العنود غازي مبارك: أن تكون مصوراً حقيقياً يعني أن تقدم شيئاً مختلفاً

لا تلهث المصورة العنود غازي مبارك خلف لقطات الشارع المزدحم، ولا تسعى لتوثيق كل ما تراه، بل تختار لحظاتها بعناية، وتمنح كل صورة من صورها روحاً خاصة. ترى في التصوير وسيلة للتأمل والتواصل مع الذات، لا مجرد أداة لتخزين الذكريات. الطبيعة بالنسبة لها ليست مجرد خلفية، بل شريكة في المشهد، تستحق الاحترام والحفاظ.
في هذا الحوار، نغوص معاً في رؤيتها الخاصة للتصوير، ونستكشف كيف ترتبط الكاميرا عندها بالمشاعر والطاقة والهوية. نتحدث عن علاقتها بالذكاء الاصطناعي، وإبداعها في تقديمها ورشاً للتصوير بـ«الآيفون»، وعن الفارق بين «أن تلتقط صورة» و«أن تكون مصوراً». نرافقها في رحلتها مع الضوء والظل، ونسألها عن بداياتها، واختياراتها، وتفضيلاتها الفنية والإنسانية:
بداية، ما نوع التصوير الأقرب إلى قلبك؟ ولماذا لا تميلين إلى تصوير الشارع كما يفعل البعض؟
شخصياً، لا أرتاح لتصوير الشارع أو الأماكن المزدحمة والصاخبة والمليئة بالناس. هذا النوع من التصوير يتطلب طاقة وحضوراً مختلفاً، وهناك من يبدع فيه فعلاً، أما أنا فأميل إلى الأماكن الهادئة، إلى الطبيعة والسكون. أحب أن أكون في مكان هادئ، وإن وُجد فيه عنصر بشري فأفضّل أن يكون حضوره خفيفاً وغير طاغٍ على المشهد.

ذكرتِ أن التصوير وسط الطبيعة يمنحك نوعاً من السلام الداخلي. هل ترين في التصوير وسيلة للتأمل أو نوعاً من العلاج النفسي؟
نعم، أؤمن بذلك تماماً. في الآونة الأخيرة، أصبح الحديث عن «الطاقة» حاضراً في كل شيء، حتى في التصوير. البعض يرى أن أماكن معينة أو تجارب تصوير معينة يمكن أن تساعدنا في اكتشاف ذواتنا. وبالنسبة لي، التصوير في الطبيعة يمنحني هذا الهدوء، هو تأمل حقيقي، يشبه اليوغا أو التأمل الصامت لدى البعض، لكنني أجد راحتي في المشي في الجبال أو بين الأشجار، مع الكاميرا في يدي. كما أؤمن بأن للتصوير تأثيراً عاطفياً عميقاً. أحياناً يُقال إن الناس لا يعيشون اللحظة لأنهم منشغلون بتوثيقها، لكنني لا أرى التصوير بهذه الطريقة دائماً. أعتقد أن هناك توازناً جميلاً بين عيش اللحظة وتوثيقها، وهذا ما أحاول أن أحققه من خلال عدستي.

حدثينا عن ورشة التصوير بالآيفون التي قدمتِها لذوي الهمم؟
قدّمتُ مؤخراً ورشة تصوير باستخدام الآيفون لمجموعة من ذوي الهمم من فئة الإعاقة السمعية، وكانت تجربة مختلفة تماماً وتحدياً جديداً في مسيرتي كمصورة. التواصل معهم احتاج إلى حس مختلف، ووجدت في أعينهم شغفاً لا يقل عن أي مصور محترف. اكتشفت أن لغة الصورة قادرة على كسر حواجز التواصل، وأن الشغف لا يُقاس بالحواس بل بالإرادة. في الورشة، ركّزت على تعليمهم مهارات التصوير بالآيفون، لأن التصوير بالهاتف لا يقل أهمية عن الكاميرا الاحترافية، وله تقنيات وأساليب يجب إتقانها، كاختيار الزاوية، والتحكم في الإضاءة، وتكوين المشهد. وهذه المهارات أحرص على مشاركتها دائماً مع عشاق التصوير، سواء كانوا مبتدئين أو محترفين، لأن الصورة الجيدة لا تعتمد فقط على الأداة، بل على العين التي ترى وقلب المصور.

كيف تصفين علاقتك بالذكاء الاصطناعي في عالم التصوير؟
الأمر نسبي. لست ضد استخدام الذكاء الاصطناعي في المطلق. أحياناً أستخدمه بنفسي في تعديل الصور، مثل إزالة عنصر غير مرغوب فيه بدلاً من إعادة التصوير. لكنه يصبح بلا معنى إن استُخدم فقط لإنتاج صور عشوائية أو مركّبة بلا هدف. في المقابل، قد تثير صورة مصنوعة بالذكاء الاصطناعي مشاعر جميلة، خاصة إذا كانت تجمع شخصيات مؤثرة، كأن نرى صورة تجمع الشيخ زايد، طيب الله ثراه، مع شخصية أخرى بأسلوب يحترم الرمزية والذكريات.

اليوم بات التصوير متاحاً للجميع، من خلال الهواتف. في رأيك، ما الذي يميز المصور الحقيقي عن مجرد ملتقط صور؟
صحيح، الكل اليوم يلتقطون الصور، لكن ليس الجميع يتركون أثراً. أن تكون مصوراً حقيقياً يعني أن تقدم شيئاً مختلفاً، أن تضع بصمتك الخاصة في كل لقطة. التصوير ليس مجرد ضغط زر، بل إحساس ورؤية واختيار اللحظة المناسبة. الهاتف أداة جيدة، والكاميرا كذلك، وأنا أستخدم كليهما حسب الحاجة. في السفر، أستخدم الطائرة المسيّرة (الدرون) أو الكاميرا بعدسات خاصة لتصوير القمر أو الحيوانات من بعيد، وهذه حالات تحتاج إلى تجهيز واحتراف.
نلاحظ أنك لا تميلين إلى تصوير الأشخاص كثيراً. هل هو تفضيل فني أم احترازي؟
هو تفضيل شخصي وفني. لا أميل إلى تصوير الأشخاص، خصوصاً في الأماكن العامة، ولهذا لا أتعرض لمواقف محرجة أو خطرة أثناء التصوير كما قد يحدث مع بعض المصورين. تركيزي الأكبر يكون على المناظر الطبيعية. بدأت رحلتي في التصوير برغبة في إظهار جمال الأماكن في الإمارات، سواء كانت معروفة أو لا تزال خفية على كثير من الناس. وغالباً ما أتلقى رسائل مثل: «أين التقطتِ هذه الصورة؟» و«أي جبل هذا؟»
وهل تكشفين عادة عن مواقع التصوير؟
ليس دائماً. ليس بدافع الأنانية أبداً، بل حرصاً على المكان نفسه. أحياناً تكون الصور أجمل من الواقع، ويذهب الناس إلى المكان ويتفاجؤون بأنه مختلف، أو -للأسف- لا يحترمون الطبيعة ويتركون خلفهم نفايات، أو يعبثون بالمكان. لذلك، أفضل أحياناً عدم الكشف عن الموقع للحفاظ على جماله ونقائه.
ما المبدأ الذي تؤمنين به في تعاملك مع الطبيعة كمصورة؟
أؤمن بمقولة: «ادخل إلى الطبيعة… لكن لا تترك أثراً». حين تدخل مكاناً طبيعياً عليك أن تتركه كما وجدته، أو أجمل. توجد كائنات تعيش هناك، ونباتات، وحيوانات، وكلها لها حق في بيئتها. احترام الطبيعة لا يقل أهمية عن حبنا لها، بل هو دليل على هذا الحب.