هدية متأخرة إلى الأم في عيدها، هذه المعلومة التي تترك قارئها في حالة ذهول: حين تكون المرأة حاملاً، تهاجر خلايا جنينها إلى دمها، ثم تعود إلى الجنين، أو تبقى عندها. هي ظاهرة غامضة ومؤثرة، لا تزال تحت الدراسة، وقد أطلق عليها العلماء اسم «المايكروكميرية بين الأم والجنين».
على امتداد واحد وأربعين أسبوعاً، ترتحل هذه الخلايا، تتعانق، وتتبادل بين الأم وطفلها في رقصة صامتة، شبه مقدّسة. وحين يجيء الطفل إلى العالم، يبقى عدد منها في جسم الأم لتطبع حضورها إلى الأبد في أنسجة الأم، وعظامها، وجلدها، وحتى في دماغها. إنها ذاكرة الجسد، ووشم الأمومة الخفي.
كل طفل تحمل به الأم، على اختلاف عدد أطفالها، سيترك لديها هذا الأثر، الخفي والدائم. وحتى لو لم يُكتب للطفل أن يولد، بسبب إجهاض، سواء أكان طبيعياً أم مقصوداً، فهو سيترك خلايا له عند أمه.
ولا تقف الأمور عند هذا الحد، فقد كشفت الدراسات أنه عند تعرّض قلب الأم لأيّ ضرر تتهافت خلايا الجنين نحو المنطقة المتضررة، وتتحول إلى خلايا علاجية، كما لو أن الطفل، في اندفاعة حب غريزي، يسعى إلى علاج مَن تعطيه مِن حياتها لتحافظ على حياته. الطفل يسهم في صنع الحياة عند أمه، بقدر ما هي تسهم في صنع الحياة عنده. أليس هذا مذهلاً؟
ربما وجدنا هنا التفسير العلمي للأمراض التي تختفي أحياناً خلال الحمل، حيث يستنفر جسم الأم لحماية الطفل، مهما كلف الأمر، في حين أن الطفل يعتني بدوره بأمه من أجل أن ينمو ويكبر بسلام وأمان.
وماذا عن رغبات الوحام المجنونة، والتي لا تقاوم؟ ألا يمكن أن تكون هي أيضاً صرخة الجنين الصامتة لتبلغ عمّا يحتاج إليه جسم أمه من أجل أن يجد هو، وهي، التوازن المنشود؟
معلومة إضافية تتركنا أشد ذهولاً وفي حالة تأمل: اكتشف باحثون خلايا جنينية في أدمغة الأمهات بعد مرور... ثماني عشرة سنة على الولادة.
كل أمّ تعرف مدى إحساسها بأولادها، حتى عندما يكونون بعيدين عنها... كم من مرة سمعنا أمّاً تقول: «قلبي يقول لي إن ابني ليس مرتاحاً...».
والآن، العلم يؤكد لنا ما يعرفه القلب، وهو أن الأم ترى الطفل بقلبها، قبل أن تراه بعينيها، ويظل طفلها في كيانها حتى بعد أن يخرج منها إلى العالم. ولربما كان هذا هو سر الأمومة.