
أصبح التنوع الثقافي سِمة بارزة تميّز دولة الإمارات، حيث تحتضن البلاد العديد من المناسبات والفعاليات التي تستعرض ثقافات العالم المختلفة، لتختصر بذلك أميالاً طويلة قد يقطعها المسافر لخوض تجارب الشعوب المختلفة، واكتشاف أطباقها، وتجربة أشهر مأكولاتها.

ففي «أسبوع دبي للمطاعم»، تحوّلت الإمارة إلى منصة تذوّق عالمية مفتوحة، تقدم تجارب طعام أصيلة من مختلف بقاع الأرض، حيث يحظى عشّاق المذاق بفرصة فريدة لاكتشاف أطباق تقليدية، تُقدَّم كما تُحضَّر في بلدانها الأصلية، بإشراف نخبة من الطهاة العالميين الذين يجلبون معهم خبراتهم العريقة، وروح مطابخهم.

فقد دعت مؤسسة دبي للمهرجانات والتجزئة سكان المدينة وزوارها، إلى المشاركة في «أسبوع دبي للمطاعم»، الحدث السنوي المنتظر الذي يتيح فرصة استثنائية لاكتشاف نكهات العالم، حيث ضمت دورة هذا العام أكثر من 100 مطعم من نخبة مطاعم دبي، تقدم باقة من الأطباق العالمية المُعدّة على يد شيفات مرموقين، لتجربة الأطباق التي تقدمها مطاعم حائزة على جوائز مرموقة مثل نجمة ميشلان، وتصنيفي «غولت آند ميلو»، و«أفضل 50 مطعماً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2024».

البط من الأطباق العريقة في لندن
وفي حوارنا مع أبرز شيفات المطاعم خلال «أسبوع دبي للمطاعم»، أشار هادي أكنن، الشيف في مطعم «دك أن وافل»، إلى أبرز الأطباق التقليدية في لندن، حيث تمتلك هذه المدينة قائمة متنوعة من الأطباق التي تعكس تاريخها العريق، وثقافتها الغنية، وقال «يعود استخدام البط في إنجلترا إلى العصور الوسطى، حين كان البط البرّي يُصطاد ويُقدَّم في بيوت النبلاء. ومع مرور الوقت، بدأ تدجين البط، ما أسهم في انتشار سلالات متعدّدة، خُصصت لأغراض الطهو. وخلال فترة حكم أسرة تيودور، أصبح البط طبقاً مفضلاً بين الطبقة الأرستقراطية، وغالباً ما كان يُشوى ويُقدَّم مع الفواكه، مثل التفاح والمشمش، لإبراز نكهته الغنية، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومع تطوّر تقنيات الطهو، أصبحت أطباق البط أكثر رقيّاً، وظهرت طرق مثل «الكونفيه»، و«الباتيه»، التي لاقت رواجاً واسعاً. ومن بين أشهر الأطباق التي تعتمد على البط في المطبخ الإنجليزي طبق «البط بالبرتقال»، الذي تعود أصوله إلى المطبخ الفرنسي، لكنه نال شهرة واسعة في إنجلترا».

وأضاف «أما في العصر الحديث، فتتنوع تحضيراته ما بين صدر البط المشوي، وكونفيه ساق البط، وغالباً ما تُقدم هذه الأطباق مع خضروات موسمية، وصلصات غنية، تضيف عمقاً إلى النكهة. وخلال أسبوع دبي للمطاعم، قدّمنا الطبق الأكثر طلباً هو البط والوافل، الذي له نكهة فريدة، والبط المقرمش مع تتبيلة الخردل، وبذور القيقب، وبيضة البط التي تتكامل مع الطبق، إنه طبقنا الأيقوني الذي نقوم بإزالة العظام للضيف عند الطاولة».

المطبخ الإيطالي.. هوية لا مظهر
ومن مطبخ مطعم اكسيليني الإيطالي، أوضح الشيف رينالدو «عندما أرى الانضباط، أقدّره في التالوليني، مع الكمأة الحقيقية، ريزوتو المأكولات البحرية من دون كريما، البوراتا والطماطم كما يجب أن تكون، تيراميسو بلا طرق مختصرة.. باختصار، المطبخ الإيطالي لا يحتاج إلى إعادة اختراع، بل إلى فهم. من يختار الأصالة سيتميّز. وما عداه ضجيج لا أكثر».

العشاء الإيطالي يجمع بين الأناقة وروعة النكهات
من جهته، قدّم مطعم بوسولا الإيطالي تجربة عشاء مكوّنة من ثلاثة أطباق، مُصممة خصيصاً لأسبوع دبي للمطاعم، تستهدف تطلعات عشّاق المذاق الإيطالي الرفيع، مثل طبق «بوراتا كلاسيكا»، مع طماطم عضوية طازجة، أو طبق «كارباتشيو دي مانزو» المُعدّ بدقة، ويُقدَّم مع فطر مخلّل، وأوراق الجرجير الطازجة، أو طبق «فريتورا ميستا»، وهو مزيج مقرمش من المأكولات البحرية المتوسطية، يُقدّم مع الليمون، وآيولي الثوم، تمهيداً لتجربة عشاء تشمل أطباق اللحوم، والمأكولات البحرية المشوية بعناية، بدءاً من طبق «ريزوتو غامبيري» المحضّر بكارباشيو القريدس الأحمر، وطبق «رافيولي كون فونجي» الغني بنكهات الفطر، إلى طبق «تاغلياتا دي مانزو» لعشاق اللحوم.

شارع ألبا.. نكهات طوكيو في قلب دبي
تعود أصول المطعم الياباني إلى ثقافة عريقة تمزج بين البساطة، والدقة، والاهتمام، بأدق التفاصيل. نشأت تقاليد تناول الطعام خارج المنزل في اليابان خلال فترة «إيدو» (1603–1868)، حيث بدأت تنتشر مطاعم متخصصة، مثل «السوشي-يا»، و«رامن-يا»، و«إيزاكايا» التي كانت تقدم وجبات سريعة للمارّة والتجار. ومع تطوّر المجتمع الياباني، أصبحت هذه المطاعم تعكس فلسفة «واشوكو»، أي الطعام الياباني التقليدي.


وفي تجربة مستوحاة من شوارع اليابان النابضة بالحياة، يقدّم «شارع ألبا»، في «سوشال دستركت – دبي مول»، تجربة طعام يابانية عصرية تلتقي فيها الجودة العالية، مع أجواء أكل الشارع المفعمة بالحيوية. هذا المفهوم المحلي الجريء من فريق «ميتافوديز» – خلف مطاعم «ألبا»، «هيميتسو»، و«بيسو» – يترجم روح طوكيو النشطة إلى أطباق شهية تُقدَّم بأسلوب عملي، وسهل، ومثالي للمشاركة، أو التناول أثناء التنقل
شغف عشاق الطعام الجريء
يتناول زوار «شارع ألبا» الأطعمة الطازجة مباشرة من المطبخ المفتوح بأسلوب «إيزاكايا» الشعبي، تحت جرافيتي ملون، وديكور يدمج بين العراقة والحداثة، حيث أعدّ الشيف تشيستياكوف فلاديمير، قائمة تقديم أطباق مطعم ألبا، لكن بروح الشارع، مع ابتكارات تُلبّي شغف عشاق الطعام الجريء.. من الرامن السريع، إلى «هاند رولز» الواجيو، وكلها تقدم بلمسة مرحة، ومعاصرة.
كما يعكس مطعم ألبا الياباني روح الضيافة اليابانية الأصيلة، من خلال أطباق النيجيري، والساشيمي، والأونيجيري، المصنوعة من أجود المكوّنات، مثل سلطعون الملك، الإسكالوب، أوني البحر، ولحم الواجيو الفاخر، ولا تكتمل التجربة من دون تذوّق البرغر المميّز بلحم الواجيو، مع الكيمتشي، أو برغر الدجاج بنكهات فلفل اليوزو.

المطبخ الهندي.. تنوّع النكهات وروح التوابل
يُعدّ المطبخ الهندي من أكثر مطابخ العالم تنوّعاً، وغنى بالنكهات، وهو انعكاس مباشر لتعدّد الثقافات، والديانات، والمناطق الجغرافية في الهند. ويعتمد بشكل أساسي على التوابل، حيث تُستخدم مكوّنات مثل الكركم، الكمون، الهيل، والزنجبيل لابتكار أطباق عطرية ودافئة، بطابع فريد.
وتتنوّع الأطعمة بين شمال الهند وجنوبها؛ ففي الشمال تنتشر أطباق مثل البرياني، الدجاج بالزبدة، والنان، بينما يزخر الجنوب بأطباق تعتمد على الأرز، جوز الهند، والعدس، مثل الدوسا، والسامبار.

مزج النكهات الهندية بالتقنيات العالمية
وفي هذا الصدد، أكد الشيف جوفندا راي، في مطعم «ليفل 19» بدبي، أن المطبخ الهندي ليس مجرّد طعام، بل هو رحلة حسيّة غنية، تعكس تراثاً عميقاً، وثقافة متجذرة في كل مكوّن، وقال «في المطبخ الهندي نحرص على إبراز جوهر هذا التراث من خلال أطباق مثل البرياني، والدجاج بالزبدة، التي نالت حباً واسعاً بين الذوّاقة في الإمارات. ومع ذلك، لا نتوقف عند الكلاسيكيات؛ بل نحرص على مزج النكهات الهندية بالتقنيات العالمية لنقدم تجارب جديدة ترضي كل الأذواق. ما يميّزنا هو الشغف بالتفاصيل، والاحترام الكبير لكل وصفة، والإبداع المدروس في تنسيق التوابل لتلائم أذواق ضيوفنا المختلفة. نحن نؤمن بأن كل طبق يجب أن يُروى كقصة، تُحكى بالنكهة، والرائحة، والمظهر، ونصنع هذه القصص خصيصاً لتناسب ذوق كل ضيف على حدة. ولا يقتصر المطبخ الهندي على الطعم فقط، بل يُعد تجربة حسية متكاملة، تشكل فيها الألوان والروائح جزءاً أساسياً من المتعة، ما جعله من أكثر المطابخ شعبية حول العالم».