الطيار خالد البناي: الطيران جعلني أقدّر تنوّع الثقافات والمناظر حول العالم

في سماء الطيران الواسعة، بزغ نجم الطيار الإماراتي خالد البناي، كنموذج ملهم، يجسّد شغف الطيران، وروح الاكتشاف لديه. وبخبرة راسخة نسجت خيوطها بين السحب والمطارات على مرّ السنوات، لم يقتصر دور الكابتن خالد على قيادة الطائرات بمهارة واقتدار، فحسب، بل امتدّ ليقدم رؤية فريدة وثاقبة لعالم السياحة والسفر مستمدة من موقعه المميّز في قمرة القيادة.
في هذا الحوار، نُحلّق مع الكابتن خالد عبدالقادر البناي، لنتعرّف إلى بداياته في مجال الطيران، والتحدّيات التي واجهته، وأبرز المحطات في مسيرته:

هل كان الطريق ممهّداً لك للالتحاق بعالم الطيران؟
عندما دخلت في البداية، لم يكن الأمر سهلاً، ففي الوقت الذي التحقت به كان التدريب في أكاديمية الإمارات لتدريب الطيارين يتم في إسبانيا، حيث كنا نسافر لكل مستوى تدريبي هناك. أما اليوم، فالتدريب في دبي، حيث يوفر برنامج الطيارين للمواطنين فرصة مضمونة للانضمام إلى للعمل في طيران الإمارات بعد التخرّج، حيث يتم تعيين الخريجين مباشرة للعمل على أسطول الناقلة الحديث. ويمتد البرنامج على مدة تقارب الأربع سنوات، ولكن من وجهة نظري ما ساعدني هو الشغف، فقد كنت أحب الطيران، وبذلت أقصى جهدي لأحقق هذا الحلم.

ما التحدّيات والتضحيات التي تواجهها؟
هناك تحدّيات، ولكنها ليست مستحيلة، تحتاج إلى الالتزام فقط، إلى أن تحب المجال، وتضحّي لأجله، مثل الغياب عن المناسبات العائلية. لكن في المقابل، أيام وجودي في البيت من أفضل الأوقات بالنسبة لي. التفكير في التنظيم، الجدول يتغير حسب الرحلات، فنحن نطير تقريباً 80 إلى 90 ساعة في الشهر، وهناك قوانين تنظيمية صارمة، مثلاً: بعد كل رحلة لا يُسمح لي بالطيران قبل مرور 12 ساعة. ويصل الحد الأقصى إلى نحو 100 ساعة، شهرياً.

ما المسؤولية التي تشعر بها تجاه عملك في شركة بحجم طيران الإمارات؟
العمل في مؤسسة عالمية مثل طيران الإمارات، مسؤولية وفخر. نحن نمثل «براند» عالمياً، وهذا يعني أننا دائماً تحت الأنظار، سواء من الزملاء، أو من الناس في المطار. الناس ينظرون إلينا كواجهة للناقل الوطني، هذا شيء جميل، لكنه يحتاج إلى التزام أكبر للحفاظ على هذه الصورة المشرفة، ومن الناحية المهنية، المؤسسة تدعمنا بفرص تطوير كثيرة، فهناك زملاء دخلوا مجالات السلامة، أو التدريب، أو الإدارة. فالمجال ليس مغلقاً على قيادة الطائرة فقط. كل شيء يعتمد على طموح الشخص.
كيف تغيّرت شخصيتك بعد عملك في مجال الطيران؟
أصبحت أقدّر النِّعم أكثر، أرى بلداناً وأشخاصاً، وتجارب تذكّرني بفضل الله عليّ. كل رحلة مختلفة، حتى لو للوجهة نفسها، فكل مرة أراها بنظرة مختلفة، وهذا التنوّع يجعل العمل ممتعاً.
هل تذكر رحلتك الأولى ككابتن طيار؟
أول رحلة لي كقائد طائرة، جلست في المقعد الأيسر، وكعادتي منذ أن كنت مساعد طيار، أدرت وجهي لليسار تلقائياً كي أستشير الكابتن.. وفجأة رأيت انعكاس وجهي في زجاج الطائرة. لحظتها فقط، استوعبت أنني أنا الكابتن الآن، أنا من يُسأل، ويُعتمد عليه. كان شعوراً لا يمكن وصفه.. مزيج من الفخر، والتواضع، والمسؤولية. لحظة قصيرة لكنها ستبقى محفورة في ذاكرتي ما حييت.

حدّثنا عن السياحة والسفر من خلال رؤيتك كطيار؟
كطيار، أعيش تجربة السفر بشكل مختلف، فقد بدأت أنظر إلى السفر ليس كتنقّل، بل كرحلة لاكتشاف الجمال المخفي خلف كل سحابة. الطيران جعلني أقدّر تنوّع الثقافات والمناظر حول العالم، وأصبح لكل وجهة مكان خاص في قلبي، قبل أن تطأها قدماي. منظر مدينة ما، من الأعلى يخلق داخلي رغبة قوية في اكتشافها عن قرب، مثل سياتل في الولايات المتحدة الأمريكية، بسحر طبيعتها، وتوازنها بين المدينة والخضرة، فقد وقعت في غرامها منذ أول رحلة طيران لي فوقها، وستوكهولم التي تجمع بين الحداثة والتاريخ، بهدوء لافت، أما أوسلو فقد أدهشتني بجمالها البسيط، وهدوئها النقي. كذلك المدن المغطاة بالثلوج، رؤيتها من الأعلى تثير رغبتي لزيارتها كسائح.
خلال رحلاتي، اكتشفت حقائق خالفت توقعاتي. مثلاً، كنت أظن أن نيروبي مدينة حارّة، لكنها استقبلتني بأجواء باردة، ومنعشة
ما الذي اكتشفته خلال رحلاتك حول العالم؟
خلال رحلاتي، اكتشفت حقائق خالفت توقعاتي. مثلاً، كنت أظن أن نيروبي مدينة حارّة، لكنها استقبلتني بأجواء باردة، ومنعشة. لهذا، أنصح كل مسافر أن يترك توقعاته جانباً، وأن يتأكد من كل التفاصيل بنفسه كي يتمكن من الاستمتاع، وخلق تجربة خاصة به. كما أتذكّر عندما كنت في كوبنهاغن، رأيت الناس ينزلون إلى النهر الجليدي في عزّ الشتاء كأن الأمر طبيعي تماماً، فقد دُهشت في البداية، ثم قرّرت أن أجرّب لاحقاً هذا النوع من التحدّي في حياتي اليومية، ووجدت فيه طاقة جديدة.
هل لديك نصائح سياحية لهذا الصيف؟
أنصح الناس بالسفر إلى الدول البسيطة، حيث يمكن للإنسان أن يختبر جمال الطبيعة، والتفاعل مع الحيوانات عن قرب، هذا النوع من السفر فيه راحة للنفس، وتجديد للطاقة. لكن في الوقت نفسه، لا بد من الحذر، وعدم المبالغة في المخاطرة. السفر متعة، لكنه يحتاج إلى وعي، وتقدير لحدود الأمان.
في النهاية، الطيران علّمني أن أكتشف عوالم مختلفة، من مدغشقر إلى الدول الاسكندنافية، من جنوب إفريقيا إلى أستراليا، وكل مكان له طابعه، وتجربته.

هل تذكر مواقف معيّنة خلال رحلاتك كطيار؟
من أجمل اللحظات اللي عشتها في مسيرتي كانت عندما فاجأت والدتي في المطار، عند عودتها من الكويت، انتظرت لحظة صعودها للطائرة، وطلبت منها بطاقة الصعود للطائرة، وكانت هذه المرة الأولى التي تراني في مكان عملي، وكانت مندهشة وفخورة جداً بي. واللحظة الثانية مع والدي، عندما كان على متن طائرة أنا أقودها، فاغتنمت الفرصة لأعلن عن نفسي عبر المذياع، وما إن نطقت بضع كلمات حتى تعرّف إلى صوتي، فقد فاجأته من قمرة القيادة، وحتى اليوم، لا يمكنني وصف مشاعري تجاه تلك اللحظات المؤثرة جداً في حياتي.
* تصوير: السيد رمضان والمصدر