من الآراء المزيفة إلى استنساخ الوجوه.. اكتشف الحيل التسويقية في الـ«سوشيال ميديا»

تتطور الحيل التسويقية عبر الـ«سوشيال ميديا» لدرجة «التخفي» خلف خوارزميات ذكية، أو وراء محتوى «غير حقيقي»، أو حتى «توليد» آراء مزيفة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتصل إلى «إبداع» وجوه مزيفة على شكل عملاء حقيقيين.
في هذا التحقيق، نكشف المستور خلف هذه الحيل التسويقية وأساليب الخداع الذكي والممنهج الذي يؤثر في قراراتنا الشرائية دون أن نشعر، مع الإطلالة على كيفية التعامل بوعي مع تلك الحيل:

يكشف لنا رزق طرفة، مختص في الإعلام الرقمي وصانع محتوى في مهارات وخفايا التسويق والبيع، عن أبرز الحيل التسويقية والأساليب المبتكرة التي تهدف إلى دفع الجمهور للشراء بطرق غير مباشرة وأحياناً «غير شفافة» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويستعرض أهمها:
استخدام الإيحاء بندرة المنتج
تعتبر هذه الحيلة من الحيل التسويقية الأكثر شيوعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول رزق: «يتم إيهام المتابع بأن المنتج المعروض هو الفرصة الأخيرة للشراء، ويُكتب تحت المنتج عبارات مثل: «هذا المنتج سيصبح غير متوفر»
الترويج باستخدام وجوه وأصوات مزيفة عبر الذكاء الاصطناعي
يشرح رزق: «للأسف، أصبحت وسائل التواصل تعج بحالات استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) لاستنساخ وجوه الأشخاص واستبدال كلامهم بنصوص مُلقنة لهذه التقنية. يتم تصنيع ما يسمى «AI Twin»، وهو نسخة ذكية اصطناعية تحاكي صوت وشكل شخص مشهور أو خبير، لترويج منتجات أو خدمات معينة، لكن في الحقيقة ما تسمعه هو كلام مولّد بالذكاء الاصطناعي وليس حقيقياً».
سابقاً كان العميل يشارك رأيه لأنه يحب المنتج أو الخدمة، يوضح رزق ما يحدث حالياً: «الآن، يتّم استقدام أشخاص لا علاقة لهم بالمنتج ليقولوا عبارات إيجابية معينة مدربة مسبقاً. هذا ما يعرف بـ UGC، وهو محتوى يولده المستخدمون لكن بطريقة مخطط لها تسويقياً لجذب اهتمام الجمهور. الهدف هو خلق انطباع عام بأن المنتج محبوب ومستخدم من قبل عدد كبير من الناس، ما يحفّز الآخرين على الشراء».

إخفاء الإعلان ضمن المحتوى
يتجنب كثير من المؤثرين اليوم الإفصاح المباشر عن كون المحتوى إعلاناً، لأن الجمهور بات أكثر وعياً، يؤكد رزق طرفة: «ما إن يشعر المتابع بأن ما يُعرض إعلان، حتى يفقد ذلك جزءاً من مصداقيته، لذلك يحرص صناع المحتوى على دمج الإعلان داخل السياق الطبيعي. ولذلك، يتم تمرير الإعلان بشكل غير مباشر داخل المحتوى العادي، ما يجعل الرسالة تبدو طبيعية، وهذا ما أدرج بعضه ضمن ترند الإنبوكسينغ».
استخدام شخصيات وهمية مصنعة بالذكاء الاصطناعي
هذه الحيلة تعّد من أخطر الحيل الحديثة. يشرح المختص في الإعلام الرقمي: «يتم توليد شخصيات تبدو واقعية جداً عبر الذكاء الاصطناعي، تحمل ملامح بشرية ونبرة صوت حقيقية، وتنطق بكلمات محددة مسبقاً بحيث أصبح بالإمكان إنشاء شخصية افتراضية بالكامل، تتحدث أمامك وكأنها حقيقية، وتروج لمنتج معين، وهي في الأصل مجرد توليفة رقمية».
تكرار المحتوى الإعلاني عبر الريلز
تقنية فعالة في التسويق هي التكرار المستمر لنفس الرسالة من خلال عدة منشورات أو فيديوهات قصيرة (ريلز) على منصات التواصل، بحيث أشاهد صانع محتوى يتحدث عن منتج معين، فلا أشتريه لأني غير مقتنع. ثم يظهر صانع محتوى آخر يقول إنه استمتع بالمنتج، ثم ثالث، ورابع. يلفت رزق: «هذا التكرار يحفر الرسالة في العقل الباطن، ما يجعلك تشعر بأن هذا المنتج هو الأفضل، وأن الجميع جربوه، وأنك يجب أن تجربه، وغالباً ما يكون هذا جزءاً من خطة تسويقية مدروسة بعناية».
يقر رزق طرفة أنّه «في أغلب الأحيان، لا تهدف هذه الحيل التسويقية إلى خدمة المستهلك، بل للبيع والبيع فقط»، ويستشرف الاستهداف الدقيق للإعلانات من خلال الخوارزميات وأنظمة الذكاء الاصطناعي حيث «أعلنت شركة «ميتا» مؤخراً عن أدوات ذكاء اصطناعي جديدة ستجعل الإعلانات تصل بدقة إلى الجمهور المهتم فعلاً، إذ عندما تبحث مثلاً عن السفر إلى تركيا تبدأ برؤية إعلانات الفنادق والمطاعم والطيران هناك، لأنك ذكرت كلمات مفتاحية».

ورش وفعاليات للتسويق
إذاً، وفي زمن أصبحت فيه الحيل التسويقية مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وبصور وهمية تحمل ملامح بشرية، بات من الضروري التسلّح بالوعي الرقمي والتحقق من المعلومة قبل الإقبال على أي منتج أو خدمة.
وفي هذا الصدد، تتوقف إحدى المختصات في التسويق الإلكتروني عند إحدى الحيل التسويقية الحديثة والفعالة التي يعتمد عليها كثير من المسوقين في الوقت الحالي وتتمثل في «تنظيم فعاليات متخصصة تستهدف الجمهور بشكل مباشر، سواء عبر الإنترنت أو بشكل حضوري. تعرف باسم «ويبينار» (Webinar) أو ورش العمل الإلكترونية المجانية، أو قد تكون فعاليات حضورية تُقام في أماكن معينة مع دفع رسوم محددة للمشاركة».
تشرح المختصة: «يتيح هذا الأسلوب للمسوق أو صاحب العلامة التجارية تحقيق هدفين رئيسيين: الأول هو جمع بيانات دقيقة ومفصلة عن المشاركين، وتُستخدم لاحقاً لتحليل الجمهور وفهم اهتماماته بشكل أفضل، ما يساعد في توجيه الحملات التسويقية بشكل أكثر دقة وفاعلية. والهدف الثاني هو استغلال اللحظة المباشرة لجذب المشاركين وإقناعهم بشراء المنتج أو الخدمة أو الاستفادة من العرض المقدم خلال الحدث نفسه، حيث يُعلن أن العرض سارٍ لفترة قصيرة جداً، مثلاً «ينتهي غداً فقط» أو «في هذا الحدث فقط»، ما يدفع الجمهور إلى اتخاذ قرار سريع بالشراء خوفاً من فقدان الفرصة».
تشدّد المختصة في التسويق الإلكتروني على أن «الغاية من هذا الأسلوب أن يشعر المستهلك بأن عليه اتخاذ القرار فوراً، ويُستفاد من شعور المستهلك بأنه «مُستثنى» أو «مُميَّز» للحصول على هذا العرض، في حين أنّها في الواقع حيلة شائعة الاستخدام تهدف إلى تسريع قرار الشراء».
وتوجز: «فقد لوحظ، وخاصة بعد جائحة كورونا، أن هذه الأساليب تُدمَج باستمرار ضمن الفعاليات، سواء كانت رقمية أو حضورية، وهذه «الحيلة» الإعلانية تحقق نتائج واضحة للعلامة التجارية، وإذا أُتيحت لي الفرصة لتنفيذ مثل هذا النوع من الإعلانات، بالتأكيد سأقوم به».

«لابوبو».. مثال لسيكولوجية الاستهلاك
إذاً، لم يعد استهلاكنا للمنتجات مجرد استجابة لحاجة، بل تحول في جزء منه إلى البعد النفسي في ظل أساليب تسويق متطورة تُخاطب عواطف المستهلك مباشرة. وهنا يتجلى دور التسويق العصبي من خلال اللعب على مشاعر القبول والانتماء، وتعّد ظاهرة «لابوبو» مثالاً حياً لهذا النوع من التسويق الموجّه الذي «يدغدغ» العاطفة والهوية.

تتوقف الدكتورة شاكيل أجنيو، دكتورة في علم النفس بجامعة هيريوت وات دبي، عند التأثير السلبي لاتباع الصيحات، قائلة: «يتم تشكيل أذواقنا بطرق خفية، وتوجيه رغباتنا دون وعي، وغالباً من خلال القوة الإقناعية التي نجدها على وسائل التواصل الاجتماعي، والمثال هو موضة سلسلة مفاتيح «لابوبو» (Labubu)، دمية محشوة تبدو بريئة تحولت إلى إكسسوار فاخر بعد أن ظهرت بها مؤثرات وشخصيات مشهورة. في الأصل، كانت «لابوبو» شخصية فنية ابتكرها الفنان كاسينغ لونغ، لكنها أصبحت رمزاً شائعاً في عام 2024 بعد أن شوهدت «ليسا» من فرقة بلاك بينك وهي تحمل واحدة معلقة على حقيبة يدها الفاخرة. منذ ذلك الحين، اندلع طلب شديد عليها، ورغم أن هذه الظاهرة قد تبدو طريفة إلا أنها تعكس قضايا أعمق في استهلاك العصر الرقمي، حيث أصبحت الهوية والانتماء ورأس المال الاجتماعي مرتبطة بشكل متزايد بصيحات تقودها الخوارزميات والمؤثرون».

تعترف بأن وسائل التواصل الاجتماعي أعادت تشكيل سيكولوجية الاستهلاك بشكل عميق، وتشرح: «يستغل المؤثرون العلاقات شبه الاجتماعية - وهم الألفة مع المتابعين (هوفنر وبوند، 2022)، لتعزيز الارتباط العاطفي والثقة، ما يخلق أرضاً خصبة للتسويق المقنع، إلى جانب الآثار المسببة للقلق أو الفومو (الخوف من تفويت الفرصة)، بحيث تشجع هذه الديناميكية الأفراد على الانخراط في استهلاك سريع مدفوع بالاتجاهات للحفاظ على شعور بالأهمية والاندماج».
وتوضح د. أجنيو: «جوهر هذا السلوك هو مفهوم الاستهلاك الملحوظ، الذي صاغه فيبلين لأول مرة، والذي يشير إلى شراء وعرض السلع ليس لقيمتها الوظيفية، ولكن لأنها تساعد على الإشارة إلى مكانة اجتماعية، أو هوية معينة، أو للشعور بالانتماء. قدم فيبلين المصطلح في الأصل لوصف شراء وعرض السلع الفاخرة الباهظة الثمن للإشارة إلى الثروة. ومع ذلك، وجدت الأبحاث (وانغ وآخرون، 2021) أن الأشخاص ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذاتي المنخفض غالباً ما يكونون أكثر تعرضاً للانخراط في الاستهلاك الملحوظ بحيث لا يتعلق الأمر بالثروة فقط، بل يتعلق بالرغبة في اختيار صورة معينة».
الهوية والانتماء ورأس المال الاجتماعي باتت مرتبطة، بشكل متزايد، بصيحات تقودها الخوارزميات والمؤثرون
تُجسّد صيحات مثل دمى «لابوبو» هذا المفهوم. تفنّد دكتورة علم النفس أبعاد «هذا الاجتياح» لتلك الدمية كمثال: «فما يبدأ كتعبير فردي يتحول بسرعة إلى سلوك جماعي؛ ما يبرز مفارقة في صميم الاستهلاك الاستعراضي في العصر الرقمي وهي السعي وراء التميز من خلال السلع الاستهلاكية لتعزيز التماثل والهويات الأدائية. ولتلبية الارتفاعات المفاجئة في الطلب تُسرّع الشركات الإنتاج الضخم، وغالباً على حساب الممارسات المستدامة، ويؤدي الأمر إلى هدر مفرط، وتوريد غير مسؤول. وفي حالة سلاسل مفاتيح «لابوبو»، يُشجع استخدام التغليف المُغلق على تكرار الشراء، ما يؤدي إلى زيادة في معدل الهدر وإفراط في الاستهلاك».
تخلص د. أجنيو إلى التحليل: «تمارس هذه الصيحات ضغطاً نفسياً قوياً، لا سيما على الشباب. فقد يشعر المراهقون بالإقصاء أو حتى بالتنمر لعدم مواكبتهم أحدث الصيحات، ما يُحوّل الاستهلاك إلى مؤشر على المكانة الاجتماعية، ويضخّم هذا التغيّر المستمر في الصيحات دورات المقارنة والقلق والشراء القهري، بحيث يُفرّق بين قيمة الذات والقيم الجوهرية، ويُرسّخها بمعايير خارجية».
وتوجز دكتورة علم النفس: «تبدو سلسلة مفاتيح «لابوبو» جذابة، لكن انتشارها الواسع يُمثّل دراسة حالة حول كيفية تلاعب الصيحات الحديثة بالسلوك، واستنزاف الموارد، وتعزيز الضغوط الاجتماعية. ومن خلال فهم الآثار الواسعة يُمكننا الانتقال من الاستهلاك الانفعالي إلى خيارات أكثر وعياً».