هل كل ما يتصدر «الترند» يصلح للنشر؟ إعلاميون يجيبون من قمة الإعلام العربي في دبي

في عصر تتدفق فيه المعلومات وتتغيّر فيه بوصلة الاهتمام العام من لحظة لأخرى، طرحت «كل الأسرة» سؤالاً على الإعلاميين المشاركين في قمة الإعلام العربي بدبي حول طريقة تناولهم أخبار «الترندات» التي تنتشر كالنار في الهشيم لتشعل منصات التواصل الاجتماعي لساعات أو لأيام قليلة، ليخمد ناره «ترند» جديد، تتفاعل معه النسبة الكبرى من مستخدمي هذه المنصات.
فما هي أنواع «الترندات» التي يتفاعل معها الإعلاميون في برامجهم التلفزيونية أو مقالاتهم الصحفية؟ وهل كل ما يلقى رواجاً على منصات التواصل الاجتماعي يستحق أن يُطرح في الإعلام التقليدي؟ ولماذا باتت «الترندات» الرقمية تجذب جمهور القنوات والصحف بنفس القدر وربما أكثر؟

الإعلامي هو من يصنع «الترند»
أجاب عن هذه الأسئلة الإعلامي السعودي علي العليلي، وقال: «الترند في جوهره هو انعكاس لاهتمام جماعي لحظي قد يكون ذا أهمية اجتماعية، أو سياسية، أو صحية، وقد يكون في أحيان أخرى تافهاً أو مفتعلاً. لكن التحدي الذي يواجه الإعلامي اليوم هو كيفية انتقاء «الترندات» التي تستحق الطرح والنقاش، من دون الانسياق وراء كل ما هو شائع فقط، ولكن الإعلامي الحقيقي ليس تابعاً «للترند»، بل هو صانعه».

تحويل الملفات الاقتصادية إلى «ترندات»
بدورها، أوضحت الإعلامية لبنى بوظة «لطالما كان يُنظر إلى الأخبار الاقتصادية على أنها مادة نخبوية، لا تجذب إلا فئة محدودة من المهتمين والمتخصصين. لكنني كنت مؤمنة بأن الاقتصاد يمس حياة كل فرد، وأننا بحاجة إلى تقديمه بلغة مبسّطة، قريبة من الناس. وفعلاً، استطعت —بفضل الله ثم بدعم فريقي— أن أحوّل بعض الملفات الاقتصادية الجافة إلى «ترندات» تتصدر النقاش العام، وتجذب جمهوراً واسعاً من مختلف الأعمار والاهتمامات. النجاح هنا لم يكن في الوصول فحسب، بل في رفع وعي الناس بأمور كانت تُعتبر بعيدة عنهم، بينما هي في صميم حياتهم اليومية».

حماية الإعلام من الانسياق وراء الأمور السطحية
من جهتها، أكدت الإعلامية البحرينية بروين حبيب أن حماية المنظومة الإعلامية من الانجراف وراء «الترندات» السطحية مسؤولية كبار الإعلاميين وأصحاب الخبرة «ليس من دور الإعلام أن يتحول إلى صدى لما يُتداول في «السوشيال ميديا»، بل عليه أن يحافظ على مكانته كمصدر موثوق للمعرفة والتوجيه. نحن، كإعلاميين مخضرمين، يجب أن نتدخل للحفاظ على الصورة النمطية للإعلام كمنبر للفكر والمعلومة الدقيقة، لا كآلة لإعادة تدوير ما يُقال في المنصات الرقمية. «الترند» يجب ألا يقودنا، بل نحن من نحدد ما يستحق أن يصل إلى الناس».

«الترند» كقضية مجتمعية
يرى الإعلامي المصري رامي رضوان أن بعض «الترندات» تعبّر عن قضايا تمس أمن المجتمع أو صحته، مثل حملات التوعية ضد المخدرات أو النقاشات حول العنف الأسري، وأضاف «عندما يصبح موضوع «الترند» إشاعة تهز أمن المجتمع فدوري أن أكون في صدارة التفاعل، فهذا مؤشر لاحتياج حقيقي يجب أن يُناقَش بعمق، لا لمجرد كونه رائجاً، بل لأنه يعكس معاناة الناس أو تطلعاتهم».

التفاعل مع «الترندات» المجتمعية
بينما قالت الإعلامية الإماراتية أثير بن شكر «بعض «الترندات» سطحية أو قائمة على الإشاعات. ليس كل ما يشتعل في «تويتر» يصلح لأن يكون فقرة في برنامج. هناك «ترندات» تضر بالنسيج الاجتماعي أو تروّج للتنمّر ويجب ألا تُعطى منصة أكبر، فأنا مؤمنة تماماً بأن للإعلامي دوراً مجتمعياً ووطنياً لا يقل أهمية عن أي مسؤول في موقعه، ولهذا فإن تفاعلي مع «الترندات» الإيجابية ليس مقبولاً فحسب، بل هو جزء من مسؤوليتي المهنية، خصوصاً عندما تكون هذه «الترندات» منسجمة مع توجهات دولتنا الحبيبة، وتدعم رؤيتها في تعزيز الإيجابية، وبث روح الأمل، وتسليط الضوء على الإنجازات والمبادرات الوطنية. نحن في الإمارات نعيش في بيئة تحتفي بالتميز وتدفع إلى الإبداع، ومن الطبيعي أن أكون جزءاً من هذا التوجه، أشارك فيه وأدعمه بكل صدق ووعي».

«الترند» نافذة على الرأي العام
أما ريم بساطي، الإعلامية السعودية، فأكدت أن «الترند» أداة لفهم مزاج المجتمع وتوجهاته، وأضافت «حتى «الترندات» السطحية قد تخبرك بشيء عن اهتمامات الناس، وربما تكشف عن فراغ ثقافي أو عطش للنقاش؛ لذلك يجب تحليلها بذكاء لا تجاهلها، فالموضوع ليس في تتبع «الترند»، بل في استخدامه كوسيلة للربط مع الجمهور، ثم تقديم محتوى ذي قيمة من خلاله».
ختاماً.. بين من يرى في «الترند» مرآة للمجتمع، ومن يعتبره مجرد موجة مؤقتة، تبقى الحقيقة أن الإعلام التقليدي بات أكثر تأثراً وتداخلاً مع عالم الـ«سوشيال ميديا»، لكن التحدي الأساسي أمام الإعلاميين هو الحفاظ على دورهم التنويري بعيداً عن الترويج لكل ما هو شائع، والتمسك بمسؤوليتهم في فلترة المحتوى وتقديم ما يُثري الوعي لا ما يُرضي اللحظة.