أميرة بوكدرة: الكتابة نافذتي لاستكشاف الذات واستيعاب العوالم من حولي

بخبرتها ورؤيتها الاستراتيجية الطموحة تقود جمعية الناشرين الإماراتيين، ساعية لترسيخ صناعة نشر متطوّرة ترتقي بالمشهد الثقافي المحلي، وتواكب التغييرات العالمية. تجمع بين حنكة الإدارة، وحسّ المبدع، فتكتب بروح عاشقة للكلمة، وتؤسّس لمبادرات طموحة تسهم في دعم الناشرين، وتوسيع حضور الكتاب الإماراتي.
هي أميرة بوكدرة، رئيس مجلس إدارة جمعية الناشرين الإماراتيين، التي في حوارنا معها، نفتح نافذة على رؤيتها لمستقبل النشر في الإمارات، والتحدّيات التي يواجهها الناشر المحلي، ونقترب من عوالمها الإبداعية التي تنبض بحب التراث، وشغف الطفولة، في توازن دقيق بين العمل الثقافي، والكتابة:

بصفتك رئيس مجلس إدارة جمعية الناشرين الإماراتيين.. كيف تصفين دور الجمعية في دعم قطاع النشر المحلي؟
نعمل في جمعية الناشرين الإماراتيين بتوجيهات الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، المؤسِّسة والرئيسة الفخرية للجمعية، على دعم وتمكين الناشرين المحليّين، من خلال توفير بيئة محفزة ترتقي بصناعة النشر في الدولة، كما نحرص على تقديم الدعم المهني واللوجستي، وتوفير فرص تدريب وتأهيل لمواكبة أحدث ممارسات النشر. وفي هذا الإطار، أطلقنا عدة مبادرات مؤثرة، أبرزها «صندوق الشارقة لاستدامة النشر – انشر»، ومشروع «التقِ الناشر الإماراتي» لتوسيع حضور الناشرين عالمياً، إضافة إلى برامج تدريبية، ومذكرات تفاهم لدعم التخصّصات، مثل المكتبات. كما وفّرنا دعماً مباشراً للناشرين خلال جائحة «كورونا» عبر صندوق الأزمات، وسعينا لرفع الحضور العالمي للكتاب الإماراتي من خلال شراكات، مثل التعاون مع «Nielsen BookData»، إضافة إلى حرصنا المستمر على بناء شراكات استراتيجية مع مؤسسات ثقافية، محلية وعربية، لتحقيق تطلعاتنا إلى أن تكون الإمارات مركزاً رائداً في صناعة النشر، على مستوى العالم.
ما هي التحدّيات التي يواجهها الناشر الإماراتي اليوم، وكيف تعمل الجمعية على مواجهتها؟
يواجه الناشر الإماراتي، اليوم، مجموعة من التحدّيات المتنامية، أبرزها مواكبة التحول الرقمي السريع في قطاع النشر، حيث أصبحت التقنيات الحديثة ضرورة لتعزيز جودة الإنتاج، والتوزيع، مع أهمية الالتزام بالضوابط القانونية المتعلقة بحماية المِلكية الفكرية. من هذا المنطلق، تعمل الجمعية على دعم الناشرين في تبنّي هذه التقنيات عبر برامج تدريبية متخصصة، تهدف إلى تطوير قدراتهم في مجالات النشر، الرقمي والتقليدي، على حدّ سواء. كما يشكل انتشار المنصات الرقمية تحدّياً إضافياً، يتمثل في القرصنة الفكرية، ما يستدعي جهوداً متواصلة لحماية حقوق الناشرين والمؤلّفين. ولهذا، تحرص الجمعية مع الجهات المعنية على تعزيز المنظومة القانونية لمحاربة القرصنة، ورفع الوعي بأهمية احترام الحقوق الأدبية، والفكرية.
أما على صعيد المنافسة مع الأسواق العالمية، فإن الجمعية تركز على رفع جودة الإنتاج المحلي، وتسهيل الوصول إلى القراء في مختلف أنحاء العالم، من خلال مبادرات مختلفة تسهم في تحسين فرص التوزيع الدولي للكتب الإماراتية. كما تعمل الجمعية على التخفيف من الأعباء المالية التي تواجه الناشرين، عبر توفير منصات تسويقية، محلية ودولية، تتيح لهم فرصاً أوسع لعرض أعمالهم والوصول إلى جمهور جديد، بما يسهم في تعزيز استدامة أعمالهم، وتوسيع نطاق تأثيرهم الثقافي.

كيف تنظرين إلى التحوّل نحو النشر الرقمي، وهل يمكن أن يحلّ محل النشر الورقي؟
التحوّل إلى النشر الرقمي يُعد تطوراً طبيعياً في ظل الثورة التكنولوجية، وهو اليوم واقع لا يمكن تجاهله. لقد أتاح هذا الشكل من النشر مزايا هامّة، أبرزها سهولة الوصول، وتخفيض التكاليف، وتقديم محتوى تفاعلي متنوّع. ومع ذلك، لا أعتقد أن النشر الإلكتروني سيحلّ تماماً محل الورقي، إذ لا يزال للكتاب المطبوع مكانته الخاصة لدى فئة كبيرة من القراء، بخاصة في الأعمال الأدبية، والمطبوعات ذات الطابع التراثي، أو الفاخر. لذلك أرى أن التكامل بين النشر الورقي والرقمي، هو المسار الأمثل، بما يضمن تنوّع الخيارات، ويخدم مختلف الأذواق، والاحتياجات.
السياسات التي تتبناها الإمارات في دعم القراءة والمبادرات الثقافية التي تهدف إلى غرس حب القراءة في نفوس الأجيال تعزّز الإقبال على الكتب
كيف ترصدين مستقبل النشر في الإمارات خلال السنوات المقبلة؟
في الإمارات أرى آفاقاً واعدة لمستقبل النشر، حيث من المتوقع أن يشهد القطاع نموّاً ملحوظاً بفضل الاهتمام الذي توليه الدولة لدعم هذه الصناعة، والبيئة المواتية التي توفرها في هذا الإطار. فمن جهة، تسهم البنية التحتية الرقمية المتقدمة في جعل التحوّل الرقمي وتبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج الكتب وتسويقها، أمراً سهلاً على الناشرين. كما أن السياسات التي تتبناها الإمارات في دعم القراءة والمبادرات الثقافية التي تهدف إلى غرس حب القراءة في نفوس الأجيال تعزز الإقبال على الكتب، ما ينعكس إيجاباً على عمل الناشرين. ومن جانب آخر، هناك ازدياد في الاهتمام بالمحتوى المحلي الموجّه للأسواق العالمية، ما يتيح آفاقاً واسعة أمام الناشرين لتوسيع نطاق أعمالهم، ويسهم في ازدهارها.

متى بدأت رحلتك مع الكتابة الإبداعية، وما هي المواضيع التي تستهويك؟
بدأت بالكتابة عام 2016، في ذلك الوقت لم يكن الأمر خياراً واعياً، بقدر ما كان نداء خفيّاً من الحروف نفسها، كأن الكلمات اختارتني لأكون لسان حالها. أؤمن بأن هذه الموهبة هِبة من الله، أحمده عليها كل يوم، إذ فتحت لي نافذة للتعبير عن الذات، واستيعاب العوالم من حولي. عند الكتابة للكبار، يشدّني الماضي بكل ما يحمله من عبق التاريخ، وتراث منطقة الخليج الغني، فأجد في تلك القصص القديمة مادة ملهمة تستحق أن تروى للأجيال. أما حين أكتب للأطفال، فأدخل عوالمهم البريئة، أحاول أن ألامس مشاعرهم، أفهم احتياجاتهم، النفسية والعقلية، وأطرح ما يمنحهم الطمأنينة، ويحفز فضولهم، في رحلة تفاعلية تجيب عن تساؤلاتهم، وتثير المزيد منها.
كيف أسهمت بيئتك الأُسرية في تشكيل شغفك بالقراءة والكتابة، وما هي أبرز الكتب التي أثرت في مسيرتك؟
كان للبيئة دور محوري في غرس حب القراءة والكتابة في داخلي. نشأت في منزل تملأه الكتب، بمختلف أنواعها، وكان والدي، رحمه الله، قارئاً نهماً، لا يفرض قيوداً على ما نقرأ، بل يشجعنا على استكشاف كل ما يثير فضولنا. تأثرت كثيراً بميوله الأدبية، بخاصة ولعه بكتب أخبار العرب، والشعر العربي، ما جعلني أتشبع منذ الصغر بأشعار المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، وعوشة السويدي، والماجدي بن ظاهر، وصولاً إلى شعر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هذه التجارب المبكرة شكلت ذائقتي الأدبية، وعمّقت ارتباطي بالكلمة المكتوبة.

شاركت في تأسيس «غاف»، ما الرؤية التي تقوم عليها المكتبة؟
استلهمنا في «غاف» رؤيتنا من شجرة الغاف، تلك الشجرة الرمزية المتجذرة في أرض الإمارات، والتي تجسد الصمود والاستمرارية، فهي تمتد بجذورها عميقاً في الأرض، لتصل إلى أكثر من 50 متراً، تحت الرمال، وتزدهر رغم قساوة الظروف لتعيش مئات السنين.. من هذا المعنى العميق، انطلقت المكتبة لتكون منصة ثقافية متجذرة في الأدب الإماراتي، والعربي، ومنفتحة في الوقت نفسه على آفاق النشر المعاصر، والتجارب الثقافية الجديدة، لذلك نطمح إلى أن تكون «غاف» صوتاً قوياً ومستداماً، يعبّر عن هويتنا الأدبية بكل أصالتها، وحداثتها.
مع جملة المسؤوليات والأدوار التي تقومين بها، كيف توفقين بين عملك في النشر واهتمامك بالكتابة؟
الموازنة بين عملي في مجال النشر وشغفي بالكتابة ليست بالمهمة السهلة، فالنشر يتطلب جهداً مكثفاً، بينما تحتاج الكتابة إلى الاختلاء بالنفس، والصفاء الفكري. ربما يكون إنتاجي ككاتبة أقل عدداً، لكن فرحتي تكبر كلما شهدت إصدارات جديدة تخرج للنور عبر «غاف». فكل كتاب ننشره هو إنجاز يحمل بصمة من رؤيتنا ورسالتنا الثقافية، ليس في الإمارات فقط، بل على مستوى الوطن العربي.