أعود إلى ضفاف لغتي العربية لأستنشق هواءها النقي، وأنتقي من الشاشات والكتب الأجنبية ما يُنمّي لغتي الثانية، ويزيد من معرفتي، ثم أعود إلى الكتب الورقية والعربية، فأجد فيها نفسي، وأحلّق في سماوات الصفحات بحرية، لأعود لطيات الضاد، أعشق العربية؛ فبها أقرأ كتبي، وأخطّ خواطري، وأسطّر أحلامي. اللغة العربية هوية... وليست هواية.

كيف كانت تجربتكِ في المرحلة الوطنية؟

في رحاب التصفيات، حيث التقيت بنجومٍ صغار من مختلف أنحاء الإمارات، وجدت في المرحلة الوطنية إقبالاً يثلج الصدر، وقلوباً تنبض بحب اللغة، جعلتني هذه التجربة أوقن أن التحدي وسام شرف على صدر كل إماراتي، غمرتني التجربة بمشاعر الحب والامتنان التي أكنّها لهذا الوطن المعطاء.

مجلة كل الأسرة

كيف شعرتِ لحظة إعلان اسمكِ بطلة التحدي؟

كانت لحظة استثنائية بامتياز، امتزجت فيها دموع الفرح بمشاعر الفخر، وكانت من أجمل محطات حياتي، ثمرة عزيمةٍ لا تعرف سقفاً، فعلى الرغم من التوتر الذي رافق إعلان اسمي، إلا أنها كانت لحظة وعي بعظمة المسؤولية؛ لحمل اسم الإمارات في الحفل الختامي، حيث تراءى لي صانع التحدّي، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو يسلّمني الراية، ويحفّزني لأقرأ، وأستمر، وأتحدّى، وأمثّل الإمارات خير تمثيل. وزاد فرحي فخراً بتتويج سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية رئيس مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع، ونظراته الحانية، وتشجيعه لنا على المنصة. لقد كان تتويجه فخراً أعتز به مدى الحياة، ومن هذا المنبر، أشكر قيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على جهوده وعطائه لبناء جيلٍ واعدٍ يليق بأبناء زايد، طيّب الله ثراه. وأقدّم شكري لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على تهنئته، فكلماته ستبقى قنديلاً ساطعاً في طريقي.

ما مدى تأثير الدعم أو النصائح من الأسرة، أو المدرسة، أو المعلّمين؟

كل قارئ يُمثّل أمة، وخلف هذا القارئ مجموعة من الداعمين والمعلّمين. وبالتأكيد، لولا وجود النجوم في السماء، لما اهتدينا إلى طريقنا، وقد كان الداعمون لي بمثابة تلك النجوم التي هدتني إلى طريق المجد، والعلم، والمعرفة.
أولًا، قيادتنا الرشيدة، مُحمدّا الخير، أطال الله عمرهما: صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله.
وثانياً، والداي، بخاصة أمي التي لخّصت العالم بأكمله بمشاعرها الدافئة، ونظراتها الحانية، وأبي الذي غرس فيّ حب القراءة، وطلب العلم، وشغف المعرفة.
كما لا أنسى بيتي الثاني: مدرسة الاتحاد الوطنية الخاصة – فرع خليفة، وبالتحديد الأستاذة فاطمة يوسف، التي أشعرتنا باهتمامها الفائق بهذا المضمار، ومساندتها لنا، والأستاذة لاما القضاة، التي غمرتني بالحب والرُشد، ونُصح الأم لابنتها، ودعمها الدائم غير المنقطع، والذي سيظلّ عرفاناً خالداً في قلبي، ولا أنسى الأستاذ مهدي الكرنز، الذي وجّه خطواتي الأولى في مشاركاتي السابقة في التحدّي، وجميع أساتذة اللغة العربية الأفاضل في مدرستي، وكل معلّميّ.

ما نصيحتك للشباب؟

مع دوران عجلة الأيام، وفي كل العصور والأزمان، أنصحكم أن تتّخذوا من الكتب جُلساءكم، ومن العلم نِبراسكم، وأن تجعلوا القراءة هوية لا هواية، وأن تقرؤوا بنَهَم، فكل كلمةٍ تقرؤونها بظمأ المعرفة ستصبح سلاحاً في معركة الحياة.