28 سبتمبر 2025

«الكذب الأبيض» في الحياة الزوجية... متى يُباح شرعاً؟ وما هي ضوابطه؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

الكذب صفة يرفضها الشرع، وينهى عنها، لما تحمله من أضرار، على الفرد والمجتمع، لكنه في الوقت نفسه، قد يُستثنى في مواقف محددة تُقدَّر بقدرها. وبين التحريم والإباحة تدور أسئلة الناس: متى يكون الكذب مباحاً؟ وما الضوابط الشرعية لذلك؟ بخاصة تلك المرتبطة بالأزواج والزوجات، حيث أجاز النبي، صلّى الله عليه وسلم، للزوج أن يُظهر لشريكة حياته من القول ما يزيد المودّة والرحمة، وللمرأة أن تبادل زوجها مثل ذلك، شريطة أن يكون الهدف تعزيز السكن والمودّة، لا إخفاء الحقائق الجوهرية، أو الإضرار بالطرف الآخر.

مجلة كل الأسرة

في هذا السياق، نستعرض الرأي الشرعي، كما أوضحته الدكتورة صديقة الكمالي، التي بيّنت أن الكذب في أصله خلق ذميم، وسلوك حذّر الإسلام منه أشدّ التحذير، وعدّه النبي، صلّى الله عليه وسلم، من خصال النفاق، لكنه رُخِّص في مواضع محدّدة، منها ما يتعلق بعلاقة الزوجين بهدف توطيد المحبة، وحماية المودّة، وتقول «عدَّ خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، الكذب إحدى خصال المنافقين، فقال: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً»، وذكر منها: «إذا حدّث كذب»، فلماذا هذا التشديد والتحذير؟ لأنه يتنافى مع كمال الإيمان، قال تعالى: «إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون»، فالكذب تتغير به الحقائق، وتسوء به الأخلاق، وتبلغ معه الإشاعات الآفاق، ويحصل بسببه الخلاف والشقاق، لكونه أساس كل بلاء.

«فالكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الواقع، والخداع إظهار خلاف ما تُضمره في نفسك من الشرّ للآخرين، حتى يحسنوا الظن بك، في حين أنك تريد الإضرار بهم، أما النفاق فأصله إظهار شيء وإخفاء خلافه، فهو من جنس الخداع والمكر، حيث يُظهر صاحبه الخير، ويبطن الشر، وهو بذلك أوسع من مجرد الكذب، لأنه يجمع بين الكذب والخداع، معاً، وبلا شك تُعد الأخلاق الثلاثة كلها مذمومة شرعاً، لكن الخداع والنفاق يتضمنان معنى الكذب، ويزيدان عليه بالمكر، وإضمار الشر».

وثمة مواضع رخّص فيها النبي، صلّى الله عليه وسلم، في الكذب، تلخصها د. صديقة الكمالي في النقاط التالية:

  • الحرب على العدو: شرط ألا يكون فيه غدر.
  • الإصلاح بين الناس: نقل الخير وإخفاء الشر، بقصد الإصلاح من دون ضرر.
  • الكذب بين الزوجين: بما يزيد المودّة والرحمة، كإظهار المحبة والثناء.

«والدليل ما جاء في الحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يحل الكذب إلا في ثلاث: كذب الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس»، وقال صلّى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً». وروت عائشة رضي الله عنها أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون أن الكذب أبغض الخلق، فينبغي على المسلم أن يحذر أشدّ الحذر من هذا الخلق، ويبتعد عنه ولا يعوّد لسانه عليه، حتى لو كان قصده حميداً، واعتقد أنه كذب أبيض، بل عليه أن يستخدم التورية، أي قول شيء يفهمه الناس بطريقة، ولكن يقصد هو معنى آخر صالحاً، كما قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: «إن في معاريض الكلام ما يغني الرجل عن الكذب»، فتجوز المجاملات في الحياة الزوجية، ويُسمح فيها بالكذب البسيط من باب زيادة المودّة بين الطرفين، مثل أن يثني الزوج على زوجته في مظهرها، أو على طعامها، أو على تصرفاتها بطريقة جميلة، أو أن تعبّر هي عن تقديرها لشريك حياتها بشكل لطيف، حتى إن كان التعبير مجازياً، وبهدف تعزيز المحبة والرحمة والودّ بينهما».

نصائح للزوجين:

  • اجعل الهدف هو زيادة المودة لا الخداع: استخدم الكلمات اللطيفة التي تُشعر الطرف الآخر بالحب والتقدير، من دون إخفاء حقائق هامة قد تُسبب أذى أو خداعاً.
  • المبالغة في الثناء جائزة بقدرها: قل لزوجتك إنها الأجمل، أو إن طعامها الألذ، أو قولي لشريك حياتك إنه الأفضل، فهذا من باب المجاملة المحببة التي تدخل السرور إلى القلب.
  • ابتعد عن الكذب المؤذي: لا يجوز الكذب في الأمور الجوهرية مثل المال، الصحة، أو القرارات المصيرية، فهذا يهدد الثقة، ويهدم العلاقة الزوجية.
  • استعن بالتورية بدل الكذب الصريح: كما أوصى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يمكنك اختيار عبارات تحتمل أكثر من معنى، وتُرضي الطرف الآخر من دون الوقوع في الكذب المحرّم.
  • وازن بين الصدق واللطف: الصراحة أساس متين للحياة الزوجية، لكن تغليفها بكلمات رقيقة ومشاعر طيبة يجعلها أهون وقعاً، وأكثر قبولاً.
  • استخدم «الكذب الأبيض» بحكمة: المقصود به ما يزيد الحب ويعزز الثقة، لا ما يزرع الشك، أو يُخفي الأخطاء.