أدمن بعض الرجال تهديد زوجاتهم وإرهابهنّ دوماً بـ«يمين الطلاق»، لتظل الزوجة تعيش في رعب وخوف، بسبب أيمان زوجها التي لا يوجد ما يستدعيها.. فكيف ينظر الشرع إلى سلوك هؤلاء الأزواج وأيمانهم؟ وماذا تفعل الزوجة؟
بداية، يؤكد العالم الأزهري د.فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء وعضو هيئة الفتوى الرسمية في الأزهر، أنه «لا يجوز للمسلم أن يجعل من الطلاق يميناً يحلف بها على فعل هذا، أو ترك ذاك، أو يهدّد به زوجته، إن فعلت كذا فهي طالق».
ويقول: «لليمين في الإسلام صيغة خاصة، لم يأذن في غيرها، وهي الحلف بالله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك».. وحديث: «من كان حالفاً فليحلف بالله، أو ليصمت».
ماذا تفعل الزوجة التي يحلف عليها زوجها بالطلاق؟
يجيب د. الفقي: «عليها أن تصبر وتحتسب، وتلتزم بما حلف به زوجها حتى لا تدخل في دائرة الحرام، وأن تنصحه وتطلب من المقرّبين منه نصحه بأن يتوقف عن هذا السلوك المحرّم شرعاً. لكن لو فعلت الزوجة ما حلف به الزوج، وكانت مدركة لما تفعل وقع الطلاق، حتى ولو كان الزوج آثماً بسبب يمينه.. وإذا فعلت المرأة ما حلف عليه الزوج نسياناً فليس عليها شيء، يقول الله سبحانه: «رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا»، فالناسي ليس عليه شيء، والحمد لله، أما إن تعمدت ذلك، أي تقصد ما فعلت، فعلى الزوج «كفارة يمين» ولا يقع الطلاق إذا كان المقصود من حلف الزوج منع الزوجة، وتخويفها، وتحذيرها، أما إن كان المقصود إيقاع الطلاق إذا فعلت، فإنها إذا فعلت ذلك عمداً يقع طلقة واحدة».
بماذا تنصحون الأزواج الذين يحيطون زوجاتهم بأيمان الطلاق؟
يوضح عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: «نقول لهم كفوا عن هذا العبث فوراً.. فلا يجوز للإنسان أن يحلف إلا عند الضرورة، ولا يجوز له أن يحلف بغير الله، لأن هذا الحلف حرام، ومنهي عنه شرعاً، فقد نهى النبي نهياً واضحاً صريحاً أن يحلف الإنسان بأبيه وقال: «لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليذر»، وفي رواية أخرى «أو ليصمت»، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «من حلف بغير الله فقد أشرك».. وعلّة هذا النهي واضحة، وهي أن الحلف نوع من التعظيم للمحلوف به، ولا يجوز أن يعظّم المؤمن غير الله عز وجل.
ولذلك، فإن ما يتردّد من أيمان على ألسنة الناس يومياً، في بلادنا العربية، مثل الحلف بالأب، أو بالابن، أو بالشرف، أو بغير ذلك، أمر مخالف للشرع، ويجلب لفاعله غضب الله، وعقابه، ويدخله في دائرة الإثم».
هل المسلم مطالب أصلاً بالحلف؟
المسلم ليس مطالباً شرعاً بالحلف، إلا لو طلبت منه هيئة قضائية، أو رسمية ذلك، والأصل في الإنسان أن يكون صادقاً، يقول كلمة الحق في كل المواقف، وعلى من يتعامل معه أن يصدّقه، ولو كذّبه أو شكك في كلامه ليس من حقه أن يطلب منه الحلف، ذلك أن تعاليم ديننا تلزمنا بتوقير اسم الله، وتنزيهه عن لغو الكلام، وكثرة الحلف به من دون داعٍ، ولذلك يقول الحق سبحانه: «ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم».
لكن، لو كان هناك ما يستدعي الحلف فينبغي الالتزام بشروط اليمين وآدابها، وأهمها أن تكون اليمين بالله تعالى، أو بصفة من صفاته على شيء فعله الحالف، أو لم يفعله، فالحلف لا يكون إلا بعظيم، وليس هناك أعظم من الله تعالى، وصفاته.
كيف يتصرف الزوج الذي حلف على زوجته ويريد الرجوع عن هذه اليمين؟
يبيّن د. الفقي: «عليه أن يتوب إلى الله أولاً عمّا فعل، ويكفّر عن يمينه، وهذا هو الأفضل له ولزوجته.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ».
وكفارة اليمين حدّدها الله عز وجل، في كتابه الكريم بقوله: «لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، أي أنّ كفارة اليمين على الترتيب، وفق الآتي:
- إطعام عشرة مساكين من أوسط طعام أهل البلد التي يسكن فيها الحالِف، مما اعتاد أن يُطعِم منه أهله، من غير إسراف ولا تقتير.
- أو كسوة عشرة مساكين، بثوب يستر العورة، ويكفي لأداء الصلاة فيه، والمرجع في ذلك إلى العُرْف وعادة الناس، وعتق الرقبة ذهب محلها بانتهاء الرقّ.. ويجوز إخراج قيمة الكفارة مالاً إذا كانت مصلحة الفقير في ذلك.
- إن عجز الحالف عن الوفاء بأحد الأمور السابقة؛ صام ثلاثة أيام، ويلزم تبييت نيّة صيامها من الليل.