15 يونيو 2025

علماء المسلمين: الإجازة الصيفية تثقيف وترفيه مشروع وعمل وعبادة

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

يخطئ من يظن أن الإجازة الصيفية للأبناء للترفيه فقط.. فهي فرصة جيدة لاستكمال بناء الإنسان ليكون قادراً على مواجهة التحدّيات، وبناء شخصيته على أسس، ومبادئ، وأخلاقيات تجعله قادراً على حماية نفسه من كل وسائل الانحراف، والوقوع في براثن الرذيلة؛ ليخرج من أشهر الإجازة أكثر وعياً، وثقافة، وفهماً للحياة، وصلاحية للعمل والإنتاج، إلى جانب الراحة النفسية، والاستعداد الجيد لمواصلة الدراسة، وتحقيق أهدافه منها.. فكيف يستفيد أولادنا من مدة الإجازة الصيفية؟

لا حرج في الترفيه

بداية، يؤكد العالم الأزهري د. شوقي علام، مفتي مصر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أنه لا حرج على أولادنا أن يستفيدوا من الإجازة الصيفية في الترفيه عن أنفسهم للتخلص من الضغوط النفسية، والإرهاق الذهني والعصبي الذي يلحق بهم نتيجة التركيز في الدراسة، وتحصيل العلوم، والمعارف، والامتحانات، وما تسببه من ضغوط نفسية. فهذا هدف مشروع لا يحظره الإسلام، ولا يقف في طريقه، ولكنه يوجهه التوجيه الصحيح، حيث ينبغي أن يكون الترفيه أولاً مشروعاً، وثانياً أن يكون هادفاً يعود على الإنسان بمنافع ذهنية، وعقلية، ونفسية، ويجعله أكثر استعداداً لدراسة قادمة، أو عمل منتظر.

لا يجوز أن يلهو أولادنا  بأدوات ومظاهر ترفيه تضرّ بهم جسمانياً أو عقلياً مثل ممارسة ألعاب إلكترونية ضارّة بهم

ويضيف «الإسلام دين يوازن دائماً بين حاجات الإنسان النفسية، والبدنية، والعقلية، وبين حاجاته الحياتية، فلا يصادر الإسلام حقاً من حقوق النفس، لكنه يمنع ويحظر كل ما يضر بنفس الإنسان، أو بدنه، أو يصرفه عن واجب من الواجبات، الدينية أو المعيشية. فلا يجوز لإنسان أن يلهو ويشغل نفسه بمظاهر ترفيه وتسلية، ويهمل صلاته، أو يقصّر في أداء واجب إنساني، أو اجتماعي، بل الإنسان مطالب بالتوازن والتوفيق بين واجباته الدينية، وحاجات نفسه. أيضاً لا يجوز أن يلهو أولادنا بأدوات ومظاهر ترفيه تضر بهم، جسمانياً أو عقلياً، مثل ممارسة ألعاب إلكترونية ضارة بهم، وهناك كثير من الألعاب الإلكترونية الضارة، كما أكد خبراء التربية، وكما أكدت التجارب. فكثير من الألعاب الإلكترونية المتداولة بين الأطفال والشباب ثبت ضررها بهم، ولذلك فإن حمايتهم منها واجب، وهي مسؤولية خبراء التربية والتعليم والمتخصصين في التعامل مع الوسائل والأدوات الإلكترونية».

مسؤولية الأسرة في مراقبة الأولاد

من جهته، يشدد د. صلاح العادلي، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر ورئيس قسم أصول الدين بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، على ضرورة وجود برنامج متكامل لشغل أوقات أولادنا في الإجازة الصيفية، فالإجازة الصيفية لم تشرع للَّهو واللعب، ولا لمزاولة الأنشطة الترفيهية فقط، وإنما يجب استغلال تلك الأشهر لتنمية قدرات الأولاد، الذهنية والعقلية، من خلال إكسابهم بعض المهارات، ومن خلال العديد من الأنشطة الرياضية الهادفة، عن طريق تدريبهم على الأعمال، سواء مع أسرهم، أو من خلال إلحاقهم ببعض الأعمال المناسبة لأعمارهم.

ويضيف «أيضاً على أولياء الأمور مراقبة أولادهم جيداً خلال الإجازة الصيفية، وأن يباعدوا بينهم وبين رفقاء السوء، وأن يساعدوهم على تنظيم أوقاتهم واستثمارها استثماراً جيداً؛ حتى نترك للمجتمع أبناء بررة جرت تنشئتهم بصورة جيدة، تسهم في بناء شخصياتهم بما يفيدهم شخصياً، ويفيد مجتمعاتهم في المستقبل».

من الجيد أن يصطحب الأب ولده إلى أعماله الخاصة خلال مدة الإجازة ليكسبه خبرات ومهارات العمل

ويحث الأستاذ الأزهري أولياء الأمور على أخذ أولادهم معهم إلى الأماكن التي يذهبون إليها ليكسبوهم من خبرات الحياة وتجاربها.. ويؤكد «من الجيد أن يصطحب الأب ولده إلى أعماله الخاصة، خلال مدة الإجازة ليكسبه خبرات ومهارات العمل، ويشاركه في المسؤولية ليعدّه في المستقبل، ومن ليس لديه عمل خاص فليبحث لأبنائه عن تلك الأماكن لدى أصدقائه، ومعارفه. وهنا، يمكن لوزارات التربية والتعليم والتأهيل المهني أن تهيئ لشباب الجامعات تحديداً، أماكن للتدريب والتأهيل خلال أشهر الإجازة، وهذا موجود في الواقع في بعض البلدان العربية ونتطلع إلى التوسع فيه».

والى جانب فرص العمل والتأهيل المهني، يرى د. العادلي أن أشهر الإجازة الصيفية فرصة لتحفيظ الأطفال بعض سور القرآن الكريم، حتى لو كانت دراساتهم في تخصصات بعيدة عن علوم الدين، ويبيّن «بركات القرآن الكريم تحلّ على كلّ من يحفظ كتاب الله، فهو يضبط ألسنة أولادنا، ويحسّن من إجادتهم لعلوم اللغة العربية، في وقت شاعت فيه الأخطاء اللغوية على ألسنة وكتابات معظم الأبناء، كما أن ما تحمله نصوص القرآن من أحكام شرعية، وآداب وأخلاقيات مثالية، يسهم بشكل كبير في ضبط سلوكاتهم، ويحميهم من السلوكات المنحرفة».

الولاية الشرعية للأبوين.. نصائح وتوجيه

د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، ترى أننا– للأسف- لا نستثمر مدة الإجازة الصيفية لتقديم ما يفيد أطفالنا وشبابنا، وتوضح «أوقات بعض أبنائنا خلال مدة الإجازة ما بين السهر أمام الشاشات، أو مواقع الإنترنت، أو الوقوف على النواصي، أو داخل الكافيهات، حتى الساعات الأولى من الصباح.. هكذا يقضي أبناؤنا الإجازة الصيفية، فيستيقظ بعضهم بعد الظهر، أو بعد العصر، ومبرّر الجميع أننا الآن في إجازة، وليس وراءنا ما يشغلنا، ودعِ الأولاد على راحتهم حتى يستعدوا جيدا لاستقبال العام الدراسي الجديد!. هذا خطأ كبير تقع فيه كثير من الأسر في التعامل مع أبنائها، وبعض الأسر تترك لأولادها حرية السهر بلا ضوابط، وحرية المبيت خارج البيت، وحرية السفر إلى المتنزهات العامة، والمصيبة الكبرى أن يكون من بين هؤلاء بنات، فيفعل الأولاد بعيداً عن عيون الأسرة كل ما طاب لهم من السلوك، وهذه كارثة تربوية، وإهمال في المسؤولية التي جعلها الله في عنق الآباء والأمهات، حتى يكبر الأبناء ويستقلوا بحياتهم».

الولاية لا تعني مصادرة حرية الشباب في فعل ما هو مباح من السلوك كما يفعل بعض الآباء القُساة على أولادهم

وتضيف الأستاذ الأزهرية «الولاية الشرعية للآباء على أولادهم تفرض عليهم أن يكونوا على قدر المسؤولية، وهذه الولاية لا تعني مصادرة حرية الشباب في فعل ما هو مباح من السلوك، كما يفعل بعض الآباء القساة على أولادهم، لكنها تعني الرعاية، والتوجيه الصحيح، وهي مسؤولية في عنق الآباء والأمهات، طالما ظل الأبناء تحت رعايتهم، ولم يستقلوا بحياتهم، بل إن رعاية بعض الأسر لأولادهم تتواصل حتى بعد استقلالهم بحياتهم، لأن الآباء يريدون أولادهم أفضل منهم في كل شيء، ولذلك يخافون عليهم، ولا تتوقف نصائحهم وتوجيهاتهم لهم».

فرصة للتثقيف وزيادة الوعي المجتمعي

وتؤكد الأستاذة الأزهرية ضرورة استغلال الإجازة الصيفية لزيادة مساحة الثقافة العامة للأبناء، عن طريق تشجيعهم على القراءة وتحصيل الثقافة العامة من وسائلها المتنوعة، وتقول «الأزهر- مثلاً- مؤسسة تعليمية توعوية، له نشاط تعليمي مع طلابه في مختلف مراحل التعليم، خلال أشهر الدراسة، وله نشاط دعوي وبحثي، في علوم الدين والدنيا، لا يتوقف طوال العام، وفي أشهر الإجازة الصيفية يعد الأزهر- سواء في مرحلة التعليم قبل الجامعي أو التعليم الجامعي- برامج تثقيفية لطلابه تزيد من ثقافاتهم العامة، وترفع من قدر وعيهم المجتمعي، فتراهم يشاركون في أعمال بيئية وتنموية، وخدمية تطوعية، تجسد علاقتهم وصِلتهم بمجتمعاتهم. وهذا أمر مهم للغاية لربط الشاب بمجتمعه، وتدريبه على تقديم المساعدة للآخرين، وخدمة وطنه والبيئة المحيطة به. والى جانب كل ذلك هناك أنشطة ذهنية وترفيهية هادفة يشارك فيها هؤلاء الشباب حتى لا يملّوا من قضاء أوقات فراغهم في تحصيل الثقافات والمهارات التي تثقل شخصياتهم، وتؤهلهم لتحمّل المسؤولية في المستقبل البعيد والقريب».

وترفض د. فتحية سلوك بعض الأسر التي تحرم أطفالها وأبناءها من الترفيه والإمتاع النفسي المباح خلال أشهر الإجازة «هناك طلاب بمجرد انتهاء الامتحانات يلتحقون بعمل، أو حرفة معيّنة إلى آخر يوم في الإجازة، عن طريق الإكراه من أسرهم، من دون مساحة من الترفيه، أو الترويح عن النفس.. وهذا خطأ كبير». لذلك تشدّد الأستاذة الأزهرية على ضرورة وجود (استراتيجية محددة) للتعامل مع الأبناء في موسم الصيف تجمع ما بين الجانبين، المادي والروحي، باغتنام هذه الأشهر القلائل في صقل مهارات الأبناء، وتثقيفهم وتدريبهم على العمل الموجه، إضافة إلي قسط كاف من الراحة والترفيه قبل قدوم عام دراسي جديد.

اغتنم فراغك قبل شغلك

أما العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، فيؤكد إن الإجازة الصيفية فرصة للشباب، يستجمّون فيها، ويروّحون عن أنفسهم من عناء ما بذلوه طوال العام من محاضرات ودروس، وهي فرصة أيضا للتثقيف والاطّلاع الخارجي حتى تتكون الشخصية العلمية عند الشاب، أو الفتاة.

ويشير إلى أنه من الخطأ أن يعتقد البعض أن مدة الصيف للهو فقط، بل هي أيضاً لتعميق الطاعة والعبادة، لله عز وجل، فينبغي أولاً الحرص على صلاة الجماعة في وقتها بالمسجد، والمداومة على الأذكار، وحفظ شيء من القرآن، مع ورد ثابت للتلاوة، ويحسن أيضاً تعلّم شيء من السيرة، والحرص على الدروس الدينية، ومتابعة المفيد من البرامج التلفزيونية، لأن الوقت هو أغلى ما يملكه أي إنسان، ومن ثم يجب اغتنامه في ما يفيد دائماً، كما أوصى النبي، صلى الله عليه وسلم، في حديث: «اغتنم خمساً قبل خمس»، وذكر منها: اغتنم فراغك قبل شغلك.

ليس معنى أنه في إجازة ألّا يحاسبه أحد أين يذهب ومتى يعود، فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة

ويضيف عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر «على أولياء الأمور استثمار هذه المدة المهمة من العام في متابعة أبنائهم، وتعميق انتمائهم الوطني، والتزامهم الديني، عن طريق ارتباطهم بالمسجد، وتدريب الابن على الواجبات الاجتماعية، ومهارات التعامل مع الآخرين، بحسب سنّه، فالإجازة وأوقات الفراغ تتسع للكثير ممّا لا تتسع له فترة الدراسة».

ويرى د. هاشم أنه في الإجازة ينبغي أن يحظى الابن بشيء من الحرية المنضبطة، وليست المطلقة، فليس معنى أنه في إجازة ألّا يحاسبه أحد أين يذهب، ومتى يعود، فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة، ولكن ينبغي أن تكون تحركات الأبناء في هذه السّن تحت مظلة وتوجيه الآباء والأمهات، كي لا ينجرفوا، يميناً أو يساراً.

حذارِ من التعامل السيئ مع التكنولوجيا

وفي هذا الإطار، يحذر د. محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، من التعامل العنيف مع الأطفال والشباب خلال مدة الإجازة الصيفية، ويؤكد ضرورة أن يكون التعامل النفسي متوازناً، فلا حرية مطلقة، ولا عنف في التعامل.. وفي الوقت نفسه، لا تهاون أو تفريط في التزام أولادنا بالقيم والأخلاق في كل سلوك يصدر عنهم خلال مدة الإجازة.

ويقول «من مخاطر سلوك الأطفال والشباب في الإجازة الصيفية التعامل السيئ مع التكنولوجيا، حيث فيها الوقت مفتوح، وكثير من الأهل لا يدرون ماذا يفعل أبناؤهم، وهنا مكمن الخطورة، ما يؤدى إلى سحب الشاب من بقية النشاطات الأخرى، مثل ممارسة الرياضة، والقراءة والتثقيف، بل وأداء الصلاة.

ضرورة وجود خريطة واقعية لقضاء الإجازة الصيفية، وأن تتضمن أنشطة متنوعة تجمع بين الترفيه والتسلية وممارسة الرياضة بأشكالها

علينا أن ندرك أن وسائل التواصل الاجتماعي تجذب الأولاد والبنات بشكل إدماني، ما يصعب عليهم مقاومتها، وهنا سيقعون في حالة اندماج شديد، وهذا النشاط ـ أي الانشغال بالتكنولوجيا ووسائل التواصل ـ ليس بريئاً طوال الوقت، ففي بعض الأحيان تدخل البنت في علاقات قد تبدو بريئة في البداية، ثم تتحول إلى علاقات غير بريئة، وتصبح أسيرة لهذه العلاقة، ويوجد في بعض المواقع ما يسمى (الأفخاخ)، أي أن الولد، أو البنت، يقع في فخ، أو حفرة، أو ألغام.. هذه الألغام التي يستدرج فيها الشاب والفتاة، قد تكون ألغاماً دينية، مثل أفكار متطرفة، أو إلحادية، وهناك أيضاً أفخاخ عاطفية، أو جنسية، وقد تكون أيضاً ألغاماً رياضية، كالألعاب الإلكترونية القاتلة، ويستدرج فيها المراهق من خلال الوقت الطويل الذي يقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأخيراً، ينصح أستاذ الطب النفسي بضرورة وجود خريطة واقعية لقضاء الإجازة الصيفية، وأن تتضمن أنشطة متنوعة تجمع بين الترفيه والتسلية، وممارسة الرياضة بأشكالها، فالشخصية الإنسانية تحتاج إلى الثراء للمحافظة على التوازن بين احتياجات الجسد، واحتياجات العقل والروح. فالتنوّع في الأنشطة مطلوب، ويسهم بشكل كبير في تكوين الشخصية، وبنائها بناء سليماً. وحبذا لو تضمن برنامج الإجازة أيضاً بعض الأسفار والرحلات لنصبح أكثر استكشافاً وانفتاحاً عن طريق زيارة الأماكن التراثية، والسياحية، كي يتعرّف أبناؤنا إلى معالم وآثار بلادهم، ومن ثم يتسع الوعي وتتفتح المدارك، وتتطور رؤيتنا للحياة، والناس، والعالم.

اقرأ أيضاً:
- عمل الأبناء خلال الإجازة الصيفية.. متى يكون مفيداً؟
- خطوات علاج مشكلة سهر الأبناء في الإجازة الصيفية