لم تَجد في الغربة أوفى من الكاميرا صديقاً، فبجانب دراستها للهندسة المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية، جذبها التصوير واستكشاف العالم، من خلال توثيق سلوكات الحيوانات المفترسة..
هي المهندسة سعاد السويدي، الحاصلة في مجالها الأكاديمي على درجة الماجستير مع مرتبة الشرف، التقيناها لنتعرف إلى اهتمامها بالحياة البرية، وسبب شغفها بهذا العالم المملوء بالإثارة:
شغفك بالتصوير جذبك إلى مجاله الساحر.. فمتى بدأت علاقتك بالكاميرا؟
قضيت في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 20 عاماً مع أفراد أسرتي الذين قرروا العودة إلى الإمارات وتركي للبقاء فيها لمتابعة دراستي الأكاديمية في مجال الهندسة المدنية، ومع هذا التغيير شعرت بالوحشة والغربة، وكان لبقائي في السكن مدة طويلة بسبب العواصف، الأثر الذي جعلني أبحث عن شيء مختلف يصاحبني في أشد اللحظات، وأصعبها، ولم أجد أوفى من الكاميرا رفيقة للدرب. ولا أنكر جهلي في البداية باستخدامها بطريقة احترافية، إلا أنني تمكنت مع الوقت من اجتياز تلك المشكلة، وعلى الرغم من حصولي على درجة الماجستير مع مرتبة الشرف في مجال الهندسة، ولديّ العديد من شهادات الامتياز داخل الدولة وخارجها، إلا أنني انحزت للكاميرا، وقضيت 17 عاماً في تطوير تجربتي معها، وانضممت في عام 2019 إلى موسوعة المرأة الإماراتية، وأحرزت لقب أول إماراتية، وعربية، توثق الحيوانات المفترسة والوحوش حول العالم.
لديك حب المغامرة ما قادك لاكتشاف الحياة البرية، فما سبب اختيارك لتوثيق الصور الخاصة بالحيوانات المفترسة؟
لديّ حب لاستكشاف الطبيعة من حولي، وما تتضمنه من أسرار، ولديّ شغف بالتعرف إلى أصغر التفاصيل وأدقّها، والتي تتجلّى فيها عظمة الخالق في ما خلق. ومن هذا المنطلق، دعتني آية في القرآن الكريم إلى اختيار هذا العالم المملوء بالإثارة والمغامرة، إذ قال سبحانه وتعالى: «وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم»، ومن هنا جاءت رغبتي في توثيق حياة بعض الحيوانات، واخترت أشرسها كي أتعرف إلى التشابه الذي يربطها بحياة البشر، فشاهدت بعيني الحزن، والفرح، والحب، والغدر، في هذا العالم المثير، كما شاء الله تعالى أن يريني بأم عيني كيف يقسم الأرزاق، وكيف تنتقل من حيوان لآخر، وكيف يستقوي القوي على الضعيف، وفي لحظة يصبح الأخير هو الأقوى، كما قمت بتوثيق أعظم أنواع المشاعر من وجهة نظري، وهو حب الأم لأبنائها، والذي لا يختلف كثيراً عن هذا النوع من الحب بين بني البشر، فهو حقاً عالم كبير، ومتشعّب، ومختلف، إلا أنه يشبهنا في أمور كثيرة.
هل تخصصك في تصوير الحياة البرية يجذبك لتوثيق منظر طبيعي أو مكان يحيطه السحر والجمال؟
المسار الطبيعي لأي إنسان عاشق للتصوير هو تجربة كل شيء، وتصوير كل ما يحتاج إلى أن يتم تسليط الضوء عليه، ومن دون شك أحب الجمال، وتصوير الطبيعة بشكل عام، ولديّ حساب خاص على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، أشارك فيه متابعيني صور الطبيعة الخلابة وحياة الناس، وتفاصيل أخرى أثناء سفراتي.
وهي تتبع أثر واحد من أشرس الحيوانات في العالم
هناك من يبحث عن دغدغة المشاعر بالتقاط الصور التي تحمل مآسي لأشخاص يعانون ظروفاً معينة، هل تجذبك هذه النوعية من الصور؟
أميل إلى التقاط الصور التي تحمل التفاؤل والإيجابية، وهذا ما تعلمته أثناء غربتي لسنوات طويلة، فرحلتي الدراسية علمتني الكثير، وجعلتني أطّلع على ما بداخلي من أحاسيس، لدرجة وصلت إلى مرحلة استطعت أن أفهم فيها مشاعري، وما أحب وما لا أحب.
في مهمة بالنيبال لتصوير النمر البنغالي الملكي
ما الطقوس التي تتبعينها عندما تنوين الذهاب لرحلة تصوير فيها مغامرة؟
أول، وأهمّ خطوة أقوم بها هي أخذ اللقاحات الخاصة تحت إشراف طبي تام، لمواجهة الأوبئة والأمراض السارية في المناطق النائية التي نقصدها، مثل الملاريا، وغيرها، ثم تأتي مرحلة تجهيز الملابس الخاصة بالرحلة، وهي خطوة مهمة لأنها سبيلي لأن أركّز في عملي، ثم تأتي مرحلة تجهيز معدات التصوير الخاصة بكل رحلة، ومن ثم الاطّلاع على طبيعة البيئة التي سأتواجد فيها، ونسبة المخاطر التي يمكن أن أتعرض لها، فالخطأ أثناء التصوير غير مقبول لأنه يمكن أن يكلّف الإنسان حياته.
عدم استقرار الطقس والدروب الوعرة ومواجهة الزواحف المميتة أبرز الصعوبات
حدثينا عن أطول رحلة تصوير قمت بها، وعدد الساعات التي يمكن أن تقضيها لتوثيق لحظاتها، وأبرز الصعوبات التي واجهتك.
أطول رحلة كانت تقريباً خمسة أسابيع، أما عن عدد الساعات فيختلف باختلاف الدولة والمحمية، وحسب المسموح به وفقاً للتصاريح المستخرجة، إلا أنها قد تصل في بعض الأحيان إلى ما يقارب 13 ساعة متواصلة، إذ تبدأ بعد الفجر، أي نحو الساعة الخامسة صباحاً، وتنتهي بعد الغروب، فمثلا من المواقف التي تحتاج إلى مدة تصوير أطول، ولادة نادرة لأحد الحيوانات المفترسة، أو أثناء البحث عن حيوان يصعب رصده، مثل تصوير النمر البنغالي الملكي، أثناء رحلتي في منطقة «جايبور» في الهند، إذ يعتبر أشرس الحيوانات في العالم، ومن الصعب رصده إلا في الأماكن ذات الحرارة المرتفعة، وقد استغرقت هذه الرحلة ما يقارب ثلاثة أسابيع، وأعتبرها الأخطر في مشواري المهني. أما أبرز الصعوبات فتتمثل في عدم استقرار الطقس، والطرق والدروب الوعرة التي نسير فيها، وأحياناً نواجه الحشرات والزواحف المميتة التي تحيط بنا في معظم المحميات.
كم عدد الصور التي يمكن أن تلتقطيها في رحلة واحدة؟
عدد الصور في الرحلة الواحدة يعتمد على عوامل عدة، فكل رحلة مختلفة كلياً عن سابقتها، حتى ولو في المحمية نفسها، وعدد الصور يعتمد على الرصد، والقصص، والمواقف التي تفرض نفسها، وفي النهاية فإن عدد الصور التي التقطها لا يهمني، فهدفي البحث عن قصة أوثّقها، وأنقلها إلى العالم.
ما أحب البلدان إلى قلبك والتي ترضي شغفك بالتصوير فيها؟
كل البلدان يشبه بعضها بعضاً بالنسبة إلي، فالهدف عندي واحد، وهو تصوير وتوثيق الحيوانات المفترسة، تلك المخلوقات التي أكنّ لها حباً كبيراً، فهي تؤثر في قلبي، وتترك بداخلي أثراً لا ينسى.
حدثينا عن الشعور الذي ينتابك عند رؤيتك حيواناً تدركين خطورته.
يضع الله سبحانه وتعالى بداخلي السكينة، والهدوء، والطمأنينة، ورباطة الجأش، فهي مفتاح النجاة من المخاطر، وبمجرد أن يتملكني هذا الشعور لا يفرق معي إذا ما رأيت حيواناً أعلم بخطورته جيداً طالما تركت حِملي في يد الله تعالى.
هل وجدت الدعم من المحيطين بك لهذه الهواية، أم واجهت اعتراضاً من باب الخوف عليك؟
أحب أنا أشارككم ردة فعل أعز إنساني لي في الوجود، وهي أمي، فعندما علمت برغبتي في توثيق حياة الحيوانات المفترسة، بدا عليها القلق والتوتر، ليس من باب الاعتراض، ولكن بسبب خوفها عليّ، وعندما بدأت باعتياد الأمر أصبحت هي الداعم الرئيسي في كل تفاصيل حياتي، بل وهي سبب نجاحي في هذا المجال، فهي من تشاركني كل ما يتعلق بسفراتي، وتحب أن تعرف كل ما يدور بعيداً عنها، وخلف الكواليس، أي وراء الكاميرا.
ما الذي تأملين تحقيقه في المستقبل؟
أن أصبح سفيرة فوق العادة لوطني في مجال التصوير، وتوثيق حياة الحيوانات المهددة بالانقراض حول العالم، وأن أقدّم نموذجاً مشرفاً للمرأة الإماراتية المحافظة على عاداتها وتقاليدها، إذ صار شغفي بتوثيق حياة الحيوانات المفترسة هو ما يتحكم في مصيري، ويدفعني لمواجهة المخاطر، إن وجدت، فأصبح وقتي كله لتصويرها ومعرفة كل ما يتعلق بحياتها، وتفاصيل يومها، فأنا أستمتع كثيرا بهذا العمل، وأحبه.