
للأسف.. بعض القادرين مادياً يهملون ما عليهم من واجبات دينية تجاه الفقراء، وبعض هؤلاء يتعاملون مع فريضة الزكاة باستهانة، أو ينشغلون عنها، ويخرجون أقل ممّا هو مطلوب منهم شرعاً.. وقد كشفت دراسات استطلاعية عدّة، جهل نسبة كبيرة من الجماهير بمقادير الزكاة المطلوبة شرعاً.
فكيف ينظر العلماء إلى سلوك هؤلاء المهمِلين لفريضة الزكاة؟ وما العقاب الإلهي لمن يهملونها، وينشغلون عنها، سواء أكان ذلك عمداً أم سهواً؟ وكيف يحسب المسلم قيمة الزكاة المطلوبة منه شرعاً؟ وهل يجوز إخراج زكاة المال على مراحل، أي في صورة مخصصات شهرية للفقراء؟
فريضة واجبة
بداية، سألنا العالم الأزهري د. محمد الضويني، وكيل الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، عن التوصيف الشرعي للزكاة، فقال «الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة، ولأهميتها في حياة المسلمين، في مختلف العصور، تكرّر الحديث عنها في القرآن الكريم في أكثر من ثمانين آية، وفي أكثر الآيات نراها مقترنة بالصلاة، كما في قوله تعالى: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين».. وقوله سبحانه: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير»، فهي فريضة واجبة لا يجوز لمسلم إنكارها، أو إهمالها، لأن ذلك يخرج به عن دائرة الإيمان، والانشغال عنها مع الإيمان بها «معصية». فالزكاة فريضة حيوية تحقق أهدافاً عدّة للمجتمع كله، ويعود نفعها على الأغنياء الواجبة عليهم، قبل الفقراء المستحقين لها».
منع إخراج الزكاة إنكاراً لها، وعدم اعتراف بفرضيتها، يخرج الإنسان من دائرة الإيمان
أما عن حكم الشرع على من يمتنع عن إخراج ما عليه من زكاة، فيوضح د. عطية لاشين، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو لجنة الفتوى بالأزهر «منع إخراج الزكاة إنكاراً لها، وعدم اعتراف بفرضيتها، يخرج الإنسان من دائرة الإيمان، والعياذ بالله، لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة. وعدم إخراج الزكاة بخلاً بها، وحرصاً على المال وجشعاً، من أكبر الكبائر، وأقبح الجرائم، فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك»، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية: «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ». وعلى كل ممتنع عن الزكاة أن يعلم أن سلوكه هذا ينزع البركة من ماله، ويلحق به العديد من المصائب والكوارث.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين -المجاعة والقحط».
عقاب دنيوي للجاحدين
هذا عن العقاب الإلهي.. وهناك أيضاً عقاب دنيوي للممتنع عن الزكاة، يبيّنه د. لاشين: «بالتأكيد هناك عقوبة شرعية يحق للحاكم، أو نائبه، أن يطبقها.. يقول الرسول صلى الله عليه عليه وسلم: «من أعطاها مؤتجراً فله أجره، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله».. فالحديث يتضمن أن من غلب عليه الشحّ وحب الدنيا، ومنع الزكاة لم يترك وشأنه، بل تؤخذ منه جبراً بسلطان الشرع، مع أخذ نصف ماله، تعزيراً وتأديباً. ولم يقف الإسلام عند عقوبة مانع الزكاة بالغرامة المالية، أو بغيرها من العقوبات التعزيزية، بل أباح إعلان الحرب على كل ممتنع عن أداء الزكاة، ما يدلّ دلالة واضحة على أهمية أداء الزكاة، وخطورة الامتناع عنها».
وينتهي عضو لجنة الفتوى المركزية بالأزهر إلى توضيح أن الممتنع عن أداء زكاة ماله على قسمين:
الأول: أن يمتنع عن أدائها جحداً لوجوبها، وإنكاراً لفرضيتها، وأنها ليست من أركان الإسلام.. فهذا مما أجمع بشأنه أهل العلم على خروجه عن دائرة الإيمان، لإنكاره أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.
الثاني: أن يمتنع عن أدائها مع اعتقاده بوجوبها، وإيمانه بأنها من أركان الإسلام وأساسياته، لكن حرصه على المال، وشحّه، وحبه له حباً جماً، أدى به إلى امتناعه عن أداء حق الفقراء في ماله.. وهذا الصنف يجوز للحاكم أن يأخذها منه قهراً ويوزعها على مستحقيها.. لكننا دائماً نفضل نشر الوعي بأهمية الزكاة، وزيادة إحساس الأغنياء بحاجات الفقراء، ليدفعوا ما فرضه الله عليهم باختيارهم ورغبتهم، لينالوا على ذلك كامل الأجر والثواب.
الزكاة على دفعات
هناك من يسأل عن حكم إخراج الزكاة على دفعات، وهنا يشير د. عطية لاشين إلى أن «الزكاة واجبة الدفع فوراً، بعد حلول الحول على المال المزكّى، ولا يجوز تأخيرها من دون عذر. لكن أجاز بعض العلماء إخراج الزكاة على دفعات إذا كان هناك عذر شرعي، مثل عدم القدرة على إخراجها مرة واحدة، أو إذا كان في ذلك مصلحة للفقير والمحتاج، وفي حالة إخراجها على دفعات يجب أن يحرص المزكّي على إخراج الزكاة كاملة قبل حلول الحول الجديد».
الزكاة.. والصدقات التطوعية
كثير من المسلمين يخلطون بين الزكاة والصدقات التطوعية، ولذلك يخرجون بعض المال، أو المساعدات العينية، ويعتقدون أنهم أدوا واجب الزكاة المفروضة عليهم.. وعن هذه المسألة يقول د. محمد الضويني «هذا خلط شائع في عقول وأذهان كثير من المسلمين، ولذلك يحتاج الأمر إلى توضيح وبيان، حتى لا يقع المسلم في خطأ يعود عليه بالإثم. فالزكاة المفروضة تختلف اختلافاً جوهرياً عن الصدقات التطوعية.. فالزكوات المفروضة لا يجوز لمسلم التفريط فيها، أو التخلي عنها، أما الصدقات فهي من باب التطوع، رغبة في زيادة الأجر والثواب، ولأنها «تطوعية» فأجرها عظيم، وثوابها عند الله كبير، لأنها تعكس زهد المسلم في المال، ورغبته في ما عند الله من عطاء جزيل».
من هم المستحقون للزكاة؟
يقول وكيل الأزهر الشريف: «الخالق عز وجل حدّد المستحقين للزكاة في قوله سبحانه: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم». والمراد بالصدقات هنا الزكاة المفروضة.. والفقير: هو من يملك مالاً قليلاً لا يكفي حاجاته الضرورية من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن.
أما المسكين: فهو من لا شيء له، فيحتاج إلى سؤال الناس لسدّ حاجاته ومطالب حياته، وهو أكثر فقراً من الفقير.. وقال بعض العلماء إن المسكين هو الذي له مال أو كسب ولكنه لا يكفيه، وعلى هذا يكون قريب الشبه بالفقير.
و«العاملون عليها».. المراد بهم من كلّفتهم الدولة جمع الزكاة وتحصيله ممّن يملكون نصاب الزكاة.
أما «المؤلّفة قلوبهم».. فالمراد بهم الأشخاص الذين يرى الحاكم دفع شيء من الزكاة إليهم تأليفاً لقلوبهم، واستمالة لنفوسهم نحو الإسلام، لكفّ شرهم، أو لرجاء نفعهم.. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتألف قلوب بعض الناس بالعطاء، دفعاً لشرّهم، أو أملاً في نفعهم، أو رجاء هدايتهم.
أما الصنف الخامس المستحق للزكاة، فالمراد به الذين أشار إليهم الخالق سبحانه في قوله عز وجل: «وفي الرقاب»، أي بأن يشتري بجزء منها عدداً من العبيد لكي يعتقوا من الرق، ذلك لأن الإسلام يحبب اتباعه في عتق الرقاب، وفي مساعدة الأرقاء على أن يصيروا أحراراً.. وهذا المصرف لم يعد موجوداً الآن.
والصنف السادس المستحق للزكاة: «الغارمون»، والمراد بهم من لزمتهم الديون في غير معصية لله، ولا يجدون المال الذي يدفعونه لدائنيهم، فيعطون من الزكاة ما يعينهم على سداد ديونهم.
وقوله: «وفي سبيل الله» بيان للمصرف السابع من مصارف الزكاة.. أي تصرف الزكاة في سبيل الله بدفع جزء منها لمساعدة المجاهدين الذين أخرجوا لإعلاء كلمة الله.
والصنف الثامن: «ابن السبيل»: وهو المسافر المنقطع عن ماله في سفره، ولو كان غنياً في بلده، فيعطى من الزكاة ما يساعده على بلوغ وطنه.
وقد اشترط العلماء لابن السبيل الذي يعطى من الزكاة أن يكون سفره في غير معصية الله، فإن كان في معصية لم يعطَ، لأن إعطاءه يعتبر إعانة له على المعصية، وهذا لا يجوز.
نصيحة للبخلاء بالزكاة
وهنا يقدم د. الضويني نصيحة لهؤلاء الذين تشحّ نفوسهم بالزكاة «تأملوا قول الله تعالى عقب بيان الأصناف المستحقة للزكاة: «فريضة من الله».. أي أن الله فرض عليكم الزكاة، وألزمكم إنفاقها على هؤلاء المستحقين لها، فهي فريضة من خالق الإنسان، وواهب المال، فلا يصح لكم أن تبخلوا بها عنهم، أو تتكاسلوا في إعطائها لمستحقيها، حتى لا ينالكم عقابه، فهو وحده خالق الغني والفقير، وقوله: «والله عليم حكيم»، أي هو الذي يعلم الحكمة من فريضة الزكاة، فهو سبحانه عليم بأحوال عباده، ولا تخفى عليه خافية من تصرفاتهم، حكيم في كل أوامره ونواهيه، فعليكم أن تأتمروا بأوامره، وأن تنتهوا عن نواهيه، لتنالوا رضاه، وتتجنبوا عقابه».
كيف تحسب زكاتك؟
يقول العالم الأزهري د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق: «واجب المسلم أن يتعلم أمور دينه، وهي سهلة وميسّرة له عبر العديد من المواقع والصفحات الموجودة على هاتفه، والأمر ميسور في كل الأحوال، فمن لا يحسن حساب زكاته عليه أن يسأل العلماء وهم متاحون في كل البلاد الإسلامية، ومتاحون عبر النوافذ الالكترونية، ولا حجة لأحد في هذا العصر».
ويضيف: «المال عليه زكاة عندما يبلغ نصاباً، وهذا النصاب هو ما يكفي لشراء 85 جراماً من الذهب عيار 21، وكل مسلم يحسب هذا النصاب حسب مقدار العملة وسعر الذهب عيار 21 في بلده.. بشرط أن يحول عليه الحول، أي يمرّ على هذا المال حوزة الإنسان عاماً كاملاً، ومقدار الزكاة هنا اثنان ونصف في المئة.. أي 25 درهماً على كل ألف درهم. ولو كان هذا المال في صورة ودائع أو شهادات استثمارية في البنوك، فزكاته كلما يحول عليه الحول- أي يكمل سنة كاملة 10% من قيمة الريع (أي العائد).. أي لو كان عائد ريع الوديعة 1000 درهم كانت قيمة الزكاة هنا 100 درهم.. وهكذا».
زكاة العقارات والسيارات
وهل تجب الزكاة في العقار الذي أمتلِكُه، أو في السيارة التي أركبها؟ وما كيفية إخراج الزكاة في الحالة التي تجب فيها الزكاة؟
يقول مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر: «العقار، أو السيارة المملوكة يختلف الحكم في الزكاة عنها بحسب الغرض الذي اتخذت من أجله، على حالتين:
الأولى: العقار الذي يخصص للسكنى، أو السيارة التي تخصص للركوب، ونحو ذلك من الأموال التي تخصص للنفقات الشخصية، فهذه لا زكاة فيها.
الثانية: إذا كان العقار، أو السيارة، أو غيرهما، قد اتخذت بنيّة التجارة فيها؛ فتجب الزكاة في قيمتها؛ لأنها حينئذ من عروض التجارة.
وإخراج الزكاة تكون بالخطوات التالية:
أولاً: بحساب قيمتها، فإن بلغت قيمتها خمسة وثمانين جراماً من الذهب عيار (21)، فأكثر، فهذه قد بلغت النصاب، والقدر الواجب إخراجه منها ربع العشر 2،5%.
ثانياً: تجب فيها الزكاة بمرور عام هجري كامل من وقت الشراء.
ثالثاً: تخرج الزكاة على قيمتها في نهاية الحول على الراجح، فإن كانت في أول الحول تساوي مئة ألف، وفي نهاية الحول تساوي مئة وعشرين، فتخرج الزكاة على اعتبار مئة وعشرين.
رابعاً: إن ركدت الشقة أو السيارة لسنوات، فتزكّى للعام الأخير، وقت البيع فقط، على المختار من مذهب الإمام مالك، رضي الله عنه.
خامساً: تجب زكاة عروض التجارة في السكن أو السيارة فيها بشرط شرائها لأجل التجارة، فإن اشتراها لنفسه، أو لولده، بنيّة السكنى أو الركوب فلا زكاة عليها حتى ولو تغيرت نيته بعد ذلك من أجل التجارة».
اقرأ أيضاً: شروط زكاة الذهب وكيفية إخراجها.. وهل تفرض الزكاة على ذهب الزينة؟