يشكل الزي المدرسي هوية موحدة لدى بعض المدارس، في وقت تنحو مدارس أخرى إلى ترك الحرية للطالب في ارتداء ما يرغب.
على صعيد الدولة، يتوحد زي المدارس الحكومية لكل من الطلبة الذكور والإناث ضمن ضوابط تشمل الألوان المرافقة للزي (الزي باللونين الأبيض والكحلي) من الحذاء، الجوارب وارتداء «شيلة سوداء» للرأس بالنسبة للبنات، والكندورة الإماراتية على صعيد الطلبة الذكور مع ارتداء «العصامة».
وتتوافق المدارس الخاصة في الدولة مع هذا التوجه (أي إلزامية الزي) مع اختلاف في تصاميم الزي، تبعاً لرؤية كل مدرسة وتوجهها.
فما هي آليات اختيار الزي المدرسي وما أهميته، وما القيم التي يحاكيها، ولماذا لم يترك الخيارات للطلبة، وبالأخص في المراحل الأولى، لارتداء ما يريدون، مع الالتزام بمعايير محددة؟
كأم تنقلت بين بلدان عدة، تقف لينا عبد العزيز مطولاً عند أهمية الزي الموحد «على صعيدي الشخصي، أجد أن الزي الموحد أفضل للطالب كونه لا يشتت تركيزه على اختيار ملابسه يومياً، وقد تربك حرية الاختيار والأمهات وتؤدي إلى تضييع الكثير من الوقت وبالأخص العاملات منهن، ناهيك عن أن هذا الأمر قد يفتح الباب أمام موضة أو موضات وأفكار كثيرة تتسم بالتحرر أو حتى ألوان وشعارات كما الابتعاد عن الاحتشام».
تشكو أمهات أخريات من الالتزام بزي موحد، إحداهن تؤكد أهمية أن تترك الحرية لطلبة المرحلة الأولى «لدي ابنة في الروضة ترغب في ارتداء فساتين بدل الزي المدرسي وتفتعل مشكلة يومياً كونها لا تحبذ ألوان الزي»، في وقت تلفت أم أخرى إلى أن «إلزامية الزي تجبرني على شراء أكثر من قطعة للزي المدرسي كوني امرأة عاملة، للحفاظ على نظافة أبنائي، وهذا يرتب علينا أعباء إضافية».
الزي المدرسي بين الحرية والالتزام
يجسد الزي المدرسي صور المساواة والالتزام، كما تشير معظم الدراسات التحليلية.
ترصد همسة يونس، مستشارة أسرية ومرشدة مجتمعية، إلى أن إيجابيات الزي المدرسي تفوق سلبياته «على الرغم من أن كثيراً من الدول في الخارج لا تلزم الطلاب بزي مدرسي موحد، إلا أن عدم وجود زي مدرسي موحد لا يعني أبداً عدم وجود قوانين تنظم نوع الملابس المسموح بارتدائها داخل الحرم المدرسي، بما يتماشى مع عادات وتقاليد المجتمع».
وتورد «الزي المدرسي يولد حالة من المساواة الإنسانية بين الطلاب بكافة مستوياتهم، ويعزز مفهوم أن القيمة الحقيقية للإنسان بما يحمله من قيم وأخلاق مهما كان مظهره الخارجي، كما يخفف من كمية التصادم مع الطلاب لعدم تناسب الملابس التي يختارونها مع بيئة الدراسة».
الحرية في لون الحذاء وربطات الشعر!
في الوقت نفسه، تميل يونس إلى النظر في مسألة الزي المدرسي بطريقة تفيد الطلاب وتمنحهم مساحة من الحرية، بحيث «لا يتحول الزي المدرسي إلى مصدر تذمر وانزعاج، ما يدفع الطلاب إلى التمرد وإثارة المشكلات بحثاً عن متنفس، ومثال ذلك ترك الحرية في ارتداء ربطات الشعر للبنات بألوان مختلفة، وحرية اختيار لون الحذاء لكلا الجنسين».
تردف «قد يزعجنا نحن الكبار أن نرى حالة فوضى في ألوان الأحذية التي يختارها الطلاب، لكن في الحقيقة هي حرية شخصية من الضروري أن نمنحها لهم وتشكل متنفساً يخفف حدة الرفض عند بعض الطلاب».
وتشكل الأنشطة اللاصفية متنفساً للطلاب للتحرر المؤقت من الزي المدرسي.. تعلق المرشدة المجتمعية «من التجارب الناجحة في مدارس الدولة أنها تخصص يوماً بين فترة وأخرى لتنفيذ أنشطة مدرسية للطلاب، حيث يسمح لهم في هذا اليوم ارتداء الملابس التي يحبونها بعيداً عن الزي المدرسي، وبرأيي هي خطوة جيدة ليكون للطالب مساحته من الحرية بطريقة إيجابية تؤكد احترامنا نحن الكبار لحرية الصغار بإطارها المناسب دون الوقوع في تصادمات».
الزي المدرسي = الهوية المدرسية
يعود الزي المدرسي بقوة إلى الكثير من المدارس في العالم، وكلها تؤطر السبب إلى المساواة المجتمعية بين الطلاب.
يؤكد ريديريك ويليامز، نائب مدير شؤون الطلاب في مدرسة اجنايت دبي، سياسة الزي المدرسي الموحد كجزء أساسي من الهوية المدرسية «لا ننظر إلى الزي المدرسي على أنه مجرد ملابس يرتديها الطلاب؛ بل هو تعبير حي لقيمنا واهتمامنا بتوفير بيئة تعليمية موحدة ومنسجمة، حيث إن الزي يعزز الانتماء والولاء للمدرسة، كونه يتميز بتصميم محدد (يراعي اختيار الألوان والأقمشة)، وهو أمر يؤثر إيجاباً في ثقة وثقافة الطلاب ويشعرهم بالانتماء لمجتمع مدرستهم ويتعزز لديهم وعي أكبر بتبني قيم التواصل والانضباط ويظهر الزي التزامنا بتقديم بيئة تعليمية توازن بين الوحدة والتعبير الفردي، لتحقيق تجربة دراسية متكاملة وجذابة لطلابنا».
كما أن أسابيع الإبداع تتيح للطالب إمكانية التعبير عن أنفسهم «في هذه الفترات، يمكن للطلاب اختيار الملابس وفقاً لذوقهم الشخصي وتعبيرهم الفردي، ما يسهم في تطوير قدراتهم الفنية والإبداعية وتعزيز الاستقلالية واتخاذ القرار».
يترك بعض المدارس في الخارج للطلبة، وبالأخص خلال المراحل الدراسية الأولى، حرية اختيار الزي وحتى إضافة بعض الألوان المعفمة بالحياة.
ففي أمريكا، تلزم بعض المدارس الطلاب بزي مدرسي موحد وتتفاوت هذه الإلزامية بين المدارس الحكومية والخاصة، وهو ما ينطبق على أوروبا وغيرها من الدول، إلا أنه بالمجمل التوجه إلى إلزامية الزي المدرسي الموحد أمر غالب لاعتبارات تنطوي تحت شعارات العدالة والمساواة.
من جهتها ، تعتبر إنعام الشيخ قاسم، معلمة، أن الحديث عن الزي المدرسي هو «نوع من النقاش بالقشور التربوية»، «أجد أن الحرية تترك للمدرسة في اعتماد زي موحد من عدمه، والأهم أن الطالب يدرك قواعد الانتماء للمدرسة ضمن مجموعة ويحترم «إتيكيت» اللبس المدرسي في سياق تعلم القوانين والقواعد، دون الانتقاص من حرية الطفل وكرامته وحقوقه».
لا تنظر إلى الزي المدرسي كـ«عامل رئيسي» في المعادلة التعليمية «سواء كان الطالب يرتدي الزي المدرسي أو زياً مختلفاً، الأهم أن يعتني بنظافته ويلتزم بقوانين المدرسة ولا يحق للمدرسة «معاقبته» بالطرد خارج الصف والتهديد بعدم استقباله كون هذا البعد يؤثر فيه نفسياً، ومن الضروري توافر مرونة في التعامل مع هذا البعد. فالمساواة التي يتحدث البعض أنها تتحقق بوحدة الزي المدرسي لا تكمن في فرض لباس موحد، بقدر الذهاب للأبعد عبر توفير لكل طفل حقوقه في التعليم واللعب والتعبير عن الرأي».
من مدرسة «عقول حرة».. زي غير موحد
في الإطلالة على نماذج استثنائية، نطل على تجربة إحدى المدارس اللبنانية وهي «عقول حرة» التي تقدم تجربة رائدة على مستوى النظام التربوي الحديث والمنهج غير التقليدي وإحدى سمات هذه النظام هو «تحرير الطلاب من إلزامية الزي المدرسي ومن التفكير النمطي أيضاً».
تقول هيام فقيه، مساعدة المديرة في المدرسة، «تترك مدرستنا الحرية للطلاب في ارتداء ما يرغبون فيه، بعيداً عن تنميطهم بزي مدرسي موحد. نحن نبحث عن التنوع ونرفض الأنظمة التعليمية التي ترغب في استنساخ الطلاب في قالب واحد، ما يؤدي إلى قتل التنوع والإبداع عند الطالب».
تحاول فقيه بلورة الانعكاسات الإيجابية لهذا التوجه «نحاول استثمار الغنى والتنوع والاختلاف منطلقاً لآفاق تفكير حرة عند الأطفال ونرسي لديهم مفهوم احترام الآخر في كل ظروفه الاجتماعية والاقتصادية واختلافاته العقائدية، ورسالتنا الأساسية هو بناء جيل إنساني قدر الإمكان ومسؤول ومواطن فاعل يحترم نفسه والآخر بكل المعايير».
توجز بالنسبة لنا، المدرسة تنتهج نمط التربية الحديثة، حيث لا نريد أن يكون الطلاب كلهم «نسخة متشابهة» لكون الحديث عن الزي وربطه بالمساواة المجتمعية كلها تحليلات أثبتت عدم جدواها ولم نصل إلى هدفنا في تأسيس مجتمع واعٍ، بعيد عن التنميط».
* تصوير: السيد رمضان ومن المصدر