نرى بعض الآباء والأمهات يربون أطفالهم على السفه الاستهلاكي.. فكل طلبات الطفل مجابة وزيادة، وهذا أسلوب خاطئ تربوياً واقتصادياً، فمن يتربَّ على التبذير منذ نعومة أظفاره يكن مسرفاً في المستقبل لا يعرف قيمة النعمة ليحافظ عليها، ولا قيمة الادخار لحياته المستقبلية.
هذا ملخص ما أكده خبراء وأساتذة التربية.. وبقي أن نتعرف هنا على التوصيف الشرعي لسلوك هؤلاء الآباء والأمهات الذين يغرسون في أطفالهم السلوك السفهي منذ الصغر:
نموذج فريد في الإنفاق
في البداية، يؤكد العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن الإسلام قدم نموذجاً فريداً في الإنفاق، واهتم اهتماماً كبيراً بترشيد السلوك الإنفاقي عن طريق مجموعة من الضوابط التي يجب على المسلم في كل مراحل حياته أن يلتزم بها، كي يكون سلوكه رشيداً، وهذه الضوابط ليست اختيارية، بل هي ضرورية لضبط سلوك الإنسان في التعامل مع المال وكل نعم الله.
ويوضح د. هاشم أن "المنهج الإسلامي في الإنفاق يرفض (التقتير)، كما يرفض (الإسراف) فهو يقوم على التوسط والاعتدال، وهذا التوسط ورد في كتاب الله الخالد كصفات للمؤمنين الصادقين، وجاء في شكل أوامر ونواهٍ صريحة يجب الوقوف عندها، فالله سبحانه وتعالى يقول: «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً».. ويقول سبحانه: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً»، ويقول عز وجل: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا».. فالمسلم في إنفاقه وتعامله مع نعم الله إما أن يكون (مقتراً)، وهذا سلوك مرفوض، وإما أن يكون (مسرفاً) وهذا سلوك مرفوض أيضاً، وإما أن يكون (معتدلاً) وهذا هو التوسط الذي يحث عليه الإسلام.. ففي الإسلام لا تقتير وحرمان من نعم الله، وأيضاً: لا إسراف وسفه وإهدار لنعم الله، ولكن منهج المسلم يتمثل في قول الحق سبحانه: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) وما تبع قوم هذا الاعتدال في الإنفاق وعانوا مشكلة، حتى ولو كانوا محدودي الدخل".
ويشدد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر على أن تربية الأبناء على هذا السلوك المعتدل في الإنفاق مسؤولية الآباء والأمهات، حيث لا يجوز شرعاً تشجيع الأبناء على السفه الاستهلاكي وتلبية كل مطالبهم المادية، فمن حسن التربية الذي ألزم الإسلام به الآباء والأمهات «تربية الأبناء على تقدير نعم الله والحفاظ عليها واستخدامها وفق تعاليم الدين».
ومن هنا يؤكد د. عمر هاشم أن كل أب أو أم تشجع أولادها على الإنفاق السفهي يلحقه الإثم وسيحاسبه الله على ذلك؛ لأنه قصّر في المسؤولية التربوية تجاه أولاده.
شجعوهم على الادخار
ويوضح د. هاشم أن «المنهج الإسلامي المعتدل في الانفاق يقودنا حتما الى (الادخار) في كل وقت، والى استثمار ما ندخره لنستفيد منه، ويستفيد المجتمع أيضا، والمسلم لا يدخر اكتنازا للمال، كما لا يدخر خوفا من الفقر والحاجة، بل يدخر لأنه مأمور بالحفاظ على نعم الله، وعدم إنفاقها فيما لا يفيد.. لذلك ينبغي أن نعلّم أبناءنا منذ نعومة أظفارهم الإسلام والسلوك الاقتصادي الرشيد الذي يقوم على الاعتدال والتوسط، فلا تقتير ولا إسراف، وهذا المنهج هو الذي يلبى مطالبهم في كل وقت، ويحفظ لهم ثمرات جهدهم وكفاحهم، ويوفر لهم ولأبنائهم في المستقبل الحياة الكريمة. فلا ينبغي للإنسان أن ينفق كل ما يتكسبه من رزق، حتى ولو كان على الصدقة- وهي أفضل مجالات الإنفاق- ثم يترك عياله بعد ذلك يتكففون الناس، وقد جاء في الحديث الصحيح عن سعد بن أبى وقاص- رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول صلى الله عليه وسلم:» يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ".