قصة هذا الموضوع تبدأ من معاناة شاب تزوج حديثاً من فتاة متدينة حيث عمل بالتوجيه النبوي الكريم «فاظفر بذات الدين تربت يداك» وكان سعيداً بالارتباط بها قبل الزواج، فقد ظفر مؤخراً بفتاة متدينة تعرف حقوق زوجها، وتحسن التعامل معه، وستجيد تربية أطفالها على القيم والأخلاق الفاضلة.
بعد الزواج لم يجد الشاب في زوجته المتدينة ما يبحث عنه، فهي لا تبدي اهتماماً بحقوقه الزوجية، ولا تتجمل له كما تفعل معظم الزوجات، ولا تنشغل كثيراً به داخل المنزل، ولا ترحب بأية دعوة لزيارة الأقارب والتواصل معهم، وعندما يناقشها في ذلك تدعي أنها تلتزم بتعاليم دينها.. الأمر الذي دفعه إلى الذهاب للجنة الفتوى بالأزهر ليسأل العلماء:
هل يكون آثماً لو طلقها بسبب إهمال حقوقه وعدم التجمل له، وفرض حياة كئيبة عليه؟
في لجنة الفتوى نصحه العلماء بالصبر على زوجته، ومحاولة إقناعها بالقدوم معه إلى اللجنة كي يوضحوا لها حقوق زوجها عليها وكيفية التعامل معه، ويصححوا لها المفاهيم الخطأ العالقة بذهنها عن الدين.. وطالبوه بالتخلي عن فكرة تطليقها وأوضحوا له أن الطلاق «أبغض الحلال» ولا يجوز شرعاً التفكير فيه إلا إذا وصلت العلاقة بينها إلى طريق مسدود.
لذلك ذهبنا لعدد من كبار علماء الإسلام ليوضحوا لنا كيف تكون العلاقة بين الرجل وزوجته، وما المباح والمحظور في العلاقات الزوجية خاصة في ظل تدين أحدهما وإهماله لحقوق شريك حياته.. وفيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به الأزواج والزوجات:
الفهم الخطأ لتعاليم الدين
في البداية، يؤكد د. محمد أبو زيد الأمير، أستاذ الشريعة الإسلامية ونائب رئيس جامعة الأزهر، أن الفهم الخطأ لتعاليم الدين موجود- للأسف- داخل بعض العقول وخاصة بين فئة الشباب، فهناك من الشباب المتدين من يفهم أمور الدين على غير صورتها الحقيقية، فتجدهم منعزلين عن الحياة، ويعيشون بلا طموح، وأكثر استسلاماً للواقع الذي يعيشونه، دون أن يبذلوا الجهد الواجب لتحسين معيشتهم وتحقيق الأمنيات والرغبات.
مَنْ تهمل التزين لزوجها لتلبية رغباته المشروعة، ومَنْ تتجاهل مشاعره الإنسانية ولا تخاطب وده، هي زوجة لا تلتزم بتعاليم الدين
ويضيف «يجب أن نعترف أن بعض الشباب حصروا التدين في «نظرة ضيقة» تقف عند أداء العبادات والمظاهر الشكلية مثل إطلاق اللحية، وعدم الاهتمام بمظاهر الجمال والأناقة والذوق الرفيع في ملابسهم، وهذه المظاهر تشمل الذكور والإناث، والواقع أن هذه الرؤى الضيقة للدين تحرم الإنسان من هداية السماء، ومَنْ يفهم الدين على حقيقته يعيش سعيداً، ويستمتع بكل نعم الله وفق الضوابط الشرعية، فلا يحرم نفسه من نعمة، وفى الوقت نفسه لا يهدر تلك النعم، لأن هذا جحود لها».
ويؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية أن العلاقة الزوجية لا تستقيم إلا إذا كان بين الزوجين تفاهم وتعاون ومودة.. وكيف يحدث ذلك بين طرفين يعيش كل واحد منهما في واد، أو في عزلة عن الآخر، ويغلف عزلته بستار التدين. في الواقع مَنْ تهمل حقوق زوجها، ومَنْ تهمل التزين لزوجها لتلبية رغباته المشروعة، ومَنْ تتجاهل مشاعره الإنسانية ولا تخاطب وده، هي زوجة لا تلتزم بتعاليم الدين، وعلى كل زوجة تفعل ذلك أن تراجع نفسها، وتعود إلى صوابها، فما كان التدين الصحيح ولن يكون أداة للعزلة، والحياة الجافة من المشاعر، الخالية من البهجة وأدوات إسعاد النفس وشريك الحياة بكل ما هو مباح ومشروع، والحمد لله المباحات أضعاف المحظورات في العلاقات الزوجية».
التدين ليس مجرد مظهر خارجي
من جانبه، يؤكد د. فتحي الزغبي، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن التدين ليس مجرد مظهر خارجي، أو سلوك يبدو منه الحرص على تعاليم الدين بعيداً عن تلبية مطالب النفس البشرية «التدين في جوهره سر بين العبد وربه، هو التزام ديني وأخلاقي قبل أن يكون مظهراً شكلياً أو سلوكاً خالياً من المرح والدعابة، وهناك كثير من الناس- رجال ونساء- متدينون وملتزمون دينياً وأخلاقياً يحسبهم الجاهل المهتم بالمظاهر الشكلية بعيدين عن التدين، لأنهم يعيشون حياتهم على نحو عادي في ملبسهم ومطعمهم ومسكنهم، ويعيشون مع أهلهم وأولادهم في سعادة وبهجة، ولكنهم لا يؤذون أحداً، وملتزمون بواجباتهم الدينية دون نفاق، أو اهتمام بالشكل على حساب الجوهر، وهذا ما يطالبنا ديننا به.
التدين الحقيقي لا يعنى الحرمان من الطيبات أو المباحات، كما أنه ليس رسوماً ولا أشكالاً ولا طقوساً مظهرية، وإنما هو علاقة حميمة تربط بين الإنسان وربه
ويؤكد" واجب علماء ودعاة الإسلام أن ينشروا بين الناس صور وآداب التدين الصحيح ليجسدها الشباب من الجنسين في سلوكياتهم وأساليب حياتهم، وتقديم النصائح والتوجيهات الدينية الخالصة لهم لكي يكون تدينهم تديناً حقيقياً خالياً من الرياء، والاهتمام بالمظهر على حساب الجوهر، وأن يوضحوا لهم أن التدين الحقيقي لا يعنى الحرمان من الطيبات أو المباحات، كما أنه ليس رسوماً ولا أشكالاً ولا طقوساً مظهرية، وإنما هو علاقة حميمة تربط بين الإنسان وربه، فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صورنا وأشكالنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا كما جاء في الحديث النبوي الشريف».
بعض المتدينين، يعتقدون أنهم خلقوا للعبادة فقط ولذلك لا يهتمون بأعمالهم وواجباتهم الدنيوية، ولا بحياتهم الخاصة داخل بيوتهم انطلاقاً من الفهم الضيق للعبادة
ويوضح أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية أن هناك بعض المفاهيم الخطأ التي لا تزال عالقة بأذهان وعقول بعض المتدينين، حيث يعتقد هؤلاء أنهم خلقوا للعبادة فقط ولذلك لا يهتمون بأعمالهم وواجباتهم الدنيوية، ولا بحياتهم الخاصة داخل بيوتهم انطلاقاً من الفهم الضيق للعبادة، وعلى هؤلاء أن يدركوا أن معنى قول الحق سبحانه: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» لا ينصرف إلى العبادة بالمفهوم الضيق للعبادة الذي يتصوره كثير من الناس، فمفهوم العبادة هنا أوسع وأشمل، ويندرج تحته كل الأعمال التي يقوم بها الناس في مختلف الحرف والمهن طالما أن هدفها هو تقديم الخير للناس، والإسهام في تقدم الحياة وازدهارها، والإخلاص في ذلك كله لله عز وجل.. فالمعنى الواسع للعبادة يشمل الالتزام بكل ما أمر الله به، واجتناب كل ما نهى الله عنه، ويدخل في ذلك كل ما يتعلق بصلة الإنسان بنفسه وبالله وبأهل بيته، فلو قصر في أي من هذه الواجبات، لم تتحقق له الصلة الصحيحة بالله عز وجل.
لكن.. هل مطالبة الزوجة بالتزين لزوجها تعني أن تقضي معظم الوقت في التزين وتترك الأعباء المنزلية ومتطلبات الأسرة وخاصة الأولاد؟
تجيب د. مهجة غالب، الأستاذة بجامعة الأزهر، «لم يقل أحد بذلك، والزوجة مطالبة شرعاً بأن توازن بين واجباتها داخل البيت فتعطي لكل ذي حق حقه، فلا تفرط في حقوق الزوج، ولا في واجباتها المنزلية، وهناك أزواج كثيرون لا يأكلون إلا من أيدي زوجاتهم، وهناك أطفال يحتاجون إلى رعاية وتوجيه، ولا ينبغي أن نحمل الزوجة فوق طاقتها، بل ينبغي أن يعاونها الزوج أو يأتي لها بمن تساعدها في الأعباء المنزلية لكي تجد الوقت والجهد لكي تتجمل له».
نظافة الزوج وتزينه لزوجته من المعاشرة بالمعروف التي أمر بها المولى عز وجل الرجال، وعلى كل رجل أن يدرك أن إهمال مظهره أمام زوجته سيدفعها بالتبعية إلى أن تهمل هي الأخرى مظهرها
وتؤكد «ليس مطلوباً من الزوجة أن تقضي معظم وقتها أمام المرآة لتتزين لزوجها، بل عليها أن تتزين بما تستطيع من أدوات الزينة البسيطة حتى يراها الزوج على الصورة التي يتطلع أن يراها به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح «ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته».
وتنصح الأستاذة الأزهرية كل رجل يعاني مشكلة عدم تجمل زوجته له أن يكف عن انتقادها، وأن يغير سلوكها بالنصيحة الهادئة، والكلمة الطيبة، وأن يحفزها لتفعل له ما يلبي رغباته؛ إما بإحضار ما تحتاج له من ملابس أو أدوات تجميل، وأيضاً بتخفيف الأعباء المنزلية عنها.
وتقول «قد يستطيع الزوج تحفيز زوجته لتتزين له داخل المنزل دون أن يطلب منها ذلك عن طريق التجمل لها، وهي ستشعر بالغيرة من سلوك زوجها، وتدرك أنها مقصرة دون أن ينطق الزوج بكلمة واحدة. فنظافة الزوج وتزينه لزوجته من المعاشرة بالمعروف التي أمر بها المولى عز وجل الرجال، وعلى كل رجل أن يدرك أن إهمال مظهره أمام زوجته سيدفعها بالتبعية إلى أن تهمل هي الأخرى مظهرها، وهنا لا يجوز له أن يشكو من سلوكها أو يلومها على ذلك».
وفي هذا الإطار أوضحت دار الإفتاء المصرية أنه «يستحب للرجل أن يتزين لزوجته كما تتزين هي له»
واستدلت بقوله تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
وقوله تعالى أيضاً: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»
مؤكدة -في فتوى رسمية- أن تزين كل من الزوج والزوجة من المعاشرة بالمعروف، فهي حق للزوج على زوجته، كما أنها حق للزوجة على زوجها.
وأضافت الإفتاء أن من باب معاملة المعروف أن يتزين الزوج لزوجته كما تتزين الزوجة له، فكما يحب الزوج أن يرى زوجته أن يرى في صورة ترضى نفسه، وتشوقه لها، هي كذلك أيضاً تحب أن ترى زوجها في صورة مشوقة لها.