«إنفلوأنسر أرابيا» يعيد صياغة الشراكة مع صنّاع المحتوى في العصر الرقمي

ما الذي يُحرّك قرارات صناع المحتوى اليوم؟ هل ما زال عدد المتابعين والحوافز المالية هو كل ما يهم، أم أن المعايير بدأت تتغير؟
في ظل التحولات السريعة التي يشهدها عالم التسويق عبر المؤثرين أطلقت شركة ويبر شاندويك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا النسخة الثانية من تقرير «إنفلوأنسر أرابيا» (InfluAnswer Arabia)، لتقديم نظرة شاملة من قلب المشهد الرقمي، انطلاقاً من تجارب وآراء صناع المحتوى أنفسهم. وقد رصد التقرير أبرز الاتجاهات، وكشف عن تحوّل ملحوظ في أولويات المؤثرين، حيث لم تعد القناعة الشخصية وحدها في الصدارة، بل صعدت سمعة العلامة التجارية لتكون بين العوامل الثلاثة الأكثر أهمية في قرارات التعاون، متجاوزة للمرة الأولى الحوافز المالية، في دلالة واضحة على تنامي الوعي بالقيم والمصداقية.

تفوّق قيمة المحتوى على عدد مشاهديه
وبمناسبة إعلان نتائج التقرير، علّقت صانعة المحتوى رشا البيك في حديثها «لكل الأسرة» على أبرز المحاور التي تناولت عمل صناع المحتوى، وقالت: «كنت في البداية أعتبر عدد الإعجابات والمتابعين هو المقياس الحقيقي للنجاح على الـ«سوشيال ميديا»، لكن مع الوقت بدأت أنظر إلى الأمر بشكل مختلف. اليوم، أقيس نجاحي من خلال القيمة التي يقدمها المحتوى، وحجم التأثير الذي يتركه الفيديو في المتابعين، حتى لو لم يحقق أرقاماً ضخمة. صرت أركّز على تقديم محتوى حقيقي يعكس أفكاري وتجربتي، وليس مجرد ما يُرضي الخوارزميات».

ضرورة فهم الاتجاهات القادمة في صناعة المحتوى
من جهته، يرى صانع المحتوى عبدالله الرئيسي أن من المهم أن يكون هناك تواصل فعّال ومستمر بين صناع المحتوى من جهة، والحكومات والشركات الخاصة من جهة أخرى، ويقول: «نعيش في زمن تتغير فيه معايير التأثير وصناعة المحتوى بشكل سريع. الحوار بين هذه الأطراف ضروري لفهم الاتجاهات القادمة، وتحديد الأدوار بوضوح، ومعرفة كيف يمكن للمؤثر أن يكون شريكاً في رسم مستقبل هذه الصناعة، لا مجرد ناقل لمحتوى لحظي».

تحديات العلامات التجارية ومخاوف
وقد لفتت صانعة المحتوى راما مراد إلى أحد التحديات التي يواجهها صناع المحتوى، وأوضحت قائلة «من أبرز التحديات التي نواجهها اتخاذ قرار بعدم التعاون مع علامات تجارية تتبنى مواقف لا تتماشى مع قناعاتنا. الأمر يتطلب الكثير من الحذر والبحث عن بدائل تحمل قيماً حقيقية وتقدم فائدة حقيقية للجمهور، وهذا ليس سهلاً دائماً. في الوقت نفسه، هناك قلق متزايد بيننا من تطور الذكاء الاصطناعي، فالخوف موجود من أن يحل محلنا يوماً ما، خاصة إذا بدأت المنصات تعتمد على أدوات قادرة على إنتاج محتوى يبدو بشرياً، لكن دون روح أو تجربة شخصية».

الذكاء الاصطناعي.. أداة للتمكين رغم القلق من التزييف
وعلى الرغم من مخاوف راما مراد فقد كشف تقرير «إنفلوأنسر أرابيا» في نسخته الثانية عن تحوّل ملحوظ في مواقف صناع المحتوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تجاه الذكاء الاصطناعي، حيث أظهر 49% منهم تفاؤلاً باستخدام هذه التقنية، مقارنة بـ29% في العام الماضي، ما يشير إلى انتقالهم من مرحلة الحياد إلى التبني الإيجابي. كما أبرز التقرير أن غالبية المؤثرين باتوا يرون في الذكاء الاصطناعي وسيلة لتعزيز الإنتاجية، من خلال أتمتة المهام الروتينية والتركيز على الإبداع وسرد القصص. لكن في المقابل، أبدى 41% من المشاركين قلقهم من ظاهرة «التزييف العميق» وتأثيراتها المحتملة في المصداقية.

ماذا يريد صانعو المحتوى فعلاً؟
وفي بداية حديثنا مع غالب زيدان، المدير التنفيذي لشركة ويبر شاندويك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، طرح السؤال التالي: ما الذي يريده صانعو المحتوى فعلاً؟ وقال: «سؤال طالما غاب عن أجندات الشركات والمؤسسات التي اعتادت أن تُملي على المؤثرين ما يجب أن يقدّموه، دون أن توفّر منصة أو وسيلة حقيقية تُنصت لما يبحثون عنه هم، أو تتفاعل مع تطلعاتهم من الداخل. ولعلّ ما يميز النسخة الثانية من تقرير «إنفلوأنسر أرابيا» هو أنه من أولى المحاولات الجادة لفهم مشهد صناعة المحتوى من وجهة نظر صُنّاعه، لا من أبراج المراقبة التسويقية».
التقرير يقدم قراءة معمّقة لتحولات القطاع، ويعكس تطوراً واضحاً في رؤى صانعي المحتوى، الذين لم يعودوا يقيسون النجاح بعدد المشاهدات فحسب، بل بنوعية الرسائل التي يوصلونها، وشكل العلاقة التي يبنونها مع الجمهور والعلامات التجارية. وتُبرز نتائج التقرير تحوّلاً في توجهات صناع المحتوى، يتمثل في التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتنامي أهمية التفاعل الإنساني خارج العالم الرقمي، إلى جانب استكشاف صيغ جديدة للمحتوى.
وأضاف: «لم تغب المنافسة الخليجية عن مشهد التأثير، حيث أظهر التقرير أن 77% من صناع المحتوى يرون أن دول مجلس التعاون الخليجي تقود التحوّل الإيجابي في مجالي السياحة والترفيه، مع تصدّر دولة الإمارات بنسبة 45%، تليها السعودية بنسبة 26%، ثم لبنان بـ10%».
في الوقت نفسه، بدأت أنماط جديدة من المحتوى تفرض حضورها، إذ لم يعد المحتوى القصير وحده كافياً لترك أثر حقيقي، حيث أفاد 48% من المشاركين برغبتهم في دخول عالم البودكاست، و11% أكدوا أنه أصبح جزءاً أساسياً من استراتيجياتهم، بينما شارك 60% منهم خلال العام الماضي محتوى يتناول قضايا شخصية تعبّر عنهم وتلامس جمهورهم.