27 مايو 2025

الذكريات نوعان.. كيف نتعامل معها حين تستيقظ في عقولنا؟

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

وقفت تتأمل الطبيعة من شرفة منزلها، فعادت بالذكريات إلى 20 عاماً خلت، انحدرت دمعة من عينها، ثم غاصت في أحداث تمنّت لو أنها تعود ليسعد قلبها، بعدما غزا الشيب مفرقها، وصارت وحيدة، فلا زوج، ولا ولد.

لمَ نحاول في كثير من الأحيان نبش الذكريات من قبور الماضي؟ هل نكون في حاجة إلى الحزن، وتجديد شكل أيّامنا الحاضرة، بمزجها بماضٍ ولّى، ولن يعود؟ أم نريد أن ننسى واقعاً لم نرضَ عنه؟ أم نريد أن نحيي صوراً في البال قبل أن يدفنها الزمن في غياهب النسيان؟

مجلة كل الأسرة

ماهي الذكريات؟

نحن نحتفظ بالمعلومات في الذاكرة، ونحييها، سواء مصادفة أو عمداً، نجدّدها أو ننسى بعض أحداثها، أو نضيف إليها لتكون بالصورة التي تناسب مزاجنا في أوقات معيّنة. والذاكرة عنصر أساسي في حياتنا، فهي أشبه بصندوق معلومات نخبّئ فيه ما تعلمناه في دروب الحياة من دروس، وعِبر، وعِلم، وتكيّف، وصور.

والذاكرة نوعان رئيسان؛ الذاكرة القصيرة، والذاكرة طويلة الأمد. والذكريات تعطينا القدرة على ربط الأحداث والتجارب بمشاعرنا، والذكريات المشتركة تعزز العلاقات الاجتماعية. ولولا الذكريات لما تعلّمنا من أخطائنا، وطوّرنا من مفهومنا للحياة، ومن قدراتنا على النجاح، والتواصل، واتخاذ القرارات.

قوة الذكريات

تؤثر الذكريات في العقل، وفي طريقة التفكير، بشكل كبير، وهي تلعب دورا هامّاً في تشكيل شخصياتنا، فالعقل يخزن التجارب المختلفة التي تؤثر في المشاعر والسلوك. وهذا يساعد على عملية التعلّم، واستقبال المعلومات وفهمها، وربط التجارب الحديثة بالتجارب الماضية.

وللذكريات تأثير كبير في حياتنا، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فالجميلة منها قد تمنحنا السعادة والراحة، أو قد تثير فينا الرغبة في العودة إلى الوراء فنأسى على ما فات. أما الذكريات المؤلمة فتؤثر فينا في اتجاه واحد نحو الحزن والحسرة، فتضطرب أمزجتنا، ويتأثر بذلك سلوكنا، وصحتنا النفسية.

الذكريات الإيجابية

تلعب الذكريات السعيدة دوراً كبيراً في رفع معنوياتنا، والتخفيف من التوتر والقلق، كما قد تساعدنا على التركيز على الجوانب الإيجابية في حياتنا، والنظرة بعين التفاؤل إلى ما سيأتي مستقبلاً.

من ناحية أخرى، تعزز الذكريات المشتركة مع الآخرين الروابط الأسرية والاجتماعية، وتقصّر المسافات العاطفية بين الأشخاص. وعندما نغوص في الذكريات السعيدة نشعر، غالباً، بالامتنان تجاه البيئة، والأشخاص الذين أسهموا في صنع ذكريات طيّبة، كلما مرّت في البال فاحت منها رائحة الحب، والألفة.

مجلة كل الأسرة

التعلم من التجارب وتكوين الهوية

تساعدنا الذكريات على فهم الدروس من الماضي، فنتجنب تكرار الأخطاء، ونبني قرارات الحاضر على أسس أكثر قوة، وصلابة، وبذلك نتمكن من فهم العالم أكثر، ونحظى بالجرأة على خوض التجارب الكبيرة بثقة أكبر. والذكريات تشكل جزءاً أساسيّاً من هويتنا، وتساعدنا على فهم أنفسنا، ومعرفة توجهاتنا، وما نريد أن نكون عليه. وتُمكّننا من أداء وظائفنا اليومية، وتكوين علاقات حيوية لرفاهيتنا.

الذكريات السلبية

غالباً ما تمرّ الذكريات السلبية مروراً عابراً فتترك سحابة من الحزن في نفوسنا، لا تلبث أن تمضي ليحلّ مكانها الحاضر، بأحداثه ومشكلاته. لكن بعض الأشخاص يغوصون في الذكريات المؤلمة إلى أبعد حدود، فيعيشون أحداثها ومحطاتها كأنها تتكرّر في حاضرهم، فتؤثر في سلوكاتهم، وتعاملهم مع أنفسهم، ومع الآخرين، وتوقظ في صدورهم آلاماً ظنوا أنهم قد تغلبوا عليها، أو دفنوها في أعماق صدورهم.

وعندما تسيطر الذكريات المؤلمة على شخص ما، قد تجرّه إلى الألم والقلق، وفي كثير من الأحيان إلى اعتلال صحته النفسية، وقد يفضل الانسحاب من الحياة الاجتماعية، والانفراد بذكريات تزيده حزناً، وعزلة.

مجلة كل الأسرة

كيف نتعامل مع الذكريات؟

أولاً، إذا أيقنّا أن كل ما يجري من أحداث في هذه الحياة بيد الله، وأن كل ما مضى لن يعود، وأن كل ما آلمنا في الماضي يجب أن يكون عِبرة للحاضر، فإننا سنبرأ من ألم الذكريات، خصوصاً السلبية منها.

من ناحية أخرى، يمكننا إعادة تشكيل الذكريات، بحيث نحوّل السلبية منها إلى ذكريات إيجابية، فتكون لنا دروساً وعِبراً.

إلى ذلك، تساعد ممارسة التمارين الرياضية على التخلص من الطاقة السلبية، بما فيها الذكريات المؤلمة التي تضعف الطاقة والقدرة على الاستمرار في حياة هانئة، ومستقرة.

وفي النهاية، لا بد من الحديث عن نوع من الحنين يعرف بالحنين الاستباقي، وهو يعطينا الفرصة للوقوف عند محطة اللحظات المميّزة في حياتنا، وإدراك قيمة سحرها، ومساهمتها في صناعة مستقبل مشرق.