02 فبراير 2025

تجسّس الرجل على زوجته.. سلوك يرفضه الإسلام

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

رسم الإسلام للعلاقة بين الزوجين صورة أخلاقية وسلوكية مثالية، وبنى تلك العلاقة على قيم وأخلاقيات رفيعة، حتى تستقر حياتهما، وتتحقق المودّة والرحمة اللتين أكّد عليهما القرآن الكريم في قول الحق سبحانه: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون».

لكن الغيرة على الزوجة، والحرص على الشرف والكرامة، يدفعان بعض الرجال إلى التجسّس على زوجاتهم.. فهل يبيح الإسلام للرجل أن يتجسّس على زوجته، ويراقب سلوكها لكي يطمئن قلبه أنها على الطريق الصحيح؟ عرضنا هذا السؤال المهم على نخبة من كبار علماء الأزهر الشريف.

مجلة كل الأسرة

احذروا سوء الظن بشريك الحياة

بداية، يؤكد العالم الأزهري د. شوقي علام، مفتي مصر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن تعاليم الإسلام وتوجيهاته تؤكد ضرورة قيام العلاقة الزوجية على الثقة المتبادلة بين الزوجين، وتغليب حسن الظن، وتعميق العلاقة الإنسانية بين الطرفين لما يترتب على ذلك من استقرار للأسرة، ومنافع ومكاسب تعود على المجتمع ككل.

ويضيف «لذلك كان التوجيه القرآني بإحسان الظن بين الزوجين، وعدم التسرّع في اتهام أي منهما بتهمة تمسّ شرفه وكرامته، من دون أدلة وبراهين إدانة واضحة، وهذا شأن أصحاب الأخلاق العالية، والنفوس الطيبة».

من هنا يرفض الإسلام بشكل حاسم، كما يشدّد مفتي مصر السابق، سلوك هؤلاء الذين يسيئون الظن بشركاء حياتهم، من الأزواج أو الزوجات، ويستجيبون لشياطين الجن والإنس، ويجسدون الخطايا فيهم من دون أدلة وبراهين دامغة، كما يرفض ويدين سلوك هؤلاء الذين يبالغون في الغيرة، ويغلّبون سوء الظن.

مجلة كل الأسرة

الفارق بين الغيرة المعتدلة وسوء الظن بين الزوجين

يبيّن د. علام «الغيرة المعتدلة شعور نبيل، سواء صدر من زوج أو زوجة، وهو يعني حب الإنسان للطرف الآخر، وحرصه على شرفه وكرامته. أما سوء الظن فهو خضوع واستسلام للأوهام والهواجس النفسية لظلم شريك الحياة، واتهامه بما ليس فيه، ولذلك حذّرنا القرآن الكريم من سوء الظن عموماً، في قول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم»، وقال عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»، وسوء الظن يعني تغليب التهمة، والتخوين في غير محلّه، وهو أمر نهى عنه القرآن، وحذّر منه رسولنا الكريم، صلوات الله وسلامه عليه».

ويضيف «لذلك، عطف الله سبحانه وتعالى النهي عن سوء الظن، بالنهي عن خصلة سيئة أخرى تؤدي في الأغلب إلى سوء الظن، وهي التجسّس، فقال: «ولا تجسّسوا»، ذلك أن الشخص الذي يسيطر عليه سوء الظن يريد أن يتحقق من سوء ظنه فيتجسّس، ويبحث ويستمع إلى كل ما يقال له دعماً لما يسيطر عليه من وهم، وسوء ظن».

ويشير مفتي مصر السابق إلى أن سوء الظن يقابله (الظن الحسن)، وأصحاب هذا الظن الحسن من الأزواج والزوجات لا يتّهمون شركاء حياتهم، ولا يخونونهم، ولا يتجسّسون عليهم، بل ينظرون إليهم نظرة ثقة وحسن ظن، وينتظرون منهم الخير حتى ولو كانوا يختلفون معهم في بعض الطباع، وبعض الأمور، وهذا شأن العقلاء وأصحاب النفوس السوية.

وهنا يشدّد د. علام على أن حسن الظن بشريك الحياة يؤدي إلى تأليف قلبيهما، ويعمّق من جدار الثقة بين الزوجين، وكل من يلتزم بإحسان الظن، بشريك حياته وعدم التسرع في اتهامه أو تخوينه دون دليل أو برهان، يعيش معه حياة آمنة مستقرة.

مجلة كل الأسرة

التجسّس بين الزوجين عبر وسائل الاتصال الحديثة

وما حكم الدين في تجسّس الزوج على زوجته، أو العكس، عن طريق وسائل الاتصال الحديثة؟ يجيب د. علام «تجسّس أحد الزوجين على الآخر، أو تتبّع عوراته حرامٌ شرعاً، والواجب على كل منهما رعاية حق الآخر، وإحسان الظن به، والتعاون معه على البر والتقوى، ومن ثارت في نفسه شكوك تجاه الآخر فعليه مصارحته بقصد الإصلاح والنصح، والتذكير بحق المعاشرة بالمعروف التي أمر اللهُ تعالى بها».

كما يشير د. علام إلى تصرف بعض الأزواج بمفاجأة الزوجة بالعودة للمنزل على غير المعتاد بسبب تشككهم في سلوك زوجاتهم، ويؤكد «هذا شكل من أشكال التجسّس المنهي عنه شرعاً، وقد ثبت أن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، نهى من طال غيابه عن زوجته أن يأتيها فجأة، وجاء في تعليل العلماء لهذا النهى سببان:

الأول: لكي تتجهز الزوجة بالتنظف والتجمل، وتهيئة نفسها لاستقبال زوجها بعد غيابه الطويل. فعن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غَزَاة، فلما قَدِمنا المدينة ذهبنا لندخل، فقال: «أَمْهِلُوا حتى نَدْخُلَ ليلاً - أَيْ عِشاء - كي تَمتَشط الشّعِثة، وتسْتَحدّ الْمُغِيبَة».

الثاني: لأن في مفاجأة الزوجة بالعودة للمنزل في غير الوقت المعتاد من دون سبب واضح لذلك، اتهام ضمني لها، أو على الأقل شك في سلوكها. والنهي هنا علّته ألا يهدم الرجل بيته باتهامه لزوجته. وقد ثبت أن رسول اللَّه، صلّى الله عليه وسلّم، نهى «أَنْ يطرقَ الرجل أَهله ليلاً يَتَخَوَّنهم أو يلتمِس عثراتهِم».

مجلة كل الأسرة

سوء الظن من الكبائر

وما التوصيف الشرعي لإساءة الظن بالزوجة أو الزوج؟

يوضح د. حسن الصغير، أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر والأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية «كل رجل ينصاع وراء سوء الظن، ويغلّبه على حسن الظن؛ يخالف تعاليم وآداب دينه، فسوء الظن بالزوجة، والتجسّس عليها من فعل الشيطان الذي يزين للزوج سوء الظن بزوجته، واتهامها بما ليس فيها، وهذا من سوء الخلق».

ويواصل «سوء الظن عدّه العلماء بأنه من الكبائر، فمن أساء الظن بزوجته ونسب لها شراً بمجرّد الظن، حمله الشيطان على احتقارها، وعدم القيام بحقوقها، وإطالة اللسان في عرضها، والتجسّس عليها.. وكل هذا منهي عنه شرعاً».

وهنا ينبّه العالم الأزهري إلى خطورة هذه الرذيلة «واجب الزوج أن يحسن الظن بزوجته، لأن سوء الظن بها ظلم لها، وإساءة إلى سمعتها وشرفها». كما يذكّر د. الصغير الجميع، من أزواج وزوجات، بقول الله تعالى: «اجتنبوا كثيراً من الظن»، وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تعالى حرّم على المسلم دمه، وماله، وعرضه، وأن يظن به ظن السوء».

ويشرح «ديننا يرفض أن يفتش كل من الزوجين في حياة الآخر بحثاً عن العيوب، وتصيّد الأخطاء، وتحويل الخطأ إلى خطيئة، بل هو يحضّ على ستر العيوب، وتقديم النصيحة الصادقة لكل من فيه عيب، لكي يصلح من حال نفسه، من دون فضيحة، أو تشهير، أو إساءة. وعلى كل من الزوجين أن يدركا أن صيانة الأعراض، والمحافظة على الحرمات والسمعة والكرامة من فرائض الإسلام، وواجباته الأساسية، حتى تقوى صلات الأزواج بعضهم ببعض، أو ينفصلوا لو كانت هناك أسباب قوية تستدعي هذا الانفصال، من دون أن يتعرّف الناس إلى أسباب انفصالهم».

مجلة كل الأسرة

الدافع الأول للتجسّس

من جهته، يؤكد د. مجدي عاشور، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية ومستشار مفتي مصر، أن الدافع الأول لتجسّس الزوج على زوجته هو الغيرة عليها، ويقول «الغيرة مطلوبة ومرغوبة، ليس من جانب الزوج تجاه زوجته فحسب، ولكن من جانب الزوجة تجاه زوجها أيضاً، فهي من الحقوق المشتركة بين الزوجين، وهدفها أن يصون كل طرف الآخر من كل ما يخدش الشرف، ويتنافى مع الكرامة الإنسانية».

ويضيف «لكن يجب أن يحرص كل من الزوجين على أن تكون غيرته على شريك حياته في إطار آداب الإسلام، فلا مجال لسوء ظن، أو اتهام عشوائي ظالم، أو تهوّر سلوكي، بل يمارس الزوج والزوجة الغيرة في الحدود المقبولة شرعاً، من دون سوء ظن، ومن دون اتهام عشوائي، ومن دون ظلم لشريك الحياة».

ويرفض أمين الفتوى مصادرة مشاعر الغيرة المتبادلة بين الزوجين، أو إدانتها، فهي طبيعة في الإنسان- رجلاً كان أو امرأة- فمن طبيعة الزوجة السّوية أنها تغار على زوجها، وكذلك الزوج السّوي يغار على زوجته، لكن على الجميع- من أزواج وزوجات- أن يعلموا أن هناك فروقاً كبيرة بين الغيرة المحمودة التي تستهدف الحفاظ على الشرف والكرامة وإعلاء شأن الفضائل ومكارم الأخلاق، والغيرة المذمومة التي تقوم على سوء الظن من دون مبرر، والاتهامات الباطلة.

ويشير د. عاشور إلى ضرورة أن تكون الغيرة بين الزوجين في حدود الاعتدال، وأن تكون من أجل الدفاع عن الفضائل ومكارم الأخلاق، فإذا اتضح لطرف من طرفي العلاقة الزوجية خيانة الآخر له، أو إخلاله بما يحافظ على شرف العلاقة الزوجية، فالإسلام قد رسم الطريق، وهو الانفصال، ليذهب كل طرف إلى حال سبيله، ويتحمّل الطرف المخطئ نتيجة خطئه، من دون ارتكاب جرائم، أو كشف أسرار، ونشر فضائح بين الناس «من تعاليم ديننا الستر على المخطئ، والأخذ بيده للتخلص من ذنوبه وآثامه، وليس تعليق المشانق له، حتى ولو ارتكب جريمة من الجرائم المخلّة بالشرف، ومن بينها جريمة الزنا.

فالأمر هنا يعود إلى عقلية الزوج وحالته النفسية تجاه زوجته، فقد يتقبل الرجل أن يعيش مع زوجة مخطئة، ويستر عليها، ويساعدها على التوبة. ولو فعل ذلك نال الأجر من الله عز وجل، فهو سبحانه وتعالى الرؤوف الرحيم بعباده، وهو القائل في كتابه الحكيم: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم»، فلا ذنب بلا توبة، وفي واقع الحياة لا يتوقف الإنسان عن ارتكاب مخالفات وتجاوزات شرعية بقصد، أو من دون قصد، وعن علم بها، أو جهل بحقيقتها، وكل مسلم- مهما عظم ذنبه- مطالب شرعاً باللجوء إلى الله، وطلب العفو والمغفرة».

ويضيف «وقد لا يقبل الزوج أن يكمل حياته مع زوجة مخطئة، ومرتكبة لجريمة أخلاقية تمسّ الشرف والكرامة، وهو معذور في ذلك، ولا ينبغي أن ندين غيرة هذا الرجل، أو سلوكه. لكن في كل الأحوال ننصحه بالستر على زوجته، وتطليقها، من دون الكشف عن سرّها، حتى لأقرب الناس إليها، وله أجر وثواب ذلك لو فعل. ولو فعل غير ذلك وشهّر بها وفضحها بين الناس كان آثماً شرعاً».

تجسّس الخاطب على مخطوبته

من الملاحظ أحياناً أن بعض الشباب يلجؤون إلى التجسّس على من تقدموا لخطبتهن، بحجة الاطمئنان إلى التزامهن الشرعي والأخلاقي.. فهل يبيح الشرع ذلك؟

يجيب د. عاشور «هذا سلوك محرم شرعاً، فالتجسس على المخطوبة أو تتبُّع عثراتها سلوك لا تقره شريعة الإسلام، ومن يفعل ذلك يأثم شرعاً».

اقرأ أيضاً:
- هل من حق الزوجة التجسس على هاتف زوجها؟ الخبراء يجيبون
- دليلك للتعامل مع الزوج "الشكاك"