14 سبتمبر 2025

حرمان الطفل من لبن أمه دون سبب سلوك يرفضه الشرع

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

بعض الأمّهات يحرصن على جمالهنّ أكثر من حرصهنّ على حقوق أطفالهن.. وأهم هذه الحقوق حق الرضاعة الطبيعية، ولذلك قد تترك إحداهنّ طفلها يرضع شهرين، أو ثلاثة، ثم تمتنع عن إرضاعه بحجج مختلفة.. فكيف ينظر الشرع إلى هذه الأم؟

الرضاعة أهم حقوق الطفل

بداية، يؤكد العالم الأزهري د. شوقي علام، مفتي مصر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الإسلام كفل حقوقاً للطفل لم يحظ بها في أيّ شريعة، أو نظام آخر عبر التاريخ.. ومن أولى وأهم حقوق الطفل بعد مولده حق الرضاعة، فقد أجرى الله سبحانه وتعالى اللبن في صدر الأم، جامعاً لكل أنواع الغذاء المناسبة لتكوين الطفل، وألزم الخالق سبحانه الأمهات بإرضاع أطفالهنّ عامين كاملين كحد أقصى، وسجل مدة الرضاعة لمن أراد إتمامها في قوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ».

لذلك، كان لزاماً على الأم أن تؤدي واجب الرضاعة ما دامت قادرة، فهو حق للطفل أجراه الله تعالى في صدرها، وحدّد القرآن الكريم مدّة الرضاعة بحولين كاملين، ولو رأت الأم أن طفلها بدأ يأكل، ومن الممكن أن يعتمد على الطعام والشراب، وتكتفي بما رضع؛ عليها أن تتشاور مع زوجها في وقف رضاعته، ولا تتوقف عن إرضاعه إلا باتفاق بينهما، وذلك حرصاً على مصلحة الطفل، بحيث لا يلحق به أي أضرار نتيجة فطامه.

متى يجوز التوقف عن الرضاعة؟

يقول د. علام عن توقف الأم عن إرضاع طفلها طبيعياً من دون أن يلحقها الإثم «لقد أوجب الإسلام على الأم أن ترضع وليدها ما دامت سليمة، ولا يوجد فيها عذر مرضي يمنعها من ذلك، فالإرضاع ليس تكرّماً من الأم على وليدها، بل هو واجب تفرضه الغريزة البشرية، ويفرضه الدين الذي يحمي حقوق الصغار قبل الكبار، ويفرضه الخلق والطبع السليم، ولذلك، تأثم الأم إن أهملت، أو قصّرت في إرضاع وليدها. لكن يجوز للأم وقف إرضاع طفلها طبيعياً، لو لحق بها مرض يمكن أن ينتقل إلى الطفل، أو كان الإرضاع يؤثر في صحتها بالسلب، وفقاً لنصيحة طبيب ثقة، أو كان لبن الأم غير مناسب للطفل».

ولكن، في بعض الأسر لا ترضع الأمّهات أطفالهنّ بحكم العرف، أو الانشغال بالعمل بعد الولادة.. فهل يقرّ الإسلام هذا السلوك؟ يجيب د. علام «لن تشعر الأم بمشاعر الأمومة الحقيقية إلا إذا أرضعت طفلها من المصدر الطبيعي للإرضاع الذي أراده الله سبحانه وتعالى، وقد قال الأطباء أن إرضاع الطفل من ثدي أمّه يعود بمنافع صحية ونفسية عدّة، على الأم.. لذلك نحث الأمهات جميعاً، على القيام بالمهمة التي أرادها الله لهنّ مع أطفالهنّ، حرصاً على الطرفين معاً: الأم.. والطفل.

لكن لو كانت الأم من بيئة لا ترضع الأطفال بحكم العرف، أو كان عملها يشغلها بعد الولادة عن إرضاع طفلها، حيث تتواجد في أماكن بعيدة عن الطفل، ولا تستطيع اصطحابه معها.. فلا حرج شرعاً في عدم إرضاع الطفل طبيعياً».

أبعدوا أطفالكم عن خلافاتكم

ماذا لو كانت الأم على خلاف مع زوجها وامتنعت عن إرضاع الطفل عناداً، لأن زوجها لا ينفق عليها، ولا على طفله؟ يؤكد د. علام «يجب أن نبتعد بأطفالنا عن الخلافات والصراعات الزوجية، ولا ينبغي أن يحرم طفل رضيع من أهم حقوقه عناداً في أبيه، مهما فعل الأب.. فالأم أمّ في كل الأحوال. لكن ينبغي أن يدرك كل أب أنه مسؤول أمام الله عمّن تلزمه نفقتهم، وفي مقدمتهم الزوجة والأولاد، فرعاية الأم المرضعة، وتوفير مقومات الحياة لها ولطفلها، مسؤولية الأب، ولو قصّر في ذلك يلحقه الإثم، ومن واجب القضاء، لو لجأت له الأم، أن يلزمه بالنفقة الواجبة عليه شرعاً.. والقرآن الكريم، كما أوجب على الأم إرضاع ولدها، أوجب على الزوج أن يرعاها رعاية كاملة لتستطيع إرضاع الولد إرضاعاً يفيده، ويحفظ عليه صحته».

وهل تستحق الأم أجرة من زوجها على إرضاع طفلها؟ يقول د. علام: «الأم مسؤولة، على جهة الوجوب، عن إرضاع طفلها ما دام لم يَحُل بينها وبين إرضاعه سببٌ معتبرٌ، عرفاً وشرعاً؛ نحو مرض، أو انعدامِ لبن، وغيرهما من الأسباب المعتبرة، ولا يحق لها طلب أجرة على ذلك، وقد تقرر في قواعد الشرع الشريف أن «المَعْرُوفَ عُرْفاً كَالمَشْرُوطِ شَرْعاً»، كما أنه لا يليق بقدسيّة الزواج ومكانة الزوجة فيه أن تُعامَل معاملةَ الأجير في أسرتها؛ بأن تُفرَض لها أجرة محدّدة نظيرَ إرضاعها أولادها، ورعايتهم».

قال العلماء: إن إرضاع الأم لولدها واجب عليها حال الزوجية، وهو عرف يلزم إذا صار كالشرط، إلا أن تكون من بيوت تتنزه عن إرضاع أطفالها فينزل عرفها منزلة الشرط، ويجب عليها أيضاً إذا لم يوجد غيرها، أو وجد ولم يقبله الولد، كما يجب عليها إذا كان الزوج معسراً ليس عنده ما يدفعه أجراً لمرضعة، ومحل الوجوب هنا إذا لم يضرها الإرضاع، ولم يضر الولد، بأن لم يكن لها لبن، أو كان ولكنه يضره.

وقال بعض الفقهاء: ليس إرضاع الطفل محتماً على الأم بالذات، بل يجب على الوالد أن يدبّر أمره بإحضار مرضعة له، أو بإرضاعه صناعياً، أو قيام الأم بذلك في مقابل أجرة، إن تمسكت بها.

لكن مهما كانت أسانيد هؤلاء الفقهاء ودوافعهم، فإن حق الطفل في الرضاع حق ثابت ومقرّر شرعاً.