10 نوفمبر 2025

تجسس الخاطب على مخطوبته... سلوك يرفضه الشرع

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

يقوم الزواج على الثقة بين طرفي العلاقة الزوجية، وهذه الثقة يجب أن تبدأ قبل التفكير في الارتباط، حيث لا يصح أن يتقدم شاب لخطبة فتاة وهو غير واثق بأخلاقها، ولا تقبل بنت ،أو أسرتها، أن يدخل بيتهم شاباً لا يثقون بأخلاقه. والخطبة لم تشرع للتجسّس وممارسة سلوكات تدل على الريبة، والشك، وعدم الثقة، بل شرعت للتعارف والتواصل وفق ضوابط شرعية، لكي يتأكد كل طرف أن شريك حياته المقترح هو المناسب له.

لكن بعض الشباب الذين يتقدمون لخطبة فتيات يطاردونهنّ بالشكوك والظنون، ويمارسون التجسس عليهنّ في كل مكان. فهل يبيح الشرع سلوكات من هذا النوع؟

بداية، يؤكد العالم الأزهري د. شوقي علام، مفتي مصر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: «رسم الإسلام للعلاقة بين المخطوبين صورة أخلاقية، وسلوكات مثالية تحفظ لكل منهما كرامته الإنسانية، وصورته الذهنية لدى الآخرين، فلو تمت الخطبة وفق ضوابط شريعتنا الإسلامية الغرّاء لاتّضح لكل منهما مدى صلاحية الطرف الآخر له، من عدمه، فلو تحقق التلاقي النفسي، ووُجدت الرغبة العاطفية استكملا مشروع الزواج، حتى تستقر العلاقة بينهما، وتتحقق المودة والرحمة التي أكد عليها القرآن الكريم، في قول الحق سبحانه: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون». وإذا لم يحدث التلاقي النفسي ذهب كل منهما إلى حال سبيله، من دون أن يؤذي الطرف الآخر بكلمة جارحة، أو سلوك عشوائي».

 سألت مفتي مصر السابق: هل يبيح الإسلام للخاطب أن يتجسس على مخطوبته خلال فترة الخطبة لكي يطمئن قلبه أنها على الطريق الصحيح؟

أجاب قائلاً «هذا سوء ظن يرفضه الإسلام، حيث يحرم على الخاطب شرعاً التجسس على مخطوبته، أو تتبّع عثراتها، ويأثم إذا فعل شيئاً من ذلك، بل ينبغي على المخطوبين إحسان الظن في بعضهما بعضاً، والتعاون على البر والتقوى، ومَن ثارت في نفسه شكوك تجاه الآخر منهما فعليه مصارحته بذلك، بقصد التفهم، والإصلاح، والنصح، ليكون ذلك أحرى بينهما، إذا يَسّر الله لهما إتمام الزواج».

ويضيف: «يجب أن تقوم العلاقة بين المخطوبين على الثقة المتبادلة، وتغليب حسن الظن في إطار علاقة إنسانية راقية، لما يترتب على ذلك من طمأنينة، واستقرار نفسي يعود على الطرفين. لذلك كان التوجيه الديني بإحسان الظن بين المخطوبين، وعدم التسرع في اتهام أي منهما بتهمة تمسّ شرفه وكرامته، من دون أدلة وبراهين إدانة واضحة، وهذا شأن أصحاب الأخلاق العالية، والنفوس الطيبة. ولذلك، يرفض الإسلام بشكل حاسم، سلوك هؤلاء الذين يسيئون الظن بمن يفكرون في الارتباط بهم كشركاء حياة، سواء أكانوا، من الرجال أم النساء».

مجلة كل الأسرة

إنه سوء الظن

 ولكن بعض الشباب يرون أنه ليس سوء ظن، بل مجرّد تحرّيات ليطمئن قلب الخاطب قبل استكمال مشروع الزواج. هنا تسأل د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر «ولماذا الخاطب وحده الذي يريد أن يطمئن قلبه، ويجري تحرّيات على مخطوبته؟ لماذا لا نبيح للمخطوبة هي الأخرى أن تتحرّى وتتجسّس على من يريد الزواج منها، فقد يكون أفسد خلق الله؟».

وتضيف: «شعور كل من المخطوبين بالغيرة المعتدلة على الآخر شعور نبيل، وهو يعني حب الإنسان له، وحرصه على شرفه وكرامته. لكن تجسس كل المخطوبين على الآخر سوء ظن واستسلام للأوهام والهواجس النفسية، وقد يؤدي لظلم يفسد العلاقة الزوجية، ولذلك حذرنا القرآن الكريم من سوء الظن عموماً في قول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم»، وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث»، وسوء الظن يعني تغليب التهمة والتخوّن في غير محله، وهو أمر نهى عنه القرآن، وحذر منه رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه.

ولذلك عطف الله سبحانه وتعالى النهي عن سوء الظن، بالنهي عن خصلة سيئة أخرى تؤدي في الأغلب إلى سوء الظن، وهي التجسس، فقال: «ولا تجسسوا»، ذلك أن الشخص الذي يسيطر عليه سوء الظن يريد أن يتحقق من سوء ظنه فيتجسس، ويبحث، ويستمع إلى كل ما يقال له دعماً لما يسيطر عليه من وهم وسوء ظن».

لذلك تطالب د.فتحية الحنفي بتغليب (الظن الحسن)، وتبين «أصحاب النفوس الطيبة الكريمة لا يتهمون الآخرين، ولا يخوّنونهم، ولا يتجسّسون عليهم ، بل ينظرون إليهم نظرة ثقة، وحسن ظن، وينتظرون منهم الخير حتى ولو كانوا يختلفون معهم في بعض الطباع، وبعض الأمور، وهذا شأن العقلاء وأصحاب النفوس السوية».

وتنتهى إلى أن حسن الظن بين المخطوبين يؤدي إلى تأليف القلوب، ويعمّق من جدار الثقة بينهما، وكل من يلتزم بإحسان الظن بمن يفكر في الزواج به، وعدم التسرع في اتهامه، أو تخوينه، يكتب الله له الخير، ويوفقه إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة.