عيد الميلاد الشخصي هام.. على الأقل بالنسبة إلى الشخص نفسه. والاحتفال بأعياد الميلاد عادة استقدمتها البلدان العربية في القرن العشرين من الغرب، مع قالب الحلوى، والشموع، والهدايا لصاحب العيد. بيد أن هذه المناسبة كان يحتفل فيها على مساحة الوطن العربي الجغرافية أيام الفراعنة في مصر القديمة، وأيام السومريين في بلاد ما بين النهرين، وأيضاً لدى الإغريق، وفي الإمبراطورية الرومانية.
ويترافق قِدَم هذه العادة مع تنوّع الشعائر الاحتفالية التي تصاحبها في مختلف بلدان العالم حتى اليوم. وتعتبر في بعض البلدان نوعاً من «عيد انتقال» من مرحلة إلى أخرى، كما في اليابان الذي يحتفل بأعياد الأطفال في سِن الثالثة، والخامسة، والسابعة، بوصفها محطات هامّة في نموّهم، ودخولهم التدريجي عالم الحياة الاجتماعية.
وفي المكسيك أيضاً، يعتبر بلوغ الفتاة سِن الخامسة عشرة نقطة تحول حاسمة في حياتها، تنتقل فيها من الطفولة إلى سِن الرشد، لذا تترافق مع احتفالات كبيرة، دينية وراقصة، ترتدي فيها الفتاة عدداً من الفساتين الأنيقة. وفي كوريا الجنوبية، يُقام احتفال بعيد ميلاد الطفل عند بلوغه سنته الأولى، لأنه تمكن من اجتياز هذه السنة المحفوفة بالمخاطر الصحية، والتي كانت تشهد في السابق مستوى عالياً من الوفيات بين المواليد الجدد.
أما في فيتنام، فإن الجميع يحتفلون بعيد ميلادهم في يوم واحد، هو يوم رأس السنة الفيتنامي، المدعو «تيت»، وهي طريقة جماعية لتحيّة التقدّم في السّن، وتوطيد العلاقات الاجتماعية. وفي الحقيقة، أن كل الشعائر التي سبق ذكرها، وسواها، ما هي إلا انعكاسات لقيم اجتماعية عميقة تنمّ عن احترام للتقاليد، والأسرة، والمجتمع. وإضافة إلى كونها أوقات متعة وفرح، إلا أنها كذلك مناسبات تنتقل فيها قيَم ثقافية محدّدة، كالتضامن الأسري والمجتمعي.
ولطالما ابتكر الإنسان، سواء أكان في العهود القديمة أم الحديثة، أعياداً ومناسبات للاحتفالات الجماعية، والاجتماع العائلي الصغير، وصولاً إلى الاجتماع الوطني العام، ومروراً، في عصر العولمة، بالأعياد ومناسبات الذكرى العالمية، من أجل توطيد أواصر الوحدة بين المجموعات البشرية، من أصغرها إلى أكبرها. وإذ يفرح الإنسان بعيد ميلاده الشخصي، حيث يشعر بأهميته في عيون الآخرين، وبفرديته، تساعد الأعياد الأخرى، الوطنية منها والعالمية، كيوم الطفل، ويوم البيئة، وسواهما، على تنمية إحساسه بالانتماء، والواجب تجاه مجتمعه، وبلده، والجنس البشري... وتجاه كوكب الأرض الذي يحتضن كل ما سبق.