10 أكتوبر 2024

من لاجئة سورية إلى كابتن طيار.. مايا غزال: التعليم هو مفتاح الخلاص للاجئين

محررة في مجلة كل الأسرة

من لاجئة سورية إلى كابتن طيار.. مايا غزال: التعليم هو مفتاح الخلاص للاجئين

هي قصة ملهمة عن المثابرة، والأمل، وكسر الحواجز، خاضت غمارها مايا غزال، أول لاجئة سورية تحصل على رخصة قيادة الطائرات لتحقيق شغفها بالطيران.

واجهت مايا غزال الكثير من التحدّيات بعزيمة لا تتزعزع، وتغلّبت عليها بالإيمان بقدراتها، لتكون ناشطة تدافع عن حقوق اللاجئين بتعيينها سفيرة النوايا الحسنة لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث تحدّت الصور النمطية، ودافعت عن الإمكانات غير المحدودة للاجئين في كثير من المحطات البارزة.

بين مسيرتها المهنية ككابتن طيار، ودورها كسفيرة للمفوضية للأمم المتحدة، تسرد مايا غزال لنا رحلتها نحو تحقيق الحلم، وتقبض على زمام الوجع الذي يخصّ اللاجئين، وسعيها لتغيير الصورة النمطية عن هذه الفئة.

في هذا الحوار، نحتفي بتجربة مؤثرة تعكس نجاحات الكابتن مايا المهنية، وملامح تجربتها الشخصية كلاجئة استطاعت تخطّي كل المعوّقات، حيث تتحدث عن اللحظات والمواقف الملهمة في حياتها، وعن جائزة «إرث الأميرة ديانا»، ولقائها بالفنان العالمي توم كروز:

من لاجئة سورية إلى كابتن طيار.. مايا غزال: التعليم هو مفتاح الخلاص للاجئين

مايا غزال أوّل لاجئة تحصل على رخصة لقيادة الطائرات.. ما الرمزية التي يحملها هذا التحدي؟

هذا أمر جدّ مهم في ظل الصورة النمطية السائدة عن اللاجئين. ففي كثير من الأحيان، يُنظر إلى اللاجئين على أنهم غير متعلّمين، أو يفتقدون الطموح، وصورة الغرب عن اللاجئين تحدّ من قدراتهم لجهة الصعوبات التي تواجه هذه الفئة بدءاً من رحلة اللجوء وتغيير البلد، والتحدّيات في المجتمعات الجديدة، مثل تعلّم لغة جديدة، والتكيف مع تقاليد مختلفة، وهذا يتطلب العمل من قبل الحكومات والمؤسسات لإعطاء فرصة للاجئين ليكونوا جزءاً فاعلاً في المجتمع.

من المهم لي أن أعكس صورة إيجابية وحقيقية عن اللاجئين، وقدراتهم، في حال تمّ منحهم الفرصة، وهذا ما طرحته خلال تواجدي في المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي نظمته إمارة الشارقة، وبالأخص أهمية التواصل بين الحكومات، ومؤسسات القطاعين، الخاص والعام، لضمان توفير فرص وتنمية مهارات اللاجئين، واستثمار مواهبهم بما يفيد الدول التي يعيشون فيها، ومجتمعاتهم وبلدانهم الأصلية، في حال عودتهم يوماً ما، وبالأخص مع ازدياد عدد اللاجئين في العالم يومياً، وبشكل خيالي.

من لاجئة سورية إلى كابتن طيار.. مايا غزال: التعليم هو مفتاح الخلاص للاجئين

ماذا عن قصة لجوء مايا غزال، وكيف بدأت المسيرة؟

قصة لجوء مايا غزال هي قصة واقعية، ولكنها بعيدة عمّا نشهده على شاشات التلفاز من حوادث لجوء غير شرعي، لأن الله أنعم عليّ وكنت محظوظة بوجود تأشيرة دخول قانونية إلى المملكة المتحدة، في وقت كان كثير من اللاجئين يغامرون بحياتهم في سبيل البحث عن شاطئ الأمان لهم، ولأُسرهم.

أقول لكل لاجئ: لا تجعل من اللجوء عائقاً أمام تقدّمك ونجاحك وكن سيّد نفسك

ما الذكريات التي تركتها في سوريا؟

تركت سوريا وعمري 15 عاماً. فقد نشأت في حي المزة، بدمشق، وتركت الكثير من الأصدقاء والأقارب هناك، الذين تربطني بهم الكثير من ذكريات الطفولة والمدرسة. ومع القرار بالسفر، كانت فترة مملوءة بالخوف، والتساؤلات حول مستقبلي، بعيداً عن عالمي الذي اعتدت عليه، وبعيداً عن أهلي، وناسي، وبالأخص أننا نشأنا في سوريا على كون الأهل والمحيط جزءاً من يومياتنا المعيشة.

ورغم أنّ الرحيل عن دمشق كان صعباً، إلا أنني حوّلت هذا الحنين إلى دافع لتحقيق النجاح، والتفكّر مليّاً في أهمية هذه الخطوة للانطلاق إلى آفاق أرحب، وبناء مستقبل أفضل، لي ولأهلي، مع توافر فرص أكبر تحدّد مساري، ومع الشعور بالأمان أيضاً.

من لاجئة سورية إلى كابتن طيار.. مايا غزال: التعليم هو مفتاح الخلاص للاجئين

كيف تصفين لنا يومك الأخير في سوريا؟

كان يوماً حزيناً، ومملوءاً بالدموع. لحظة الفراق كانت صعبة للغاية، حيث تجمعنا، أنا وأصدقائي وأفراد من أهلي، في «الحارة»، وما زاد الأمر صعوبة أننا كنّا أوائل أفراد عائلتنا الكبيرة، نغادر خارج سوريا، ولم نختبر هذا الشعور مسبقاً، مع أسئلة كانت تنخر رؤوسنا: «وبعد؟ وإلى متى؟»..

كانت ثمة مشاعر غامرة يشوبها القلق، والحزن، وبالأخص أننا لم نكن نمتلك أيّ إجابات حول ما إذا كنّا سنعود لرؤية بعضنا بعضاً مجدداً، ولكن شاء القدر أن ألتقي ببعض الأفراد من عائلتي الكبيرة في الشارقة، ومع مرور الوقت، اجتمع شمل العائلة تدريجياً، حيث استقر بعضهم في بريطانيا، وألمانيا، ممّن اضطرتهم الظروف لخوض تجربة اللجوء.

من لاجئة سورية إلى كابتن طيار.. مايا غزال: التعليم هو مفتاح الخلاص للاجئين

وكيف كان يومك الأول في بريطانيا؟

عندما وصلت إلى بريطانيا لأول مرة، كانت التجربة أشبه بالصدمة الثقافية، حيث كل ما أعرفه عن بريطانيا كان مستقى من الأفلام، إذ تصورت الأمور بشكل بسيط جداً، مثل مشاهد من «هاري بوتر»، أو من «بيغ بن»، وغيرها. لكن عند وصولي، واجهت واقعاً مغايراً تماماً، مع تنوّع كبير في الجنسيات، والثقافات، واللغات، وعدم إلمام بالنظام التعليمي، ما أشعرني بالإرباك في بداية مرحلتي التعليمية.

فقد تمّ رفضي من قبل العديد من المدارس، حيث لم أكن على معرفة بآليات النظام التعليمي البريطاني، ولم تكن لديّ أي فكرة عن حقوقي كطالبة، أو عن كيفية التكيف مع البيئة الجديدة، وشعرت بأنّ الناس ينظرون إليّ فقط كلاجئة سورية غير مدركة، كأنني قادمة من الخيمة، ولست ملمّة بالحروف الانجليزية.

كانت تجربة مملوءة بالتحدّيات، والإحباطات، والشعور بالضياع، ولكنها رسّخت لبداية رحلة جديدة في حياتي. فالشعور بالإقصاء والإحباط رافقني لفترة كبيرة، وجاءت لحظات كنت أبكي أمام والدتي، وأسألها ماذا يمكنني أن أفعل؟ في وقت كان أهلي يشعرون بالعجز. ولكن ما لبث أن تحول هذا الإحباط إلى دافع قوي، حيث قرّرت أن أثبت خطأ من رفضوني، وهذا التحدّي قادني إلى إثبات نفسي، ودحض الصورة الخاطئة عني.

من لاجئة سورية إلى كابتن طيار.. مايا غزال: التعليم هو مفتاح الخلاص للاجئين

بالنسبة إلى حلمك بالطيران، هل كان عن سابق تصوّر وتصميم وتخطيط؟

كنت أرغب في الانخراط في مجالات متعدّدة. فقد كنت أتمنى أن أكون سفيرة لبلدي سوريا، وأظهر للعالم صورة جميلة ونموذجية عن السوريين. قد أكون فعلت ذلك، وحققته، ولكن بطريقة مختلفة.

حلمي بالطيران، وشغفي بهذا العالم ولد عندما سافرت لأول مرة إلى بريطانيا بالطائرة، حيث أعجبت بعالم الطائرات، ورغبت في أن يكون لي دور في التحكم فيها، وبالأخص أن مقر سكننا صادف بالقرب من مطار هيثرو، ما جعلني على تماس مع حركة الطائرات، وحركة المطار، وحفزّ شغفي بالتحليق، والتحكم في الأمور، وحلمي أن أكون جزءاً من هذا العالم، والتعلّم أكثر عن الملاحة الجوية، والطيران.

لقد تولّد داخلي هذا الحلم بأن أكون طيارة، وانتسبت إلى جامعة برونيل لدراسة هندسة الطيران.

من لاجئة سورية إلى كابتن طيار.. مايا غزال: التعليم هو مفتاح الخلاص للاجئين

كسفيرة لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، تحملين راية الدفاع عن حقوق اللاجئين، ما أبرز القضايا التي تسلّطين الضوء عليها؟

أهمّ القضايا التي أركّز عليها هي التعليم، وأهميته في حياة اللاجئ، لكونه المفتاح الأساسي الذي يفتح الفرص أمام اللاجئين، ويمنحهم القدرة على تطوير مهاراتهم، والاعتماد على أنفسهم. فالتعليم ليس لتوفير فرص عمل فقط، بل أيضاً لتنمية الثقة بالنفس، والمعرفة التي تمكّن اللاجئ من أن يتحكم في مصيره، وإحساسه بأنه«سيّد نفسه».

فلولا الدراسة التي خضت مراحلها، لم أصل إلى هذه المرحلة، ولم أكن اليوم أمامكم، ولما اتسمت بالثقة بالنفس واستطعت تنمية مهاراتي ومواردي، لأن العلم هو أساس كل نجاح.

خلال زيارتها لمخيم الأزرق للاجئين السوريين بالأردن
خلال زيارتها لمخيم الأزرق للاجئين السوريين بالأردن

من خلال تماسّك مع اللاجئين، ما أكثر قصة أثرت فيك؟

من أبرز هذه القصص كانت لفتاة في مخيم الأزرق في الأردن، تبلغ من العمر نحو 17 عاماً، كانت تتسم بذكاء حاد، ونالت معدل علامات 95 % بفضل اجتهادها، ولكنها تعيش في ظروف قاسية داخل المخيم، مع نقص في الكهرباء، والموارد التعليمية.

هذه القصة تسلّط الضوء على الحاجة الملحّة لتوفير بيئة تعليمية مناسبة، حتى في المخيمات، لأن التعليم هو الأمل الذي يمكن أن ينقذ اللاجئين، وبالأخص اللاجئات، ويمنحهم حياة أفضل.

كانت تلك الفتاة تحلم بأن تصبح طبيبة يوماً ما، لكن الإحباط والحزن سيطرا عليها بسبب صعوبة الحصول على فرصة لتحقيق حلمها، إذ لم تكن المنح الدراسية متاحة بسهولة، بخاصة للاجئين في المخيمات.

وعلى سبيل المثال، ففي الأردن، من أصل أكثر من 650 ألف لاجئ، لم تتوافر سوى 35 منحة متاحة لدراسة الطب، وخصّصت للمخيم الذي كانت تقطنه تلك الفناة منحتان فقط، وأبلغت بأن فرصتها ضئيلة بسبب عدد المتقدمين الكبير. هذا الواقع أثر فيها بشكل عميق، وأشعرها بالضياع، بخاصة عندما فكّر أهلها في تزويجها لاعتقادهم أن هذا هو الحل الوحيد المتاح.

حصلت على جائزة «إرث الأميرة ديانا».. ما الذي تعنيه لك؟

الحمد لله، حصلت على جائزة «إرث الأميرة ديانا» عام 2017، بعد سنتين من عملي التطوعي في بريطانيا، ونضالي لتغيير الصورة النمطية عن اللاجئين، حيث تمّ اختياري من بين عشرين شاباً وشابة، من حول العالم، ما أعطاني إحساساً بالفخر، لأنني كنت واحدة من ضمنهم.

كلاجئة سورية، لم أكن أتحدث الإنجليزية بطلاقة في البداية، ولكن مع مرور الوقت، والتجربة، وبعد أن تم اختياري لهذه الجائزة، شعرت بأنني استطعت أن أُظهر للعالم الغربي، بخاصة، أنّ اللاجئين السوريين، العرب، والمسلمين، والنساء اللواتي يرتدين الحجاب أيضاً، قادرون على أن يكونوا مفيدين، وفعّالين في المجتمع، إذا تمّ منحهم الفرصة.

الجائزة سلّطت الضوء على قصتي، وأظهرت قدرتي على أن أكون جزءاً فاعلاً في المجتمع، وهذا ليس إنجازي الشخصي، بل هو رسالة للعالم بأنّ لدى اللاجئين الكثير ليقدموه، وأنّهم بحاجة إلى الفرصة المناسبة لإثبات أنفسهم، والمساهمة في تنمية المجتمع بشكل إيجابي.

مع النجم توم كروز
مع النجم توم كروز

التقيت النجم العالمي توم كروز، ماذا تحدثيننا عن تفاصيل اللقاء وأجوائه؟

كان اللقاء بالنجم توم كروز العام الماضي، خلال حدث سيلفرستون لسباقات الفورمولا 1، وكانت تجربة مميزة للغاية. لم أتوقع أنني سأراه، وكان من الرائع الجلوس والتحدث معه. تحدثنا عن الطائرات والطيران، وأخبرني كيف أنه في معظم أفلامه يقوم بقيادة الطائرات بنفسه. وما أثر فيّ حقاً هو الطريقة التي تعامل بها معي باحترام كبير، من دون أي تمييز، رغم أنني مسلمة محجبة، ومن سوريا. شعرت بالفخر لأن ما جمعنا كان شغفنا المشترك بالطيران.

ما الحلم الذي يعانقك؟ وما رسالتك؟

حلمي الكبير هو أن أقود طائرة يوماً ما إلى سوريا، وأقول: «أهلًا بكم في مطار دمشق الدولي، أنا من هنا»(أي من سوريا). أتمنى أن يتحقق هذا الحلم في المستقبل القريب، وربما في العام المقبل. حالياً، أنا في بريطانيا تحت التدريب مع شركة طيران، ومن المتوقع أن أبدأ عملي كقائدة طائرة على المقعد اليمين، في شهر مارس المقبل.

ورسالتي الأخيرة للاجئين حول العالم، سواء كانوا سوريين، أو من جنسيات أخرى، هي ألّا يدعوا كلمة «لاجئ» تحدّدهم، أو تعيقهم. على العكس، اجعلوها مصدر تميّز وفخر. لدينا جميعاً قدرات وإمكانات تجعلنا فريدين، ولا ينبغي أن نعتبر اللجوء عقبة في طريق نجاحنا.

* تصوير: السيد رمضان ومن المصدر