18 يونيو 2025

«لابوبو»...دمية تعبث بعقولنا و«ترند» يجرّنا للفراغ

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

مؤخراً، غزا ترند «لابوبو» منصات التواصل الاجتماعي، وطوابير طويلة من المشترين وقفت لساعات في المراكز التجارية لشراء لعبة «لابوبو»، في رحلة مواكبة لـ«الترند» والتماهي مع آخر مستجدات «الضجيج الرقمي» حول منتج معين أو فكرة أو حتى دمية.

من سوق إلى آخر، بدا بعض الأهالي منساقين إلى الدخول في «معركة» للحصول لأبنائهم على «لابوبو» بأسعار مرتفعة وبأشكال متنوعة، وتحوّل ترند «لابوبو» إلى «ظاهرة» شرّعت أبواب النقاش حول الاستهلاك غير الواعي واللهث وراء «دمية قبيحة»، كما يصفها البعض، في حين أبدى كثيرون قلقهم حول سلم القيم السائدة في بعض الأسر، وطرح أسئلة عميقة حول كوننا «أسرى» للترند.

«كل الأسرة» رصدت آراء شرائح مختلفة حول «لابوبو»، وسألت: هل هو مجرد «ترند عابر»، أم أنه يعكس فراغاً نفسياً أعمق؟ سؤال تطرحه تجربة «لابوبو» وغيرها من الظواهر الرقمية التي تكتسح المنصات في دقائق، وتتبخّر قبل أن نفهم المغزى منها.

مجلة كل الأسرة

يلفت البعض إلى ما يعرف بـ«فقدان البوصلة»، حيث تعكس تلك الدمية «لابوبو» حالة من الضياع القيمي التي يعيشها البعض.

تؤكد زينب علي، مؤثرة وصانعة محتوى، أن دمية «لابوبو» قد أخذت حجماً يفوق ما تستحقه: «فالحديث المستمر حول هذه اللعبة هو تضخيم مفرط لظاهرة عابرة، في وقت نحن، جيل الطيبين، كان عندنا أكثر من لابوبو». وتضيف ضاحكة: «كان لدينا «كرومبا» حين كنا صغاراً، ثم تلتها موضة «ترول» ولا تقل غرابة عن «لابوبو» اليوم. لكنني أشعر بأن «لابوبو» موضة مرعبة بالنسبة لي، وشكلها يثير الخوف أكثر من البهجة».

تتوقف زينب عند بداية اطلاعها على هذه الدمية: «عندما رأيت «لابوبو» للمرة الأولى ابتسمت ولكني شعرت بخوف داخلي، شعرت بأني لا أستطيع أبداً أن أقدّمها لابني على أنها لعبة.. وجدت «لابوبو» في السوق «الصيني» بسعر 20 درهماً فقط ولم أُقدم على شرائها».

مجلة كل الأسرة

وبين الهروب والبحث عن الترفيه تحلّل المؤثرة زينب علي الظاهرة من جانبين: «الجانب الأول: أن بعض الناس يعتمدون هذا البعد كوسيلة للهروب من الواقع، ومحاولة لملء وقت الفراغ بأي شيء مسلٍّ أو مختلف، حيث هناك من يسعى لأن يشغل ذهنه بأي شيء يبعده عن الواقع المرهق والضاغط، وحقيقة جميعنا نحتاج في أوقات كثيرة إلى أن «ننفصل» عن واقعنا قليلاً، في حين أن الجانب الآخر من المعادلة يجسد صورة أفراد يسعون لاتباع الـ«ترند» ويركضون وراءه، والترويج لأي فكرة دون التنبه لأي أبعاد أخرى، وكل ما في الأمر هو أن بعض المشاهير أو المؤثرين اقتنوا تلك الدمية، فلا بد من اقتفاء أثرهم وتقليدهم تقليداً أعمى دون طائل».

بعضنا يشتري لابوبو للتسلية والهروب من الواقع.. وآخرون يفعلون ذلك لأنّ المؤثرين فعلوا.

إذاً، إذا أردنا إيجاز الواقع القائم فإنّ هناك من يشتري «لابوبو» بدافع الترفيه والهروب من الواقع، وهناك من يفعل ذلك بدافع التقليد، والرغبة في اللحاق بأي شيء جديد، ولو كان بلا معنى. تشير زينب إلى أنّه «في الحالتين، نحن نركض دون وعي خلف موجات آنية، بحثاً عن لحظة تسلية أو شعور بالانتماء للترند وبـ«سعر مكلف» أيضاً».

الـ«ترندات» تحكم الواقع الرقمي

بدورها، تؤكد الصيدلانية حلا موسى أن «الترند أمر لا بد منه لكل متابعي وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة بين الفئات العمرية ما بين 20 إلى 35 عاماً»، مشيرة إلى «أن الترندات باتت تحكم واقعنا الرقمي».

يفتح هذا الرأي الباب واسعاً حول علاقتنا بالمحتوى الذي نستهلكه ونشاركه على المنصات الاجتماعية، توضح حلا: «على صفحتي الشخصية قد أهرع وراء الترند أحياناً، وفي أحيان كثيرة لا أدير بالاً للترندات. على سبيل المثال: ترند «لابوبو» لا يمثلني ولا يشبهني، وربما يناسب فئة عمرية أصغر مثل ابنتي»، مشيرة إلى «هروع بعضنا نحو الترند تحت تأثير السوشيال ميديا».

ولكن هل نملأ الفراغ عبر الترند أو نحاول التعويض عما نفتقده؟ تجيب حلا بحسم: «سطوة السوشيال ميديا وتأثيرها القوي هي السبب والعامل الرئيسي، حيث تصور منصات التواصل الاجتماعي حاجة الأفراد إلى التجديد المستمر ومواكبة كل جديد، وبالتالي ملاحقة الترندات والسعي وراء المؤثرين وما يسوقون له من «ترندات» لمجرد المشاركة لا القناعة»، وتخلص إلى تأكيد أن منصات التواصل الاجتماعي ولّدت لدى الناس رغبة ملحة في التجدد والتحديث، فقط من أجل الظهور أو الركض خلف ما يتم التسويق له.

مجلة كل الأسرة

ترند «لابوبو»... ظاهرة تقليد جماعي

تنتقد الشابة أسماء الهاشمي، إماراتية، ظاهرة «لابوبو» وهذا الإقبال غير المسبوق على شراء الدمية: لم يعجبني ترند «لابوبو». أشعر بأنه لا ينسجم مع الذوق العام ولا مع أي مضمون جمالي، حتى أن شكلها «سيئ ومخيف».

تتوقف أسماء الهاشمي عند ظاهرة لافتة لاحظتها في الطوابير التي اصطفت في الكثير من المراكز التجارية للحصول على هذه الدمية: «في رأيي الشخصي، أشعر بأن الأفراد باتوا يقلدون بعضهم بعضاً بطريقة سطحية وغريبة، فقط لمجرد مواكبة الجو العام ودون تفكير حقيقي».

ورغم انتقادها بعض التصرفات المرتبطة بالـ«ترند» فإن أسماء الهاشمي لا ترفض الـ«ترندات» بشكل عام، بل تؤمن بضرورة اختيار المحتوى بعناية: «أنا لست أسيرة للترند، لكنني لست ضدّه. إذا كان الترند جميلاً ويحمل قيمة فنية أو فكرية فأنا أتابعه، أما إن كان سطحياً وفارغاً فلا أجد نفسي فيه».

يعكس رأي أسماء الهاشمي نمو الوعي النقدي لدى جيل الشباب، الذين بدؤوا يعيدون النظر في طبيعة المحتوى الذي يتابعونه على مواقع مثل تيك توك وإنستغرام، بحيث تدعو إلى «التمييز بين الترند الهادف والترند الفارغ، والابتعاد عن المجاراة والتقليد الجماعي».

مجلة كل الأسرة

هروب من الواقع

من جهتها، تعبّر الشابة ملاك أحمد، إماراتية، عن موقفها الواضح والرافض لشراء دمية «لابوبو» أو اقتنائها، معتبرةً أنها تحوّلت إلى «وسيلة يستخدمها البعض كأداة بديلة للتعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم النفسية، بدلاً من مواجهة الواقع والتعبير عن الذات بطرق حقيقية».

تقول: «أنا ضد فكرة «لابوبو» تماماً، حتى لو بدا شكلها جميلاً. أشعر بأن البعض يحاول من خلالها أن يربط نفسه بشيء خارجي فقط لكي يشعر بالانتماء أو يعبّر عن مشاعره بطريقة غير مباشرة. بالنسبة لي، هذا ليس حلاً بل هروب». وتحسم: «لن أشتري «لابوبو»، لا الآن ولا لاحقاً. لا من حيث الشكل ولا الفكرة. حتى لو كان تصميمها جاذباً، فأنا أراها رمزاً لشيء أكبر يتعلق بالوعي الذاتي. أؤمن بأن الإنسان يحتاج إلى وعي حقيقي في اختيار ما يعكس شخصيته»، لافتة إلى أن «امتلاك الوعي هو ما يجعلنا نختار ما يناسبنا فعلاً، لا ما يُفرض علينا تحت اسم الترند أو الموضة».

ولكن الواقع أن ما تفرضه الـ«سوشيال ميديا» من منتجات وأفكار بأساليب ومغريات لا يمكن كشفه بسهولة، وتؤكد ريما (ترفض ذكر اسمها كاملاً)، مختصة في مجال التسويق الإلكتروني والإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الناس هم من يهرعون للتعلق بشيء ما، سواء شخصية أو فكرة: «فهذه اللعبة باتت مشهورة مع الوقت، وبالتالي فإن الأفراد باتوا يسعون لاقتنائها بغض النظر عن سعرها وشكلها، والأهم هو الحصول عليها كنوع من إرضاء النفس والتمظهر».

تلفت ريما إلى أن «الترندات الناجحة لا تعتمد فقط على تصميم الإعلان أو ذكاء الحملة، بل على فهم نقطة الضعف أو الحاجة العاطفية عند الجمهور. كمسوّق، يجب أن تكون ملماً بالأمور التي تتعلق بها الناس، فلا تروّج منتجاً، بل تروّج شعوراً، بحيث لا نربط الترويج بالفراغ الذي يعيشه البعض كون ثمة شخصيات ذات مكانة مهمة في المجتمع وتعيش في خضم العطاء والإنتاج وتهرع نحو اقتناء لعبة كـ«لابوبو»، وحتى تنشر «بوستات»عن «لابوبو» وتهرع لشرائها».

تجسد آراء ريما التحول المهم في مفاهيم الإعلان المعاصر، حيث «المنتج لم يعد هو البطل، بل الشعور الذي يمنحه للمستهلك: شعور بالانتماء، أو التميز، أو حتى مجرد إثبات الحضور»، لافتة إلى أن اللعبة هذه المرة لم تكن بحاجة إلى حملات مدفوعة لتنتشر: «ترند «لابوبو» لم ينتظر المؤثرين للترويج له. فاللعبة ذاعت شهرتها، والسوشيال ميديا لحقت الحدث فقط، ولم تصنعه». موجزة: «حتى لو أن الأمر شابه مبالغة أو استغلال، فإنّ كل ما يحصل للجذب ولفت الأنظار ليس إلا».

مجلة كل الأسرة

إذاً «لابوبو» لم تعد مجرد دمية نقتنيها بقدر ما تعكس واقعاً اجتماعياً نعيشه يتمثل في الاستهلاك غير الواعي أحياناً، وملاحقة الـ«ترندات» بلا تفكير، في ظل انجراف جماعي نحو شراء منتج أو تبني فكرة دون رصد أبعاد الأمر أو حتى السؤال عن «مدى تناسب» هذا الأمر مع قيمنا وأخلاقياتنا.

من المسؤول عن الاستهلاك السطحي؟

ترفض الكوتش ريفين دياب، كوتش التطوير والتعلم المستدام، الـ«ترند» بكليته، لافتة إلى التغيرات المتسارعة لدى الأجيال الحالية: «جيل أبنائنا تغيّر. لم يعد يتحمّل الانتظار، وأصبح كل شيء عنده يُقاس بالوقت. فقد تتحدثين إلى ابنك لأكثر من دقيقة وتجدينه يتململ، ويطلب منك أن «تنجزي»، يريد أن ينهي الحديث بأسرع وقت، وهؤلاء هم أبناء السرعة».

وتوضح: «أبناء السرعة هؤلاء هم الآن بلا هدف و بلا وعي حقيقي، ويسيرون فقط مع التيار». محمِّلة الأسر والمجتمعات جزءاً من المسؤولية: نحن سمحنا لهذا الشكل من الاستهلاك السريع بأن يصبح هو القاعدة. بتنا نردّد «خلّص بسرعة»، حتى تحوّل أطفالنا إلى متلقّين بلا تفكير، ومتابعين لا يتحرون وراء أي ظاهرة»، وهذا انعكاس حقيقي لما نعيشه، حيث جيل يلهث وراء «الفيديو التالي»، ولا يطيق الصبر، ما يكشف أزمة وعي في زمن «ترندات السخافة».

لم يعد أبناؤنا مستقلين في اختياراتهم، بل تحوّلوا إلى "قطع تنفيذية" تستجيب تلقائياً لأي منتج يُطرح في السوق.

في رأي ريفين دياب، فإنّ المسألة تتعدى إطار التسلية، وتمسّ جوهر الواقع الذي نعيشه اليوم؛ واقع تضرب فيه السطحية أعمق جذورنا التربوية والثقافية: «كشعوب، ننجرف مع السائد، ونتصرّف بعقلية «القطيع»، نستهلك ونشارك دون أن نعي، ودون أن نفهم الفائدة أو الغاية من وراء هذه الموجات التي لا تنتهي. كل مرة تظهر فكرة جديدة أو منتج غريب، نراها تتحوّل إلى موجة جماعية، يتبعها الجميع بلا تفكير. وأولادنا، للأسف، باتوا جزءاً من هذا السلوك، يقلّدون، ويتبنون، ويُصبحون تابعين لا رأي لهم ولا موقف. أولادنا في قبضة السوق، وما يحصل اليوم هو أقرب إلى عملية غسل دماغ جماعية، بحيث لم يعد أبناؤنا مستقلين في اختياراتهم، بل تحوّلوا إلى «قطع تنفيذية» تستجيب تلقائياً لأي منتج يُطرح في السوق».

وتشرح: «يكفي أن يظهر شيء جديد حتى يتحوّل إلى مطلب عاجل وضروري، بغض النظر عن محتواه أو جدواه. بالنسبة لي، لا يمكنني الانقياد وراء الترندات، ولا أشتري «لابوبو» ولو بسنت واحد، لأن هذه اللعبة، ببساطة، لا تحمل أي قيمة. لا في شكلها، ولا في مضمونها، ولا في الهدف من ورائها. والمؤسف أن أولادنا يُقبلون عليها دون تفكير، فقط لأنها منتشرة».